عظة المطران منير خيرالله
في قداس المتزوجين في يوبيلهم الفضي والذهبي
الكرسي الأسقفي- كفرحي، السبت 21/9/2019
« الزواج هو أيقونة محبة الله لنا» (البابا فرنسيس، فرح الحب، عدد 121)
إخوتي الكهنة، أحبائي جميعًا أبناء وبنات أبرشية البترون،
أيها اليوبيليون المكرَّمون.
بدعوة من لجنة العيلة في أبرشية البترون ومرشدها الخوري بطرس فرح، نحتفل اليوم، وكعادتنا كل سنة، بتكريم الأزواج الذين مرّ على عهد الحب الذي أعلنوه أمام الله وأمام الكنيسة في سرّ الزواج المقدس خمسٌ وعشرون أو خمسون سنة، تحت شعار « الزواج هو أيقونة محبة الله لنا».
لاحتفالنا هذه السنة أهمية مميزة ومهابة خاصّة بعد إعلان البطريرك الياس الحويك، ابن الأبرشية، مكرّمًا على طريق القداسة، وبعد افتتاح « سنة المكرّم البطريرك الياس الحويك، وهي سنة تحضيرية لإحياء المئوية الأولى لإعلان دولة لبنان الكبير»، كما قال غبطة أبينا البطريرك مار بشاره بطرس الراعي. (في قداس بكركي 31/8/2019).
أنتم هنا اليوم، أيها الأزواج مع أولادكم وأحفادكم، آتون من رعايا الأبرشية، لتجدّدوا العهد الذي قطعتموه يومًا في ما بينكم أمام مذبح الرب لعيش الحب في سرّ الزواج المقدس، وأعلنتموه أمام الله والكنيسة والأهل وجماعة المؤمنين، وتواعدتم على عيشه مدى العمر في التضحية والوفاء وحفظ الوصايا والمشاركة في حمل أعباء الحياة ونعمة العطاء وتربية الأولاد الذين هم بركة من الله.
نلتقي معكم في إفخارستيا الشكر لنقدم التسبيح والمجد والإكرام إلى الله المحبة، الآب والابن والروح القدس، على كل ما عشتموه وتعيشونه معًا، وعلى كل ما قدّمتموه من جهود وتضحيات لتكوين عائلات مسيحية تحيا بروح الإنجيل وهدي الروح القدس وسهر أمّنا العذراء مريم.
ونجدّد معكم في هذا اليوم المبارك إيماننا والتزامنا بسرّ الزواج المقدس الذي أراده الله منذ البدء، ومن فيض حبه اللامحدود، عطاءً وتضحيةً وحبًّا حتى بذل الذات. ولأن الله محبة « خلق الإنسان على صورته كمثاله، على صورة الله خلقه، ذكرًا وأنثى خلقهم وباركهم وقال لهم: إنمو واكثروا واملأوا الأرض» (تكوين 1/27-28). خلقهم ليعيشوا هذا الحب حتى النهاية.
لا يقول الكتاب المقدس إن الرجل هو على صورة الله كمثاله؛ ولا يقول إن المرأة هي على صورة الله كمثاله؛ لكن الاثنين معًا هما على صورة الله كمثاله.
صورة الله هي إذًا في الزوجين اللذين يتعاهدان على الحب ويتقدمان في عيش هذا الحب.
يقول قداسة البابا فرنسيس في إرشاده الرسولي فرح الحب: « يُعتبر الزواج علامةً ثمينةً لحضور الله، لأنه عندما يحتفل رجل وامرأة بسرّ الزواج تنعكس صورة الله فيهما وتُطبع فيهما ملامحه وطبيعة حبّه الذي لا يزول. فالزواج هو أيقونة محبة الله لنا... (عدد 121).
والشركة التي تولد بين الزوجين في سرّ الزواج هي على صورة الشركة بين الآب والابن والروح القدس، شركة محبة حتى بذل الذات، شبيهة بعلاقة المسيح بالكنيسة جسده السرّي، وشبيهة بمحبة الله الآب الذي بذل ابنه الوحيد فداءً عن البشر.
لذا يطلب من الزوجين أن يستشهدا أحدهما حبًا بالآخر. وذلك يعني أن يتخلّى كل منهما عن الأنا الخاصة فيه في سبيل نشوء الأنا الواحدة التي تجمعهما في حياة مشتركة وتجعلهما ينفتحان على عطايا الرب ويُنجبان أولادًا ويؤسسان معهم عائلة مسيحية تدخل في سرّ الحب الإلهي.
مشروع الله الأصلي هو لعيش الحب الكامل بين الرجل والمرأة اللذين يتّحدان في الله ويتكرّسان في الحب وفي خصب العطاء الذي من خلاله يشتركان مع الله في عمل الخلق عبر إيلاد البنين وتربيتهم على القيم المسيحية والإنسانية.
« العائلة هي تحفة المجمع» يقول قداسة البابا فرنسيس. والزواج الذي يباركه الله يرقى في الحب إلى سرّ الله، ويحافظ على الرباط بين الرجل والمرأة الذي يولد من حب الله لهما، فيثبتان في المسيح ويصبحان مع أولادهما بالمعمودية أعضاء في الكنيسة، جسد المسيح السرّي الواحد.
والبطريرك الحويك كان وضع العائلة في أولويات خدمته البطريركية مشدّدًا على دورها الأساس في بناء المجتمع البشري. ويقول في إحدى رسائله: « العائلة هي أساس العمران. وكما تكون العائلة يكون المجتمع البشري المؤلف منها. ومن المقرّر بالاختبار أن سلامتها ونجاحها إنما يقومان بحفظها النظام الذي سنّه الله الخالق منذ البدء، وكمّله يسوع المسيح بعمله وتعليمه». (راجع رسالته في 11 ك2 1922).
أيها الأزواج، أنتم مدعوون إلى تأدية شهادة الحب وتحمّل المسؤوليات الجسام في مواجهة التحديات التي تهدّد وحدة العائلة وثباتها والقيم التي تربّي عليها وفي تربية أجيال المستقبل.
أنتم مدعوون إلى الشهادة بأنكم عائلات تصلّي. والعائلة التي تصلّي تعيش حضور الله فيها وتبقى ثابتة في إيمانها ووحدتها وتماسكها. تشاركوا في الصلاة مع أولادكم، وتغذّوا من كلمة الله في الكتاب المقدس ومن المناولة في الإفخارستيا واطلبوا شفاعة العذراء مريم. فتنمو عائلاتكم في الحبّ وتتحوّل يومًا بعد يوم إلى هيكل لسكنى الروح القدس وتكون جماعات مقدسة وكنائس بيتية.
أيتها العائلات المسيحية أنت مدعوة إلى القداسة. والدعوة إلى القداسة تنمو في العائلة التي تشهد في عيشها للفضائل الإلهية والقيم الإنجيلية. ومعكِ تعمل الكنيسة على أن تُصان العائلة في كل مقوّماتها وتُحصَّن في أخلاقيتها، فتكون النواة الأساسية لإعادة بناء المجتمع والوطن الرسالة- لبنان- على قيم الحرية والكرامة والمحبة والعيش الواحد في احترام التعددية. إنها رسالة لبنان الكبير الذي أراده البطريرك الياس الحويك باسم جميع اللبنانيين، مسيحيين ومسلمين. وهي الرسالة التي تحملها كنيستنا اليوم ويحملها شعبنا، لنبقى كبارًا في لبنان الكبير ونموذجًا لكل شعوب العالم.
كلمة الخوري بطرس فرح
في مقدمة قداس المتزوجين في يوبيلهم الفضي والذهبي
الكرسي الأسقفي- كفرحي، 21/9/2019
صاحب السيادة المطران منير خيرالله السامي الإحترام
آبائي الأجلاء، أيها المكرَّمون، إخوتي الأحباء.
تمرّ السنون، تسقط ممالك، تترندح أخرى. تتحطّم الجرّة عند آبار هذا العالم المعفّرة، أو المشقّقة. وتبقى العائلة التي من يد الله خُلقت. صنعها بتأنٍ كفاخوري عتيق، أو بالأحرى كصائغ ماهر، وعندما تلألأت عليها صورته برّاقة، زرعها في حقل هذا العالم، أيقونة حبّ، تشير إلى ذاك الحبّ الثالوثي الذي لا ينضب، ولا يحيد.
بالرغم من التشكيك الذي تتعرّض له، ومن أزمات في الاستمرار، تسطع على محيّا العائلة كلمات الكتاب المقدس: « ما جمعه الله لا يفرّقه إنسان». بالرغم من البغض الذي ينخر العظام، وينساب في شرايين العائلة كالسمّ القاتل، يبقى الرجل اليد التي تحمي، والأمّ العين التي تدمع على ماضٍ مضى ويحاول أن يجرّ معه القيم، وتتأثّر على مستقبلٍ، كي يُحمى من عثرات الزمن، ويبقى نموّه في الله والفضائل مشروعًا لا تثنيه صعابٌ ولا يصدّه تحدٍ.
صاحب السيادة
كعادتها، لجنة العائلة في أبرشية البترون المارونية، تحتفل مع أيقوناتٍ حيّة معلّقةٍ على جدران رعايانا، مرّ على التزامها الأبدي خمس وعشرون أو خمسون سنة، شهدَت فيها، وتستمرّ غدًا، بأنّ « قلب الصليب بلسمٌ لصليب القلوب»؛ وتنسى ما وراءها من ضعف، وتنبسط إلى الأمام، تجذبها عائلة الناصرة مثالاً. تّتحّدُ معًا، تتّكيء على أولادٍ وأحفادٍ ليشهدوا دائمًا أنّ العائلة هي المكان الأول للبشارة المسيحية، هي أساس المجتمع، مدرسة الإيمان وابتسامة الرجاء وأيقونة المحبّة الثالوثية.
إخوتي، يقال أن فيكتوريا ملكة انكلترا، رغم محبّتها العظيمة لزوجها ألبير، كانت تمرّ علاقتهما ببعض الخلافات. وفي أحد الأيام، وبعد خلاف عالي النبرة، دخل الملك غرفته وأغلق الباب. بعد فترة، طرقت الباب، فسأل: من ؟ فأجابت: ملكة انكلترا. وبقي الباب مقفلاً. ثم طرقت ثانية. ولمّا سأل: من ؟ أجابت: فيكتوريا. ولم يفتح الباب. وفي المرة الثالثة، وعندما سأل من الطارق ؟ أجابت: زوجتك يا ألبير. ففتح الباب على مصراعيه.
أيّها المكرّمون، أنتم أيقونة الله. تخطّيتم عقبات، وحاولتم طرق أبواب اللقاء بكثير من الأسماء المستعارة. ولن تُفتح الأبواب إلاّ بالحبّ الأساسي، اي صورة الله ومثاله فينا، إلى أن تتشرّع أمامنا أبواب الملكوت ويحنّ الشبيه إلى شبيهه. آمين.