الوكالة الوطنية- لميا شديد
خيرالله من عبرين: لبنان الوطن الرسالة سيولد من جديد والحق سينتصر للشعب وللمواطنين
الأحد 10 تشرين الثاني 2019
وطنية - افتتح راعي أبرشية البترون المارونية المطران منير خيرالله السنة الطقسية وأطلق السنة الأولى من مسيرة تطبيق المجمع الأبرشي وسنة المكرم البطريرك الياس الحويك في الدير الأم لراهبات العائلة المقدسة في عبرين، خلال قداس احتفالي عاونه فيه نائبه العام المونسنيور بيار طانيوس، رئيس دير كفيفان الأب بطرس زياده، رئيس بيت الرسالة الأب بيار بلعا، والخوري بطرس فرح بمشاركة لفيف من كهنة الابرشية، في حضور الرئيسة العام لجمعية راهبات العائلة المقدسة المارونيات الأخت ماري أنطوانيت سعاده، رئيس رابطة مخاتير منطقة البترون جان نوفل، رئيسة الدير الأم الاخت غبريـال بو موسى، رئيسة جامعة العائلة المقدسة الأخت هيلدا شلالا، رؤساء وأعضاء اللجان العاملة في الأبرشية وفي المجمع الأبرشي والحركات والجمعيات الكنسية وحشد من أبناء وبنات الأبرشية.
سعاده
قبل بدء القداس، رحبت الاخت سعاده بالجميع "في الدير الأم في بداية سنة المكرم البطريرك الحويك الذي نلتقي حوله اليوم لنصلي من اجل لبنان ومن أجل الكنيسة فيه لكي بشفاعة البطريرك الحويك نحصل على النعم في عائلاتنا ومجتمعنا وخصوصا وطننا لبنان الذي هو بأمس الحاجة اليوم لصلاتنا لكي ينهض من محنته".
خيرالله
وبعد تلاوة الانجيل المقدس، القى خيرالله عظة بعنوان:
« أقدّس نفسي من أجلهم ليتقدّسوا هم أيضًا في الحق» (يوحنا 17/19).
حضرة الرئيسة العامة وقدس النائب العام،
إخوتي وأخواتي الكهنة والرهبان والراهبات،
إخوتي وأخواتي رؤساء وأعضاء اللجان العاملة في الأبرشية وفي المجمع الأبرشي
والحركات والجمعيات الكنسية
وأبناء وبنات الأبرشية
نعمة ربنا يسوع المسيح، ومحبة الله الآب، وشركة الروح القدس تكون معكم جميعًا.
نلتقي في بداية السنة الطقسية وفي ليلة أحد تجديد الكنيسة حول ضريح المكرّم البطريرك الياس الحويك، لنطلق معًا السنة الأولى من مسيرة تطبيق مجمعنا الأبرشي الذي كنّا قد اختتمناه معكم في آذار الماضي برئاسة غبطة أبينا البطريرك مار بشاره بطرس الراعي الكلي الطوبى. وكانت مسيرته قد امتدّت على ستّ سنوات مشينا في خلالها معًا، وصلّينا معًا، وفكرّنا معًا، وناقشنا معًا، وأصدرنا معًا نصوصًا مجمعية، واتخذنا توصيات للتطبيق في المواضيع التي عالجناها وهي تهمّ أبرشيتنا البترونية وأبناءها وبناتها ومؤسساتها في مختلف جوانب حياتهم.
وكان هدفنا وشعارنا أن « نتجدّد ونتقدّس بالمسيح على خطى مار يوحنا مارون وآبائنا القديسين».
نحن ملتزمنون بالتجدّد، وقد بدأناه في الأشخاص والمؤسسات في الأبرشية؛ « وملتزمون، كما يقول قداسة البابا فرنسيس، بحزمٍ في إنجاز الإصلاحات اللازمة كيما نُطلق ثقافةً قائمة على الاهتمام الرعوي» (رسالته إلى الكهنة، 4/8/2019).
وملتزمون بتقديس ذواتنا في سنة المكرّم البطريرك الياس الحويك الذي أُعطي نعمةً جديدة لأبرشيتنا، أبرشية القداسة والقديسين؛ تشَّبهًا بالمسيح الذي قدّس نفسه ليقدّسنا في الحق.
ونحن مقتنعون بأن أي تجدّد في كنيستنا البترونية عليه أن يكون أولاً تجدّدًا روحيًا ينطلق من كلمة الله في الكتاب المقدس ومن الصلاة والشهادة للمسيح في الحياة اليومية، ويعبُرُ بالعودة إلى جذورنا الروحانية النسكية التي عاشها آباؤنا القديسون في وادي قنوبين وفي كفرحي وجربتا وكفيفان وحردين وتنورين وعبرين. سمعوا صوت المسيح الراعي الصالح يدعوهم إلى القداسة، فتبعوه وتقدّسوا وقدّسوا كنيستهم.
ونحن في بلاد البترون مدعوون بشكل خاص إلى أن نتجدّد ونتقدس لأننا مؤتمنون على أبرشية مار يوحنا مارون التي تحتضن ذخائر وأضرحة القديسين. وهذه الدعوة نتحمّل معًا مسؤولية تلبيتها والسير نحو تحقيقها في حياتنا اليومية وفي خدمتنا الكهنوتية وتكرّسنا الرهباني والتزامنا العلماني، عبر تطبيق توصيات مجمعنا الأبرشي. وقد وضعنا خطة تنفيذية لها تساعدنا على النهوض في أبرشيتنا ومنطقتنا والسير بهما في طريق القداسة.
وعندما فكّرنا أن نعقد لقاءً لإطلاق هذه الخطة التنفيذية، فاجأتنا الأحداث الأخيرة التي نزل فيها شعبنا وشبابنا إلى الساحات والشوارع ليطلقوا ثورة على الفساد المستشري والانهيار الاجتماعي والاقتصادي ويطالبوا بدولة القانون فيحكم فيها أصحاب الكفاءة والنزاهة.
لذا رحنا نتساءل: ما العمل لمواجهة الواقع الراهن ؟
البيت يحترق والكنيسة أمّ. عندما تهبّ النار في البيت، ويبكي الأولاد ويصرخون من خوفهم وقلقهم على مصيرهم،
لا تكتفي الأم بالبكاء والصراخ مع أولادها، بل تفتش بحكمة وتعقّل عن الوسيلة الأنجع لإطفاء الحريق أولاً، كي لا ينهار البيت على كل ساكنيه، ثم بعد ذلك تجلس مع أولادها وتضع خطة لإعادة البناء.
« بيتنا المشترك»، كما يسمّيه القديس البابا يوحنا بولس الثاني، لبنان الوطن الرسالة، يحترق. وأولادنا نزلوا إلى الشوارع يصرخون من وجعهم ويعلنون توقهم إلى بناء مستقبلٍ أفضلَ لهم.
فما عسانا نعمل نحن الكنيسة ؟
الكنيسة اليوم، في تقاعس الدولة وأجهزتها ووسائلها، تسعى بكل ما أوتيت إلى إخماد الحريق وإنقاذ ما يمكن إنقاذه، كي لا ينهار البيت على الجميع، فنخسر كل شيء. إنها تتفهّم صراخ أولادها وتطلّعاتهم، وتتبنّى مطالبهم، وتضع خطة لإعادة بناء الثقة في الدولة.
هذا ما فعلته كنيسة لبنان في اللقاء الاستثنائي لبطاركة وأساقفة الكنائس المسيحية الذي عُقد في بكركي في 23 تشرين الأول 2019 بدعوة من صاحب الغبطة والنيافة الكاردينال مار بشاره بطرس الراعي الكلي الطوبى. وأصدروا نداءً يحيّون فيه « الشعب المنتفض» ويبدون « تقديرهم وتضامنهم مع انتفاضته الحضارية السلميّة ويتفهمون دوافعها». ويدعون إلى « احتضان انتفاضة أبنائهم المشروعة وحمايتها، وإلى أن يتجاوب الحكم والحكومة مع مطالبها الوطنية المحقة».
وحذّروا من « انحراف الثورة وراء إيديولوجيات هدّامة» أو من «استغلالٍ سياسي أو حزبي».
ونهار الأحد 27 تشرين الأول، جدّد البطريرك مار بشاره بطرس الراعي الكلي الطوبى هذا الموقف بدعمه « للشعب اللبناني الذي يعيش ظاهرة التحامٍ تحت راية لبنان حول مطالبه الوطنية المحقة بالكرامة والعدالة الاجتماعية». وطالب « بتأليف حكومة جديدة بكل وجوهها، مصغّرة وحيادية، ومؤلفة من شخصيات مشهود لها بكفاءاتها، وتكون محطّ ثقة الشعب».
وهذه هي مسؤولية المسلّطين وأولياء الأمور كان قد حدّدها البطريرك الياس الحويك في رسالته محبة الوطن الصادرة سنة 1930 قائلاً:
« أنتم أيها المسلّطون ، أنتم يا أولياء الأمور، أنتم يا قضاة الأرض، أنتم يا نواب الشعب الذين تعيشون على حساب الشعب الذي يقدّم لكم النفقات والمرتّبات، ويُمتّع أشخاصكم المكرّمة بامتيازاتٍ خاصة وألقابِ شرف، أنتم ملتزمون، بصفتكم الرسمية من قِبَل مهمّتكم، أن تسعوا وراء المصلحة العامة. وقتُكم ليس لكم، شُغلكم ليس لكم، بل للدولة وللوطن الذي تمثلونه. أُقمتم لإسعاد الوطن، فلا يمكنكم أن تضحّوا بمصالحه دون أن تُهينوا الحق، وتخرقوا بنوع فادح ما يقضي به عليكم واجب الأمانة». (عدد 37).
« وسلامةُ الأمّة لا تقوم إلا بخدمة المصلحة العامة».
ولكننا لن نفقد الأمل. سنبقى على رجائنا بأن لبنان الوطن الرسالة سيولد من جديد وبأن الحق سينتصر للشعب وللمواطنين.
سنبقى على رجائنا بأننا سنتجدّد ونتقدّس مع كل واحد وواحدة منكم في مسيرة مجمعنا الأبرشي.
سنبقى على رجائنا بأن شبابنا وصبايانا هم المستقبل. ونقول لهم: معكم سنبني المستقبل، وإلا لن يكون هناك مستقبل !
إذًا لا بدّ لنا أن نصلّي ونتّكل على « الرب الديان»، كما يقول النبي يشوع بن سيراخ، الذي « لا يحابي الوجوه على حساب الفقير، بل يستجيب صلاة المظلوم. لا يهمل تضرّع اليتيم ولا تضرّع الأرملة إذا سكبت شكواها. فالرب لا يبطئ ولا يُطيل أناته عليهم، حتى يحطِّمَ صُلبَ الذين لا رحمة لهم وينتقم من الأمم، حتى يمحو قومَ المتكبّرين ويحطّم صوالجة الظالمين» (35/12-21).
« صلّوا ولا تملّوا»، يقول لنا السيد المسيح. « الحق الحق أقول لكم: إن سألتم الآب شيئًا باسمي أعطاكم إياه. حتى الآن لم تسألوا باسمي شيئًا» (يوحنا 16/23-24).
أعطنا يا رب، بشفاعة العذراء مريم سيدة لبنان وجميع القديسين شفعائنا، أن نتجدّد ونتقدّس ونقدّس كنيستنا وشعبنا، وأن نعمل برضاك فنكون في عائلاتنا ومجتمعنا ووطننا زارعي محبة وصانعي سلام. آمين.
بعد القداس، توجه الجميع الى ضريح البطريرك الحويك لتلاوة صلاة الشكر ثم زيارة للمتحف.