عظة المطران منير خيرالله
في قداس تكريم المونسنيور بيار طانيوس
بعد تعيينه نائبًا عامًا لأبرشية البترون
السبت 28/9/2019، كنيسة سيدة الانتقال- تنورين الفوقا
« إتبعاني سأجعلكما صيادين للناس» (متى 4/19).
قدس المونسنيور بيار (طانيوس) النائب العام، للمرة الأولى أدعوك مونسنيور،
آبائي رؤساء الأديار، إخوتي الكهنة، أخواتي الراهبات،
أحبائي جميعًا أبناء وبنات تنورين.
أشارككم فرحتكم الكبيرة لأني أعرف كم قلوبكم مفعمة بالفرح في هذه المناسبة التي تجمعنا، وهي شكر الرب على تعيين خادمكم الخوري بيار طانيوس نائبًا عامًا للأبرشية.
أنطلق أولاً من إنجيل اليوم عن دعوة يسوع لأول الرسل سمعان وأندراوس. إن الرب يسوع بحكمته ومشيئة الله الآب يقلب مقاييس البشر؛ فيجعل من الضعف قوة ومن صياد السمك صيادًا للبشر. يخربط تفكيرنا ومنطقنا البشري. المهم أن نفهم ما يريد ونتّكل عليه ونتبعه.
دعا يسوع سمعان وأندراوس والرسل، فتركوا كل شيء وتبعوه. لم يعودوا يفكّرون في حياتهم إلا بيسوع وباتّباعه لأن عنده طريق الخلاص، ولأنه الطريق والحق والحياة.
اليوم نحتفل معكم بخادمكم الخوري بيار الذي اخترته بنعمة الروح القدس ليكون نائبًا عامًا لأبرشيتنا بعد مسيرة حياة حاول فيها أن يتشبّه بالرسل. ترك كل شيء وتبع المسيح. وصار المسيح هدف حياته وأولوية في حياته.
الخوري بيار هو ابن بجدرفل وابن عائلة مباركة، عائلة يوسف طانيوس وفدوى اسحق المؤلفة من ثلاثة عشر ولدًا، وهو التاسع بينهم. عائلة مباركة لأنها تتّكل على الله وتعرف أن الله باركها وأنه أعطى لكل ولد « رزقته» كما كان يقول أجدادنا وآباؤنا الذين عاشوا في الفقر والتعتير في هذه الأرض الصخرية القاحلة ولكن بإيمان كبير.
هكذا بدأ الخوري بيار حياته في هذه العائلة المباركة الوضيعة والبسيطة والمؤمنة والمتّكلة على الله. أتمَّ دروسه مثل إخوته في بجدرفل ثم عبرين. وفي عمر العشرين قرر الدخول إلى المدرسة الإكليريكية. وكنت أنا أتابعه في الأبرشية عندما كنت نائبًا عامًا لسيادة المطران بولس آميل سعاده، وكان هو نشيطًا في الرعية ومسؤولاً عن الفرسان والطلائع، ثم في الأبرشية مع رابطة الجامعيين ورئيسًا للّجنة الإقليمية للطلائع. إنها علامة الدعوة في التزام من يترك كل شيء ليتبع المسيح.
طلب مني مساعدته للدخول إلى الإكليريكية في غزير سنة 1993 وقلت له إنها دعوة مباركة.
وبعد ست سنوات تنشئة نال إجازة في اللاهوت. ثم رسم كاهنًا سنة 2000. وعيّنه سيادة المطران سعاده خادمًا لرعيتي جران ومراح الزيات؛ خدمهما بكل تضحية واندفاع وبكل ما أعطاه الله من مواهب. لأنه كان مقتنعًا أن الكهنوت خدمة، وأن من يخدم المسيح يترك كل شيء في الدنيا ليخدم الكنيسة وشعب الله. وفي خلال خدمته أحبّ أن يتخصص في الحق القانوني الكنسي في جامعة الحكمة. وبعد أن نال الإجازة، قرّر سيادة المطران سعاده وكنت معه، أن يرسله إلى فرنسا لمتابعة اختصاصه سنة 2007. وفي ست سنوات أنهى دروسه ونال شهادة الدكتوراه. وكنت أنا شخصيًا إلى جانبه عندما دافع عن أطروحته في تولوز في 30 أيلول 2013 وكانت بموضوع: « السلطة الكنسية والروح المجمعية بين أولوية سلطة بابا روما وسلطة البطريرك في الكنائس الشرقية الكاثوليكية». موضوع يدلّ على قناعة كانت عنده وعندي أننا نحن في الكنيسة نحمل المسؤولية معًا. هذه هي الروح المجمعية التي تميّز مسيرة كنيستنا المارونية التي تتمحور منذ تأسيسها حول رأسها البطريرك وحوله مجلس الأساقفة وحولهم الإكليروس والشعب أو العلمانيين. وكانت القرارات في السطلة تتخذ مجمعيًا وكان الشعب يشارك إذ كان حاضرًا في قلب البطريرك وفي قلب المطارنة الرعاة وفي قلب الكهنة خدام الرعايا.
بعدها عاد الخوري بيار إلى الأبرشية وكنت أنا أصبحت خادمها في الأسقفية. فعيّنته خادمًا لرعية تنورين الفوقا. لم تيساءل لحظة واحدة: لماذا في تنورين في الجرد وأنا ابن بجدرفل والساحل ! بل قَبِلَ بهذا التعيين وتبنّى الرعية ووضع ذاته في خدمتها وحسب نفسه إبنًا لتنورين التي أحبّها وتفانى بخدمتها. وأنتم بدوركم حسبتموه إبنًا لتنورين وبادلتموه المحبة والاحترام.
وتشهد رعيتكم اليوم، من كبيرها إلى صغيرها، على عناية وسهر الخوري بيار على البشر قبل الحجر؛ وشهادتها تنبع من وعيها لرسالة الكنيسة المحلية في البترون والكنيسة المارونية المنتشرة في كل بلدان العالم. وذلك بفضل قناعة الراعي بأننا جميعًا نحمل مسؤولية الكنسية.
وكنت سنة 2013 قد أطلقتُ المجمع الأبرشي تحت شعار « نتجدّد ونتقدس بالمسيح». فكان الخوري بيار في خدمته إلى جانبنا بالروح المجمعية التي درس عنها يعمل على تطبيقها، بدءًا من رعيته في تنورين ووصولاً إلى رعايا الأبرشية يحمل معي هموم الناس وتطلعاتنا إلى التجدّد: تجدّد الأشخاص وتجدّد المؤسسات والتجدّد الروحي.
وبعد ختام المجمع في آذار الماضي وبدء مسيرة تطبيق توصياته، رأيت أنه من واجبي أن أبدأ بالتجدّد في الأشخاص، والتجدّد يبدأ في الرأس.
ليت جميع المسؤولين في بلادنا يفهمون هذا ويبدأون بالتجدد في الرأس. لأن الإصلاح والتجدّد لا يأتيان من الشعب ومن القاعدة. فاخترت الخوري بيار ليكون إلى جانبي نائبًا عامًا، دون أن يترككم في تنورين. وكُلّي ثقة أنه سينجح، كما نجح معكم، في تحمّل مسؤولية أكبر. والمسؤولية، كما وجوده في قمة السلطة، ستحمّله صليبًا أكبر. ولكننا معًا سنحمل الصليب على أكتافنا لا على صدورنا لنحمل معه هموم شعبنا وتطلّعاته.
وسنكمل معًا، ومع جميع الملتزمين في مسيرة تطبيق مجمعنا الأبرشي، إكليروسًا وعلمانيين، مسيرة التجدّد في أبرشيتنا على مستوى الأشخاص، ثم على مستوى المؤسسات، وإلى التجدّد الروحي في مسيرة روحية نعود فيها إلى جذور روحانيتنا المارونية النسكية من وادي قنوبين إلى وادي تنورين وحردين وكفيفان وجربتا. إنها درب القداسة التي سلكها بطاركتنا ومطارنتنا وكهنتنا ورهباننا وراهباتنا ونساكنا وأهلنا وعائلاتنا.
طريق القداسة التي سلكها البطريرك الياس الحويك، ابن الأبرشية، والذي نحن في سنة تكريمه بعد إعلانه مكرَّمًا وعلى أبواب إعلان مئوية لبنان الكبير الذي طالب به باسم جميع اللبنانيين، مسيحيين ومسلمين؛ لأن البطريرك الحويك كان يرى لبنان كبيرًا واللبنانيين كبارًا. والخطر المحدق بنا اليوم أن اللبنانيين يصغّرون لبنان ويرونه صغيرًا على قياس مصالحهم الشخصية الصغيرة. لكننا نرفض هذه الرؤية. لبنان الكبير سيبقى كبيرًا فينا كما أراده البطريرك الحويك، وكما دعاه القديس البابا يوحنا بولس الثاني « لبنان الوطن الرسالة». وسيبقى كذلك بفضلنا جميعًا: بفضل رأس كنيستنا البطريرك مار بشاره بطرس الراعي والمطارنة والكهنة والرهبان والراهبات والنساك وأهلنا ونرجو أيضًا مسؤولينا المدنيين.
لبنان الكبير سيبقى وطن الرسالة. آمين.