ليلة عيد الصليب وتبريك بيت مريم- اجدبرا 13-9-2018

عظة المطران منير خيرالله

في قداس ليلة عيد الصليب بعد تبريك بيت مريم

إجدبرا، 13/9/2018

 300

« ليس من أجلي كان هذا الصوت بل من أجلكم» (يوحنا 12/30)

 

أبونا شربل (خشان) خادم الرعية،

أبونا سامي (نعمه، الآتي في فرنسا ويشاركنا العيد)،

أحبائي جميعًا.

 

        تعوّدنا أن نلتقي في ليلة عيد ارتفاع الصليب من كل سنة في هذا المكان الذي تقدس في حضور العذراء مريم وتمثالها يحرس المنطقة منذ مدة بعيدة وفي مشروع الصليب القائم على هذه التلة، لنردّد معًا: فليرتفع صليب المسيح عاليًا على قمم جبالنا لنبقى ثابتين في إيماننا وفي أرضنا.

في إنجيل اليوم يعلّمنا يسوع أنه بموته على الصليب انقلبت كل المقاييس والمفاهيم البشرية؛ لأن هذا الصليب، الذي كان قصاصًا للمجرمين وإهانة للمصلوب عليه، تحوّل بموت يسوع المسيح ابن الله، طوعًا وحبًّا للبشر من أجل خلاصهم، إلى انتصار على الشيطان والموت وصار علامةً للحبّ الذي يبذل ذاته في سبيل من يحبّ.

الحكمة عند البشر أصبحت حماقة عند الله وحماقة الصليب عند البشر أصبحت بيسوع المسيح حكمةً عند الله. هذه هي طريق الخلاص التي أراد يسوع أن يدلّنا عليها لنمشيها معه ونحن حاملون صليبنا.

اتخذ يسوع من حبة الحنطة مثلاً لموته وقيامته. حبة الحنطة التي تُزرع في الأرض يجب أن تموت لكي تعطي ثمارًا كثيرة، وإن لم تَمُتْ تبقى مفردة. وموت المسيح على الصليب كان حياة للبشر، حياةً أبدية أُعطيت لنا مجانًا من الله الذي أحبّنا حبًا مطلقًا وأراد أن يخلّصنا بموت ابنه يسوع المسيح على الصليب وبقيامته منتصرًا على الموت.

مات المسيح وقام وأصبح هذا الحدث أساس وجوهر إيمان الكنيسة وإيماننا نحن المسيحيين. وكل مرة نجتمع في الكنيسة نعلن إيماننا بالله، الآب والإبن والروح القدس، وبعمل الخلاص الذي تمّ بتجسّد الإبن يسوع المسيح وبموته على الصليب وبقيامته في اليوم الثالث، وبالحياة الأبدية التي أعطيت لنا بمحبة الروح القدس العامل أبدًا في الكنيسة.

وفي كل مرة نعيد إعلان إيماننا هذا نرفع رأسنا لأننا انتصرنا بالمسيح على الشرُّ والموت وأصبحنا أقوى منهما ولأننا مدعوون إلى القداسة؛ وبخاصة نحن أبناء وبنات أبرشية البترون، أبرشية القداسة والقديسين.

نعم نحن مدعوون إلى القداسة في ظل الظروف الصعبة والتحديات التي نواجهها في عالم اليوم. نحن مدعوون إلى أن نموت عن هذه الدنيا وكل مغرياتها وملذاتها. مدعوون إلى أن نعبر بالموت على صليب كل يوم إلى مجد القيامة والحياة الأبدية. وبالفرح والرجاء نواجه هذا الموت لأننا تخطّينا الخوف وأصبحنا، بموت المسيح وقيامته، أقوى من الشيطان والموت وننتصر عليهما بصليب المسيح. وذلك يتطلب منا تضحيات كبيرة.

هل نحن قادرون اليوم على تقديم هذه التضحيات لنثبت أمام سلاطين الشرّ والإغراءات ؟ أم أننا نستسلم ونصبح عاجزين عن المواجهة ؟ عاجزين عن التضحية في سبيل تربية أولادنا وتعليمهم وبناء مستقبلٍ لهم؟ إن الذي عاشه آباؤنا وأجدادنا عبر التاريخ على هذه الأرض المقدسة التي ورثناها عنهم كان أصعب وأقسى بكثير من الذي نعيشه نحن اليوم وقد قبلوا التضحيات وصمدوا وثبتوا في إيمانهم ورجائهم بالمسيح بالرغم من الاضطهادات والحروب والنزوحات وعاشوا مرفوعي الرأس بحرية وكرامة.

علينا أن نتساءل اليوم: أين نحن من حريتنا وكرامتنا وصمودنا في ظل الظروف الراهنة ؟ أم أننا أصبحنا مستسلمين لليأس لا نقوى على مقاومة الشرّ والتحديات وإغراءات السياسيين والفاسدين ؟

فلنقرّر الآن اختيارنا للمستقبل في عيش حرّ وكريم: هل نريد أن نتبع المسيح أم سلاطين هذا العالم وأسياده ؟

أعتقد أنكم جميعكم مستعدون أن تقولوا نعم، نحن نختار المسيح مع حمل الصليب. فالصليب هو علامة انتصارنا على كل سلاطين هذا العالم وشياطينه.

لا تخافوا إذًا ! نحن أقوياء بإيماننا بالمسيح المصلوب والقائم من الموت. نحن أقوياء بكنيستنا وبتاريخ شعبنا.

لا تخافوا ! نحن قادرون على بناء مستقبل لأولادنا على أرضنا المقدسة. نعم نحن قادرون بالرغم من كل شيء.

فلنعملْ معًا بوحدة وتضامن وقلب منفتح لتلبية الدعوة إلى القداسة. وكل واحد منا يستطيع أن يكون قديسًا، كما قال لنا القديس البابا يوحنا بولس الثاني في إعلان قداسة رفقا. والقداسة تتحقق بالجهود الكبيرة والتضحيات والمحبة وقبول الإنسان كل إنسان واحترامه.

أدعوكم إلى الصلاة في هذا القداس وفي هذا المكان المقدس لكي نتسامى مع المسيح الذي ارتفع على الصليب ليجذبنا إليه ويدعونا إلى القداسة.

وأدعوكم إلى طلب شفاعة العذراء مريم، أم المسيح وأم الكنيسة وأمنا؛ هي التي رافقت إبنها يسوع منذ البشارة والحبل به وحتى أقدام الصليب وإلى القيامة؛ ثم رافقت الكنيسة الناشئة بعد القيامة وبقيادة الروح القدس.

نطلب معًا بركة الله على كل واحد منا، وعلى كل عائلة من عائلاتنا كي تبقى عائلات مباركة ومصلّية ومُحبَّة تشهد للمسيح بالمحبة والمصالحة والسلام واحترام الإنسان، كل إنسان. آمين.

photo Gallery