عظة المطران منير خيرالله
في قداس تكريم المونسنيور بيار طانيوس
بعد تعيينه نائبًا عامًا لأبرشية البترون
الأحد 29/9/2019، كنيسة مار بنديليمون- بجدرفل
« فتركا السفينة وأباهما وتبعا يسوع» (متى 4/20).
قدس المونسنيور بيار (طانيوس) النائب العام،
إخوتي الكهنة،
أحبائي جميعًا أبناء وبنات بجدرفل الرعية الحبيبة على قلبي منذ زمن بعيد.
جئت أشارككم اليوم الفرحة الكبيرة لتكريم الذي انا اخترته نائبًا عامًا للأبرشية ليتابع سلسلة الكبار الذين أعطتهم رعيتكم بجدرفل في الحقلين الديني والمدني.
الخوري بيار يمثل اليوم حلقة من المسيرة الطويلة في عطاءات بجدرفل.
خادم الرعية الخوري بطرس فرح قرأ علينا في بداية القداس مقطعًا من رسالة أهالي بجدرفل إلى البطريرك الياس الحويك تدل على نُبل هذه الرعية وإيمان أهلها حتى في أيام المحن والحروب والمجاعة.
هذه الرعية كبر فيها أبونا بيار. هو ابن عائلة مباركة، ابن يوسف وفدوى طانيوس، مؤلفة من ثلاثة عشر ولدًا. عائلة باركها الله. لأنها عائلة تؤمن أن حضور الله فيها هو بركة. وعندها قناعة أن الله يرسل مع كل ولد يخلق في هذه الدنيا رزقته. ثلاثة عشر ولدًا رزقة من الله؛ ومع هذه الرزقة أرسل نعمةً خاصة إذ دعا أحدهم إلى الكهنوت.
تربّى الخوري بيار في هذه العائلة على الإيمان والاتكال على الله. ثم التزم بعيش إيمانه في البيت وفي الكنيسة وفي الرعية؛ مع الفرسان ومع الطلائع وكان مسؤولاً عنهم؛ ثم على مستوى الأبرشية كان رئيسًا للجنة الإقليمية للطلائع ومعنا في رابطة الجامعيين. وفي هذا الالتزام اكتشف صوت الله يدعوه إلى الكهنوت.
في عمر العشرين فاتحني بأمر دعوته ونيته بالدخول إلى المدرسة الإكليريكية.
ترك أباه وأمه، كما فعل الرسل، وتبع يسوع الذي دعاه إلى الخدمة في الكهنوت.
وبعد سنوات التنشئة في الإكليريكية في غزير وفي جامعة الروح القدس الكسليك، نال إجازة في اللاهوت. وبعد سنة رعائية رسمه سيادة المطران بولس آميل سعاده كاهنًا هنا في بجدرفل سنة 2000. ثم عيّنه خادمًا لرعيتي جران ومراح الزيات. فأحبّ أهلهما وأعطاهما كل ما أعطاه الله مجانًا. وراح يدرس الحق القانوني الكنسي في جامعة الحكمة. وبعد سبع سنوات أرسله المطران سعاده إلى فرنسا سنة 2007 ليتابع اختصاصه في الحق القانوني الكنسي، ليقتفي آثار الذين سبقوه من بجدرفل في هذا الحقل كالمونسنيور صقر. وسنة 2013 حصل على شهادة دكتوراه. وكنت إلى جانبه في 30 أيلول عندما دافع عن أطروحته في جامعة تولوز وكان عنوانها: « السطلة الكنسية والروح المجمعية بين أولوية سلطة بابا روما وسلطة البطريرك في الكنائس الشرقية الكاثوليكية».
وهذا الموضوع الذي تخصص فيه ساعده لكي يطبّقه في أبرشيتنا بعد عودته إلى لبنان إذ كنتُ قد دعوتُ، بعد تسلّمي خدمة أبرشية البترون، إلى عقد مجمع أبرشي.
فعيّنته خادمًا لرعية تنورين الفوقا. لم يتردّد لحظة واحدة، وقال نعم كما كان قد ترك كل شيء منذ دعاه الله وقال نعم. ولم يتساءل كيف نعيّن ابن بجدرفل الساحلية خادمًا في الجرد. وأحبّ أبناء رعية تنورين وبادلوه المحبة. ضحّى في سبيلهم وخدمهم بمحبة؛ لأن قناعته كانت أن الكهنوت هو خدمة أولاً وآخرًا. وحسب نفسه ابن تنورين أكثر منه ابن بجدرفل. وهم حسبوه ابنًا لتنورين.
وبعد ست سنوات خدمة راعوية والتزام في مسيرة مجمعنا الأبرشي الذي كان شعاره « نتجدّد ونتقدس بالمسيح على خطى آبائنا القديسين»، وكنا قد ختمنا المجمع في عيد مار يوحنا مارون في آذار الماضي، كان من الطبيعي أن نبدأ في الأبرشية تطبيق توصيات المجمع الذي شارك فيه الخوري بيار وغيره الكثيرون من أبناء الأبرشية، إكليروسًا وعلمانيين.
وقناعتي، هي قناعته ايضًا، أن نبدأ التجدّد من الرأس لا من القاعدة. ليت جميع المسؤولين عنا، مدنيين وسياسيين، يدخلون في القناعة أن الإصلاح والتجدّد يبدأان في الرأس. فطلبت من الخوري بيار، وبكل ثقة، أن يكون نائبًا عامًا للأبرشية، لتنطلق معه مسيرة التجدّد في الأشخاص، ثم في المؤسسات ثم في التجدّد الروحي. ومسيرة التجدّد الروحي تدعونا إلى القداسة لأننا نحن في أبرشية القداسة والقديسين، ولأن عائلاتنا أعطت قديسين وقديسات، ولأننا جميعنا مدعوون إلى القداسة؛ فنعود إلى جذور روحانيتنا المارونية النسكية من وادي قنوبين إلى وادي تنورين وحردين وكفيفان وجربتا. إنها طريق القداسة التي سلكها آباؤنا وأجدادنا، والتي سلكها المكرّم البطريرك الحويك ابن حلتا، وضريحه في عبرين جارتكم. اتّكل البطريرك الحويك على الله ولبّى دعوته إلى القداسة وواجه بثقة كل التحديات والصعوبات. وفي نهاية مسيرته الكنسية والوطنية تقريبًا، راح يطالب بعد الحرب العالمية الأولى، التي دفعنا ثمنها غاليًا جدًا، بإعلان دولة لبنان الكبير، باسم جميع اللنانيين، مسيحيين ومسلمين، لأنه كان يعرف أن لبنان في مسيرة تاريخه كان كبيرًا وكان اللبنانيون كبارًا في لبنان الكبير، ولأن الرسالة التي سلّمها الله إلى لبنان واللبنانيين هي كبيرة. وبعد أكثر من سبعين سنة جاء البابا القديس يوحنا بولس الثاني يقول لنا: « إن لبنان هو أكبر من بلد، إنه وطن رسالة، لأنه يحمل رسالة في العيش الواحد بالاحترام المتبادل للتعددية وفي الحرية والكرامة.
نحن جميعًا أبناء بجدرفل نفتخر بك يا أبونا بيار، ونعرف أنك شتتابع رسالتك في الخدمة الكهنوتية في أبرشيتنا وفي كنيستنا المارونية ببساطتك وتواضعك المعهودين، باحترامك وانفتاحك على الجميع، وبتواصلك السهل مع الجميع.
فخر لنا أن نحتفل معك في محطة جديدة من خدمتك الكهنوتية، وأن نرتفع معك، ومع إخوتنا الكهنة والرهبان والراهبات والعلمانيين إلى علاقة مميزة مع الله ونمشي معًا في طريق القداسة ونحمل معًا مسؤولية الخدمة والرعاية وتقديس شعبنا، ومسؤولية تلبية دعوة الله لنا إلى القداسة، لأننا جميعًا قادرون أن نكون قديسين.
شكرًا لك يا رب، شكرًا للعذراء مريم وشكرًا لمار بنديليمون، على هذه النعمة التي أعطت ثمرة كهنوت الخوري بيار من بجدرفل إلى الكنيسة المارونية. آمين.
كلمة الخوري بطرس فرح
في مقدمة قداس الشكر على نعمة اختيار الخوري بيار طانيوس
نائبًا عامًا لأبرشية البترون المارونية
الأحد 29/9/2019، كنيسة مار بنديليمون- بجدرفل
صاحب السيادة المطران منير خيرالله راعي أبرشية البترون المارونية السامي الاحترام،
آبائي الأجلاء، إخوتي الأحباء،
قدس النائب العام المونسنيور بيار طانيوس،
حللتم أهلاً، منهم قُصبتم. قدّموكم طاقة خدمة، وها هم بكم يفرحون. نزلتم سهلاً مخصبًا فضيلة. حرثه الأجداد، وبالثبات حرسوه. نداه نِعمُ السماء. أغراسه تنظر إلى التراث بفخر، مليئة بالثمار. وها هي ثمرة، ترون فيها يا صاحب السيادة، سكيبًا على موائد الخدمة.
تشكركم بجدرفل وآل طانيوس ؟ لا بل تصلّي معكم. فالحصاد كثير، وعلى ما قال سليمان الحكيم « من يمكنه أن يدبّر شعبك العظيم هذا ؟».
صاحب السيادة، كتب أبناء بجدرفل سنة 1917 رسالة إلى البطريرك الياس الحويك. وممّا قالوا فيها: « نرفع إلى غبطتكم من بين زفرات البائسين وتنهدات الأمهات الثكالى وتلهفات الآباء، أصوات الحمد والشكر...» وأنهوا: « قد أحببنا أن نعبّر عن "إحساسنا" خطًا، هديّة منّا للتاريخ تخليدًا لجميلكم، لأننّا نخشى أن لا يبقى لنا خلفٌ نسلّمها إليهم».
وبعد سنتين ومئة يقول أبناء بجدرفل للمكرّم الحويك: « إنّه جميلكم الروحي علينا لذكرى إعلانكم مكرّمًا». وبنعمة الله، وإن بكينا زمنًا، بقينا. شمسنا ترسل أشعّتها عبر تراث مار يوحنا مارون وهامة الأبّ الروحي. جنوبنا مفعم بأنفاس القديسين من دير كفيفان. شمالنا يترندح وتخفّ قساوته بسور لبنان العظيم البطريرك الحويك. وغربنا لا غروب له. إنّه المدى الذي يعجز عن أن يطال آمالنا.
مونسنيور بيار، هل هو ماضٍ يتكرّر في رعيّتكم ؟ أم أنّه غدّ تخطّه نعمة الله فيكم ؟ هل هو تراث يُنقَل لكي يبقى الإشعاع ساطعًا في رعيّتنا من خلال قدوة تحتذى ؟!
باختصار، إنّها البطولة الحقّة، ارتقاء في الخدمة. وها هي بجدرفل تشكركم يا صاحب السيادة على اختياركم ابنها نائبًا عامًا لكم، ونِعْمَ الاختيار.
وأهم ما عندنا نقدّمه سلاحًا، ذبيحة الابن الوحيد الذي "عرّش" الملوك الحقيقيين على الصليب؛ وتوّج السلاطين المختارين بأشواك تُنزِف فتروي؛ وستر العاملين العابدين بثوب النعمة، مهما حاول العالم رفع الحماية.
إنّنا بذبيحة شكر وصلاة. علّ الغد يبشّر بثمار تفوق وعد الزهر. آمين.