قداس عيد القديس نعمة الله الحرديني- دير كفيفان 14-12-2019

عظة المطران منير خيرالله

في قداس عيد القديس نعمة الله الحرديني

دير كفيفان، السبت 14 كانون الأول 2019

« لا تتشبهوا بهذا الدهر» (روما 12/2)

قدس النائب العام، حضرة الأب الرئيس،

إخوتي الكهنة والرهبان وأخواتي الراهبات،

أيها الأحباء

WhatsApp Image 2019 12 14 at 11.31.16 PM Medium

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

بفرح القلب وبإيمان ثابت نحتفل اليوم بعيد القديس نعمةالله الحرديني، قديس من أرضنا ومن شعبنا ومن تراثنا ومن رهبانياتنا. ومعًا نعود لنتغذى من كلمة الله الموجهة إلينا اليوم لكي نأخذ منها أمثولة لحياتنا اليومية.

في القراءة الأولى، يقول لنا القديس بولس كما قال لأهل روما، وكأن القديس نعمة الله يقول لنا الكلام نفسه: « لا تتشبّهوا بهذا الدهر، بل تغيّروا بتجديد عقولكم لكي تميّزوا ما هي مشيئة الله». إنه برنامج حياة لكل مسيحي ومسيحية منا.

نحن من هذا الدهر ونعيش في هذا الدهر وفي هذا العالم، ولكننا لسنا من العالم، كما يقول لنا السيد المسيح. برنامجنا أن نتغيّر كل يوم بتجديد عقولنا لكي نميّز مشيئة الله.

الله يدعونا كما دعا « سمعان بطرس وأندراوس أخاه فتركا السفينة وتبعاه، ويعقوب بن زبدى ويوحنا أخاه... فتركا حالاً السفينة وأباهما وتبعا يسوع» (متى 4/18-22).

ويسوع ابن الله تنازل من ألوهيته ليتبنّى إنسانيتنا الضعيفة، وجاء « يكرز بانجيل الملكوت» (متى 4/23) ويحقق ملكوت الله بين البشر، ملكوت المحبة والسلام والمغفرة والمصالحة.

وملكوت الله يتحقق اليوم بكل واحد منا يلبّي دعوة الله إلى القداسة ويَتبع يسوع.

تحديات كبيرة تواجهنا في هذا العالم، ونحن لسنا من هذا العالم لأن مصيرنا هو في الملكوت. ويقول لنا يسوع: اذكروا « إذا اضطهدوكم أنهم اضطهدوني من قبلكم».

ليس من السهل أن نقول نعم لمشيئة الرب، والدعوة التي يدعونا الله إليها.

القديس نعمة الله، ابن حردين وتقدّس في هذا الدير، يقول لنا: لا تتشبّهوا بهذا الدهر. ليس من الضروري أن تكونوا جميعكم رهبانًا أو مكرّسين، بل عليكم أن تميّزوا الدعوة التي يدعوكم الله إليها وتقوموا بالدور الذي يطلبه منكم في الكنيسة والمجتمع والعالم.  

القديس نعمة الله عاش في زمن مليء بالتحديات والصعوبات ويعود ليقول لنا اليوم: أنتم تعيشون فترة صعبة جدًا، وتعيشون ثورات من حولكم لا ثورة واحدة؛ تعيشون انتفاضات على بعضكم وعلى الحكام، وعلى ما في هذا الدهر، لكن ميِّزوا مشيئة الله. ويقول لنا أيضًا: تاريخكم يعلّمكم أن الذي مرّ على أجدادكم وآبائكم وعائلاتكم، كان أكثر صعوبة مما تعيشونه اليوم. القديس نعمة الله توفي في 14 كانون الأول سنة 1858 عن عمر 48 سنة، لكنه عاش فترة كان وطننا وشعبنا وكنيستنا يعانون من حروب وانتفاضات وثورات واضطهادات ومذابح تفوق كل ما يحصل اليوم. ما بين 1840 و1860 مرت علينا فترة عشرين عامًا ضحى شعبنا فيها كثيرا وكذلك كنيستنا التي أعطت شهداء وقديسين؛ القديس نعمةالله، والقديس شربل، والقديسة رفقا كلهم عاشوا هذه الفترة؛ عاشوها مع شعبهم وعاشوا معاناة الشعب واضطهاد الحكام والامبراطوريات والظلم والاستشهاد. القديسون الثلاثة تقدّسوا في ظل ظروف صعبة عاشتها الكنيسة لأنهم ميّزوا مشيئة الله في حياتهم؛ وأُعلنت قداستهم في فترة تعيش فيها كنيستنا ظروفًا صعبة (1977-2004).

قبل 40 عامًا اندلعت الحرب في لبنان ولم تنته بعد، وقديسونا يقولون لنا: « لا تتشبهوا بهذا الدهر. التحدي كبير؛ وأنتم أبناء الله وتلاميذ المسيح، وتربّيتم على الايمان في عائلات مباركة مقدسة؛ ولو لم نتربى نحن في عائلات مباركة على الإيمان والرجاء والمحبة وعلى السلام والمصالحة، وعلى تمييز دعوة الله، لما توصلنا إلى القداسة ونرفع اليوم على مذابح الكنيسة». وأصبحوا اليوم قدوةً ومثالاً لنا.

نحن اليوم أيضًا نعيش مرحلة صعبة وحرجة، لكن لا تخافوا، لقد مرّ علينا الكثير من الاضطهادات والحروب والمجاعات والمذابح والاستشهاد، وبقينا نعلن إيماننا بفخر.

حضوركم الكبير اليوم يفرح القلب، خصوصًا الشبيبة الذين أتوا للصلاة. شبابنا اليوم هم على حافة اليأس، وكلنا ندرك ذلك؛ وهناك من يحاول تيئيسهم لدفعهم إلى الرحيل. إلا أنهم ليسوا كذلك. إيماننا معهم كبير ورجاؤنا كبير بالرب يسوع المسيح، لأنه يدعو كل شاب او شابة منهم ليقول لهم إتبعني أو إتبعيني. لا تخافوا إذًا، سيروا على هذا الطريق حتى النهاية.

في أبرشيتنا أنهينا مجمعًا أبرشيًا كان عنوانه وهدفه التجدّد. تعالوا نتجدّد كلنا بإيماننا وبثقتنا الكبيرة بالله التي لا تزحزحها تحديات العالم.

نحن في النهاية، وبرجائنا الكبير بيسوع المسيح، لسنا من هذا العالم بل من عالم السماء ومن عالم القيامة والمجد الالهي.

تعالوا نقدم صلاتنا لله بشفاعة العذراء مريم شفيعة القديس نعمةالله، الذي كان يدعو في حياته لتكريمها وعبادتها. تعالوا نصلي ونجدّد إيماننا ونقول للرب يسوع: نحن معك نميّز دعوتنا ونتعاون ونتضامن من أجل بناء مجتمع جديد ووطن جديد يليقان بنا. نحن وشبيبتنا نستحقّ مجتمع عدالة ومصالحة وسلام، يعيش فيه كل إنسان بكرامة وحرية. نسمع صوتك يقول لنا: أنتم المستقبل. لا تخافوا، أنا معكم حتى منتهى الدهر. لا تخافوا أنا غلبت العالم، وأنتم أيضًا ستغلبون العالم. آمين.

Photo Gallery