عظة المطران منير خيرالله في رسامة الخوري يعقوب حنا كنيسة مار شربل عبرين، السبت 5/10/2019 قال الرب: « أنا خلقتك يا يعقوب وافتديتك ودعوتك باسمك وأنت لي» ( أشعيا 43/1) قدس المونسنيور النائب العام، إخوتي الكهنة، أخواتي الراهبات، أحبائي أبناء وبنات وادي تنورين وعبرين والأهل والأصدقاء. أيها العزيز يعقوب. تُقدمك عبرين ووادي تنورين اليوم إلى الكهنوت لخدمة شعب الله وقد اختارك الرب يسوع المسيح، الكاهن الأوحد والأبدي، ليشركك بكهنوته الخِدَمي. ومعهما نرفع التسبيح والمجد والشكران إلى الله الآب والابن والروح القدس على نعمة الكهنوت التي تعطى لهما بابنهما يعقوب. كان من المفترض أن لا تكون هنا اليوم وأن لا تكون أصلاً في عداد الأحياء. لكن وقوفك هنا أمام المذبح المقدس وأمام حقارتي أنا خليفة الرسل لقبول سر الكهنوت هو آيةٌ من الله للذين لا يؤمنون وشهادةٌ لشبابنا ولكل الأزواج الذين يتعرضون لضغوط هذا العالم المهرول في تيار المادّية والاستهلاك. أنت هنا اليوم يا يعقوب لأن الرب اختارك قبل أن يكوّنك في الحشا وخلقك وافتداك ودعاك باسمك. وهذا هو شعارك في الكهنوت اتخذته من آشعيا النبي واختبرته شخصيًا في حياتك. قصتك مع الله فريدة ومميزة وتعود إلى ما قبل الحبل بك وولادتك، كما تخبر أنت في شهادتك، وتعود إلى سنة 1982 في أحلك أيام الحرب في لبنان والاحتلال والتهجير. وتقول: « كان والداي يسكنا في بيروت ولجآا إلى وادي تنورين هربًا من الحرب. وذات ليلة رأت أمي في الحلم شخصًا يرتدي حلّة بيضاء وبيده عصا. أيقظها وقال لها: رح تحبلي وتجيبي صبي؛ سمّيه يعقوب. قالت له أمي: أنا لست حاملاً. قال لها: رح تحبلي. واختفى. وفي صباح اليوم التالي أخبرَتْ جدّتي بالحلم؛ فقالت لها جدتي: إنه مار يعقوب الأسقف الشهيد شفيع وادي تنورين. وبعد فترة حبلت والدتي، ولكنها لم تكن على استعداد لولد جديد، بعد ولدين عندها، بسبب ظروف الحرب. فقررت مع والدي إجهاضي. وذهبا إلى الطبيب فأعطاها دواء لذلك. وبينما هي تحاول أخذ الدواء، شعرت كأن شخصًا يمسك بيدها ويردعها دون أن تراه. وكرّرت المحاولة ثلاث مرات من دون أن تنجح. فتذكرت عندئذ الشخص الذي تراءى لها في الحلم. فرمت الدواء وقررت إنجابي وعند ولادتي في 20 تموز 1983 دعتني يعقوب». أنت إذًا ابنُ الحياة، ابنُ الله الذي اختارك لهذه الدعوة المميزة لتخدم شعبه في الكهنوت. لكنك لم تكتشف الدعوة إلا مؤخرًا. فَرُحتَ تشق طريقك بعيدًا عنه. وبعد دروسك الابتدائية في مدرسة برج حمود الرسمية، والتكميلية في مدرسة جبيل الرسمية، والثانوية في ثانوية عمشيت الرسمية، وهذا يدلّ على تنقّل العائلة بسبب الحرب. دخلتَ الجامعة اللبنانية ونلت إجازة في الحقوق. ورحت تمارس المحاماة. وسنة 2008 تعرفتَ في عمشيت إلى جماعة الأبانا، من جماعات التجدّد بالروح القدس. وسنة 2010، فاتحتني بأمر الدعوة، وكنتُ مسؤولاً عن لجنة الدعوات في الأبرشية. فقدَمتُكَ إلى سيادة المطران بولس آميل سعاده الذي أرسلك إلى إكليريكية مار أغسطينوس في كفرا. وبعد سنتين انتقلتَ مع الطلاب الإكليريكيين إلى غزير لتتابع دروسك اللاهوتية في جامعة الروح القدس الكسليك. وتخرجّت في حزيران 2015 وكنت قد بدأت خدمة رعائية في عبرين إلى جانب خادم الرعية الخوري يوحنا مارون مفرج الذي رافقك لمدة خمس سنوات، وشهد لقدراتك الإنسانية والثقافية والرعائية ورأى فيك دعوة ناضجة وجدّية. وعهد إليك مرافقة الحركات الرسولية في الرعية نظرًا لثقافتك وخبرتك في العمل كمحامٍ مع مؤسسات حكومية وغير حكومية. وتعرّفتَ في مسيرتك إلى ميراي مطر من لحفد وساكنة في عمشيت. ومعها قررت الزواج ومتابعة تلبية دعوتك إلى الكهنوت. وها أنت اليوم تضع كل ثقتك بالرب يسوع الذي يمنحك سرّ الكهنوت وموهبة الروح القدس بوضع يديّ الحقيرتين، أنا خليفة الرسل، بعد أن كان منحك كل حبّه في سرّ الزواج المقدس. فتشترك بذلك في كهنوت المسيح الذي ستتّحدُ به ومن خلاله تدخل في شركة خاصة مع الثالوث الأقدس الآب والابن والروح القدس. وتشترك من ناحية ثانية بمهمتي الأسقفية في خدمة التعليم والتقديس والرعاية لشعب الله. لذا فإنه لا بدّ من أن تعي أن كهنوتك ينبع من كهنوت المسيح ويكوّن فيك وثاقًا جوهريًا مميزًا يربطك بالمسيح من خلال الأسقف ويجعل منك صورة حقيقية له وممثلاً له في رعاية شعبه. (راجع القديس البابا يوحنا بولس الثاني، أعطيكم رعاة، والمجمع البطريركي الماروني، النص السابع). إني أصلّي من أجلك ومن أجل زوجتك ميراي وطفلك لوكاس وأدعو لك كي تبني عائلة ترضي الله وتمشي على درب القداسة وكي تخدم شعب الله الذي سيوكَلُ إليك بتضحية وتجرّد وانفتاح. في خدمتك الراعوية حاول دومًا أن تجمع الناس وأن تجمع المواهب في الرعية وفي الحركات والجمعيات الكنسية والمدنية. حاول أن تقنعهم أن العمل الكنسي والجماعي هو غنىً للكنيسة، وأننا معًا مسؤولون عن حمل رسالة المسيح في عالم اليوم، وبخاصة في أبرشيتنا، حيث بدأنا مسيرة تطبيق توصيات مجمعنا الأبرشي وافتتحنا سنة المكرّم البطريرك الياس الحويك الذي يرقد هنا في عبرين وأصبح ضريحُه محجًّا للمؤمنين. في حياتك الروحية، لا تنسَ الصلاة لكي تبقى في تواصل دائم مع الله الذي دعاك من قبل أن تولد وفي علاقة مع المسيح. لاتنسَ أن تتغذى كل يوم من كلمة الله. ولا تكتف بالاحتفال بالقداس، وهو قمة حياتك الكهنوتية، وبالأسرار، بل حاول أن تعيش حضور الله في حياتك وفي تواصلك مع الناس. إني أصلي من أجل عائلتك ومن أجل رعيتك وادي تنورين التي ستخدمها مع تنورين التحتا ودوما، ومن أجل رعية عبرين التي خدمتَ فيها وأحببتها وبادلتك المحبة، ومن أجل جميع الذين تعبوا في تنشئتك في الأبرشية وفي إكليريكية مار أغسطينوس كفرا ومار مارون غزير وجامعة الروح القدس الكسليك، وفي مرافقتك حتى الزواج وحتى الكهنوت. وصيتي لك أن لا تنسى الله الذي دعاك وأن تداوم على الصلاة وتتأمل بمريم، كما يقول البابا فرنسيس في رسالته إلى االكهنة (4 آب 2019)، وأن تردّد نشيد تسبيحها: « فهي التي تعلّمنا التسبيح القادر على فتح أعيننا للمستقبل وعلى استعادة الرجاء للحاضر. إنها الصديقة الساهرة دائمًا كي لا تنقص الخمرةُ في حياتنا. إنها تلك التي طُعن قلبها بحربة والتي تفهم كل الهموم. وبصفتها أمًا للجميع، إنها علامةُ رجاء للشعوب التي تعاني آلام المخاض إلى أن تولد العدالة». آمين.