عظة المطران خيرالله في قداس خميس الأسرار، كفرحي 9-4-2020

عظة المطران منير خيرالله

في قداس خميس الأسرار

المطرانية- كفرحي، في 9/4/2020

« لأني عندك أريد أن آكل عشاء الفصح مع تلاميذي» (لوقا 22/11).

صاحب السيادة أبانا المطران بولس آميل سعاده الغائب الحاضر دومًا معنا،

إخوتي الكهنة،

نحتفل اليوم بعيد كهنوتنا فيما نقيم ذكرى العشاء الفصحي الذي احتفل به يسوع مع تلاميذه عندما صنع ذكرى فصح اليهود بعبورهم من العبودية في مصر إلى الحرية في أرض الميعاد، وأسس بنفسه الفصح الجديد في سرّي الكهنوت والافخارستيا إذ صار هو الذبيحة وارتضى أن يموت فداءً عن جميع البشر.

« فأرسل يسوع، كما يروي لوقا في إنجيله، بطرس ويوحنا وقال لهما: إذهبا فأعدّا لنا الفصح لنأكله. أين يا رب ؟ قولا لرب البيت: أين الغرفة التي آكل فيها عشاء الفصح مع تلاميذي ؟». وبعد أن شكر وبارك قال لهم: « خذوا كلوا هذا هو جسدي، خذوا اشربوا هذا هو دمي... إصنعوا هذا لذكري» (لو 22/11-20).

نقيم ذكرى العشاء الفصحي هذه السنة في ظروف استثنائية جدًا. كنائسنا مقفلة وشعبنا موضوع في حَجْرٍ في البيوت. لكننا نسمع يسوع يقول لكل كاهن منا: « قولوا لصاحب كل بيت ولرب كل عائلة في رعاياكم: « لأني عندك أريد اليوم أن آكل عشاء الفصح مع تلاميذي». ويصبح كلُ بيت من بيوتنا علّيّة عشاء الفصح. ونشعر نحن فيما نحتفل لوحدنا أننا نقيم الإفخارستيا معهم في بيوتهم وفي حضور يسوع.

ونتأمل في الوقت نفسه بسرّ يسوع الإله الذي تنازل من ألوهيته وصار إنسانًا واتخذ صورة العبد ليخدم البشر - « ماجئت لأُخدَم بل لأَخدُم» « وأنا بينكم كالذي يخدم» (لوقا 22/27) – ويقبل أن يموت عنهم مصلوبًا.

كهنوتنا، على مثال كهنوت المسيح، هو محبةٌ وتضحية وخدمة.

وكما أن يسوع « أحبّ خاصته الذين في العالم، فبلغ به الحب لهم أقصى حدوده»، وراح يخدمهم. وقام عن العشاء وأخذ يغسل أقدامهم وجعل لهم من نفسه قدوةً، كما يقول يوحنا في إنجيله (يوحنا 13/1-15). ثم بذل ذاته على الصليب مضحيًا عنهم جميعًا.

رسالتنا اليوم هي في أن نتشبّه بالمسيح بالمحبة والتضحية والخدمة.

لذلك فقد أوصيناكم، في أول تعميم لنا في 14 آذار، أنتم الكهنة المؤتمنون على رعاية النفوس، أن تبقوا حاضرين في رعاياكم تؤمّنون السهر على الرعية كالمسيح الراعي الصالح، وتحتفلون بالقداديس والصلوات على نية شعب الله الغائب قسرًا. وأوصينا المؤمنين أن يلتزموا بيوتَهم ويحوّلوها إلى كنائس بيتية فتكونُ واحةً روحية ومساحةً اجتماعية لكل عائلة.

وقد التزمتم بكل التدابير كما التزم بها شعبنا.

لكني أشعر معكم اليوم بحسرة وغصّة.

وأقدّر كم عانيتم وتعانون فيما أنتم تحتفلون، وللمرة الأولى في حياتكم الكهنوتية، بقداديس واحتفالات أسبوع الآلام لوحدكم من دون المؤمنين وهم في حَجْرٍ قسري في بيوتهم.

وأقدّر معاناة أبنائنا وبناتنا المؤمنين وهم متعطشون إلى المجيء إلى الكنيسة والمشاركة في الاحتفالات الليتورجية ليسيروا كعادتهم مع يسوع في درب آلامه وجلجلته وصلبه وموته فيستحقوا معه القيامة الجديدة.

أقدّر كم تشعرون، يا إخوتي الكهنة ويا أحبائي المؤمنين، بحسرةٍ وغصّةٍ في القلب فيما تقيمون الصلاة على موتاكم وأنتم لا تستطيعون أن تودّعوهم بلمسة حنان وكلمة تعزية.

فأستحضر معكم غصّة يسوع وهو يحتفل بعشاء الفصح مع تلاميذه ويودّعهم قائلاً:

« شهوةً شديدة اشتهيت أن آكل هذا الفصح قبل أن أتألم» (لوقا 22/15).

وأتصوّر أن حالتنا اليوم في مواجهة وباء كورونا تشبه إلى حدٍّ بعيد حالة يسوع على الصليب وهو منهوك إنسانيًا لا يستطيع أن يفعل شيئًا: لا يستطيع أن يتحرّك، ولا أن يبارك، ولا أن يتكلم وهو كلمة الله. ولكنه في الوقت نفسه يتمّم الفداء عن البشر بموته وقيامته كي يخلّصهم ويعطيهم الحياة الأبدية.

إخوتي الكهنة،

تابعوا صلواتكم عن شعبكم وقدّموا تضحياتكم، « لأن الصلاة والشفاعة، كما يقول المكرّم البطريرك الياس الحويك، هما من وظائف الكهنوت الجوهرية». (رسالته إلى الكاهن، 1909، عدد 41).

تطلّعوا إلى عشرات الكهنة الأبطال، كما يسمّيهم قداسة البابا فرنسيس، في إيطاليا وغيرها، الذين بذلوا حياتهم تشبهًا بالمسيح عن أبناء رعاياهم.

إشهدوا للرجاء الذي فيكم وكونوا مثالاً في المحبة والتضحية والخدمة، لأن الحياة تُقاس بمقدار المحبة، ولا تنفع شيئًا إذا لم نخدم.

إشهدوا بفرح القيامة أن المسيح باقٍ معنا إلى الأبد؛ وتعالوا نطلب منه بشفاعة أمه وأمنا مريم أن يُبعد عنا هذا الوباء، فيولد من محبتنا وتضامننا عالمٌ جديد جديرٌ بحق كل إنسان في عيشٍ حرّ كريم، فنعيّد بعضنا بعضًا قائلين: المسيح قام، حقًا قام. آمين.