عظة المطران منير خيرالله
في قداس ورتبة تبريك كنيسة السيدة (التي شيّدها السفير جهاد عون)
تحوم، الجمعة 7/9/2018
« إن أمي وإخوتي هم الذين يسمعون كلمة الله ويعملون بها» (لوقا 8/12).
حضرة المونسنيور سمير (الحايك)،
حضرة الخوري شربل (خشان) خادم هذه الرعية،
حضرة رئيس البلدية السفير طنوس عون،
أحبائي جميعًا.
أيها العزيزين ماري روز وجهاد لقد أردتما أن تجمعانا الليلة في هذه الكنيسة الجديدة والجميلة التي شيّدتماها على إسم العذراء مريم. وأنتما تعرفان أن رعية تحوم، التي شُيِّدت فيها كنائس عديدة، كانت تفتقد إلى كنيسة للعذراء الأم. أما اليوم، وبعد تكريس الكنيسة، فقد اكتمل البناء واكتملت الرعية بكنائسها وشفعائها؛ لأنه ليس من بلدة أو مدينة أو قرية في لبنان تخلو من كنيسة أو مزار على إسم العذراء مريم. ومريم كانت حاضرة، منذ أن بشرّها الملاك جبرائيل بأنها ستصبح أمًا للكلمة المتجسد إبن الله يسوع المسيح، في مسيرة الخلاص. كانت حاضرة إلى جانب إبنها يسوع ورافقته حتى أقدام الصليب والموت والقيامة. ثم رافقت الكنيسة منذ انطلاقتها ورافقت كنيستنا المارونية وبطاركتنا وشعبنا الذي سلّم دومًا ذاته إلى الله بشفاعتها. وراح أجدادنا وآباؤنا، كلما شيّدوا كنيسة أو مزارًا للعذراء، يطلقون عليها إسمًا خاصًا بها يستوحونه من المكان أو من الحالة التي هم فيها. ونحن اليوم، بعد رتبة تبريك هذه الكنيسة، نثبّت حضور مريم ومرافقتها لنا في الظروف الصعبة التي تمرّ علينا.
سمعنا يسوع في إنجيل لوقا يعلّمنا أنه « لا أحد يشعل سراجًا ويُخفيه تحت وعاء أو يضعه تحت سرير، بل يضعه على منارة ليرى الداخلون النور». وفيما هو يعلّم « أقبلت إليه أمه وإخوته ولم يقدروا أن يصلوا إليه. فأخبروه: إن أمك وإخوتك واقفون في الخارج يريدون أن يروك. فأجاب وقال لهم: إن أمي وإخوتي هم هؤلاء الذين يسمعون كلمة الله ويعملون بها». (لوقا 8/16-21).
تعليم يسوع واضح. يطلب منا أن نضع النور الذي فينا على المنارة، لأننا بالمسيح أصبحنا نور العالم، فنضيء لجميع الداخلين إلى بيت الله وإلى الملكوت. ثم يوصينا بأن نسمع كلمة الله ونعمل بها لنكون إخوةً له وأخوات. تجسّد يسوع المسيح ابن الله إنسانًا ليحقق في البشر ملكوت الله، ملكوت المحبة والعدالة والسلام، وليزرع الملكوت في قلب كل واحد منا. « ملكوت الله هو في داخلكم». ولكي يثمر الملكوت فينا أعمال رحمة ومحبة ومصالحة، علينا أن نسمع كلمة الله، وهي غذاؤنا اليومي، ثم أن نعمل بها في التزام حياتنا اليومية. ملكوت الله يتحقق في الثمار التي تظهر من أعمالنا.
كل هذا يتكلّل في القداس، في الإفخارستيا ذبيحة الشكر لله على عطيّة ابنه يسوع الذي مات لأجلنا وعلى كل عطاياه المجانية لنا. في القسم الأول من القداس، قسم الكلمة، نسمع كلمة الله ونفهمها ونستوعبها فتدخل في أعماقنا وتثمر فرحًا وسلامًا ومحبة. وفي القسم الثاني نشارك بذبيحة الإبن الذي بذل ذاته في سبيل خلاصنا فنتناول جسده ونشرب دمه عربون خلاص قدّمه لنا مجانًا، فنصبح نحن أداة خلاص للآخرين بشهادة أعمالنا.
نطلب اليوم في قداسنا من الله أن تبقى مريم العذراء شفيعة لنا وأمًا. مريم، بتواضعها وصمتها وتضحيتها، تُوجِّهنا دومًا إلى يسوع. هي الدليل الذي يقود إلى يسوع. لم تكن مريم يومًا، لا في حياتها ولا في مسيرة الكنيسة، دليلاً لذاتها. لم تتخذ من ذاتها مرجعًا وأساسًا للحياة المسيحية؛ بل كانت دومًا تدلّ إلى ابنها يسوع، وتقول لنا: « إفعلوا ما يأمركم به»، وتختفي.
مريم الحاضرة معنا اليوم بتواضع وصمت ومحبة تُوجِّهنا نحو ابنها يسوع الرب والإله والمخلص وتدعونا إلى اتّباعه بثقة كاملة.
هكذا نفهم دور مريم العذراء في حياة الكنيسة وفي حياتنا اليوم وفي حياة كل عائلة من عائلاتنا.
نطلب من الله، بشفاعة العذراء مريم، أن يباركنا ويبارك عائلاتنا كي تكون عائلات مباركة ومصلّية وتربّي على القيم المسيحية والإنسانية في الأخوّة والتضامن والمحبة واحترام الإنسان.
وكما أعطت عائلاتنا قديسين وقديسات لأنها كانت مؤمنة ومصليّة، كذلك نطلب من الله أن يمنح عائلاتنا اليوم نعمة القداسة. ونحن هنا في أبرشية القداسة والقديسين، ومدعوون جميعنا إلى القداسة.
بركة الله هي التي تبني العائلة؛ ومن العائلة نبني الكنيسة والمجتمع والدولة والوطن ونواجه كل التحديات والعواصف الآتية إلينا.
فليباركنا الله، بشفاعة أمنا مريم العذراء، ويبارك عائلة ماري روز وجهاد وجميع عائلاتنا، الحاضرة منها معنا اليوم والمنتشرة في كل أصقاع العالم، وليُعْطنا من خلالها ثمار تحقيق الملكوت في تلبية دعوته إلى القداسة. وكل واحد منا هو مشروع قداسة وقادر أن يكون قديسًا على مثال شربل ورفقا ونعمة الله والأخ اسطفان وغيرهم الكثيرين. آمين.