عظة المطران منير خيرالله
في قداس عيد الميلاد المجيد
كفرحي، الأربعاء 25 كانون الأول 2019
نحتفل هذه السنة بعيد الميلاد بشكل خاص وفي ظل وضع استثنائي، ونعود لنتأمل بميلاد يسوع المسيح ابن الله إنسانا بيننا؛ وولادته هي رسالة لنا ولشعبنا ولكل البشر. يسوع ابن الله تنازل من ألوهيته لكي يولد إنسانا ولكن بطريقة تدهشنا.
ولد يسوع فقيرًا، منبوذًا، مهجَّرًا داخل بلده وبين شعبه وليس له من يستقبله أو يهلل له بهذه الولادة. اليوم في ميلاد 2019 يسوع يولد في العالم، في أرضنا التي اختارها ليصير فيها إنسانا؛ وها هو يولد مع كل عائلة فقيرة وكل عائلة محتاجة إلى محبة وإلى مساعدة. ولد يسوع منبوذًا مهجرًا من مكان إلى آخر هربًا من جور الظالمين، ولكنه ولد بفرح كما بشر به ملاك الرب للرعاة قائلاً: « لا تخافوا، ها إني أبشركم بفرح عظيم، ولد لكم اليوم مخلص وهو المسيح الرب».
دعونا نتأمل يسوع داخل المغارة ملفوفًا بالأقمطة ولكن يديه مفتوحتان وعينيه إلى فوق صوب السماء. هذا يعني لنا أن ابن الله الذي هو الغنى بالمطلق يكشف لنا أن الله الآب يحبنا حبًا مطلقًا. يسوع الطفل ابن الله يفتح يديه ليقول لنا إنه آتٍ ليغمر البشرية بكاملها بمحبه الله التي لا توصف، من أفقر إنسان إلى أغنى إنسان، من أضعف إنسان إلى أقوى إنسان؛ يغمر البشرية ليعطيها رجاءً جديدًا. وعيناه تتطلعان إلى السماء ليقول لكل البشر: لكم في السماء أبٌ يسهر عليكم. لا تخافوا، إطمئنوا ولا تهتموا بما تأكلون وما تشربون وما تلبسون؛ الله أبوكم الذي في السماء يعرف أنكم تحتاجون إلى كل ذلك لكن أطلبوا ملكوت الله وبرّه والباقي يعطى لكم ويزاد.
يسوع الذي يولد اليوم بيننا وفي عائلاتنا التي يزداد عدد الفقراء فيها، عائلاتنا المحتاجة إلى محبة واهتمام وقرب ومساندة. يسوع يولد بين شعبنا وشبيبتنا الذين لا يزالون في الشوارع يرفعون صوتهم للمطالبة بحقهم في أن يعيشوا حياة كريمة، وأن يعيشوا في دولة تحترمهم وتحترم كل مواطن بالمساواة والعدالة. يسوع يقول لنا ولكل عائلة من عائلاتنا ولشبيبتنا: لا تخافوا لأن لكم في السماء أبًا فاطمئنوا.
البعض يبشرنا بالمجاعة، وهؤلاء هم أنبياء البؤس واليأس، ونحن مع يسوع نعيش الرجاء. ولشبابنا أقول: لا تهتموا للغد فالله أبوكم يعطيكم كل شيء تحتاجون اليه؛ لكن حافظوا على قِيَمكم وعلى وحدتكم وتضامنكم؛ ولكم الحق في أن تعيشوا بكرامة لأن كرامتكم هي من كرامة أبناء الله وليس من أي إنسان ولا من أي حاكم ولا من أي سلطان. لكم الحق أن تحلموا بدولة عادلة، وأن تحلموا بوطن، هو لبنان الوطن الرسالة، يحقق آمالكم وطموحاتكم.
صلاتنا اليوم مع يسوع لنطلب منه بشفاعة العذراء مريم سيدة لبنان وأم كل عائلة، أن يعطينا قوة الرجاء لكي نبني بوحدتنا وتضامننا مستقبلاً لنا ولأولادنا ولأحفادنا على أرضنا المقدسة، هذه الارض التي اختار الله أن يولد فيها إنسانًا ويموت فيها ويقوم في سبيل خلاص البشر. إنها نعمة كبيرة أعطيت لنا مجانًا. ونحن اليوم نريد أن نعيش هذا الرجاء مع يسوع الذي يولد بيننا ويطلب منا أن ننظر إلى البعيد وإلى السماء حيث الله الآب يدعونا إلى الفرح. آمين.