عظة المطران منير خيرالله
في رسامة الشمامسة الأربعة (نسيب الفغالي، إدغار حرب، جوني طنوس، روجيه يزبك)
كاتدرائية مار اسطفان، البترون، 30/7/2020
« واظبوا على الخدمة والصلاة، ولا تنهمكوا بأمور العالم».
أيها الشدايقة الأعزاء نسيب وادغار وجوني وروجيه.
نحتفل اليوم بترقيتكم إلى الدرجة الشماسية في كاتدرائية مار اسطفان الشهيد الأول وفي ليلة عيد الشهداء الثلاثماية والخمسين تلاميذ مار مارون.
وهذه المناسبة تدعوكم إلى الالتزام بالخدمة، خدمة كنيستكم المارونية « كنيسة الشهود والشهداء»، « وتاريخُها مطعَّم بروحانية النسك والشهادة اللذين يكوّنان البعدين المتكاملين في روحانيتنا المارونية التي وضعها القديس مارون وعاشها تلاميذه وشعبه من بعده. وفي الحالتين تظهر راديكالية العيش المسيحي في اتّباع يسوع المسيح»، كما يقول غبطة أبينا البطريرك مار بشاره بطرس الراعي الكلّي الطوبى([1]).
ستقبلون اليوم، في كنيستكم هذه، النعمةَ الإلهية بوضع اليد للخدمة في الدرجة الشماسية. والدرجة الشماسية هي من درجات الكهنوت المقدسة وخدمتها تختلف عن الخدمة الكهنوتية من جهة وعن خدمة العلمانيين الذين يشاركون في الكهنوت العام من جهة ثانية.
« فالشماس يصبح مشاركًا في كهنوت المسيح الأعظم ومخوَّلاً القيام ببعض الخدمات بهدف بنيان الكنيسة، جسد المسيح السرّي؛ ووضع اليد هذا يربطه مباشرةً وسرّيًا وقانونيًا بالأسقف»([2]).
نشأت الخدمة الشماسية في الكنيسة الأولى مع الرسل بهدف « توزيع الأرزاق اليومية على الأرامل وخدمة الموائد» (أعمال 6/1-6). ثم راحت تتوسع مع الزمن لتشمل في مرحلة أولى كل أنواع أعمال المحبة والإدارة الكنسية المنوطة بالأسقف الذي يكلّف بها الشمامسة؛ وفي مرحلة ثانية مهمات عدة كانت ممنوحة للكهنة، كما يعدّدها المجمع اللبناني والمجمع الفاتيكاني الثاني.
تتفق كل التقاليد في الكنيسة على أن الخدمة الشماسية هي خدمة ترتبط مباشرة بالأسقف ولها خصوصيتها ووظائفها الثلاثة المميزة عن الخدمة الكهنوتية:
· وظيفة ليتورجية، دون أن تكون تقديسية، تسمح لصاحبها، بعد استئذان الأسقف والكاهن، بمنح بعض الأسرار.
· وظيفة تعليمية، تسمح لصاحبها بأن يقرأ الكتاب المقدس على المؤمنين وينادي عليهم بالبشارة ويلقي فيهم العظات ويحضّهم على عيش كلمة الله. بل تسمح له بأن يكون معلِّمًا في الكنيسة ولاهوتيًا، كما كان مار افرام مثلاً، وهذا يستطيعه العلماني أيضًا ولكن بعد الحصول على إذن الأسقف الذي له السلطان التعليمي.
· وظيفة تدبيرية، تسمح لصاحبها بأن بتولى، بإذن الأسقف، أمانة صندوق الكنيسة ويعاون الأسقف في خدمة المحبة، أي خدمة الفقراء والأيتام والأرامل والمرضى والمعوقين والمسنّين... فهو اليد اليمنى للأسقف في توزيع الصدقات بهدف أعمال الرحمة، وهو « قلب الأسقف» كما يسميه التقليد السرياني.
لذا فإن كنيستنا المارونية تعمل على إعادة توزيع المهمات من أجل فهم جديد لكل من الخدمتين الكهنوتية والشماسية، واستعادة مكانة الشماسية الدائمة.
فهي تسمع ما قاله لها البابا يوحنا بولس الثاني في إرشاده الرسولي رجاء جديد للبنان:
« لقد أعاد المجمع الفاتيكاني الثاني إلى الرتبة الشماسية الدائمة مكانتها التي ظلّ التقليد الشرقي حريصًا عليها. يمثل الشمامسة المسيحَ بصفته خادمًا، وعلى الأخصّ في مجال خدمة الفقراء وخدمة كلمة الله والليتورجيا» (عدد 63).
وتسمع ما يعلّمه المجمع البطريركي الماروني قائلاً:
« بما أن الأسقف، خليفة الرسل ورأس الكنيسة المحلية، يحتاج في تأدية خدمته الأسقفية إلى كهنة شبيهين بالمسيح- الراعي وإلى شمامسة شبيهين بالمسيح- الخادم،
وبما أن كنيستنا بدأت تستعيد رويدًا رويدًا خدمة الشماسية الدائمة، لا لملء الفراغ الحاصل في الخدمة الكهنوتية من جرّاء نقص في عدد الكهنة، بل لاستعادة رسالة الخدمة الانجيلية، التي تعنيها عبارة الشماسية بالسريانية، دورَها الخاص والمميز في خدمة المذبح والمبحة،
فإن المجمع يدعو الأساقفة إلى إحياء الخدمة الشماسية الدائمة في أبرشياتهم وبخاصة لأنها تلبّي حاجات كثيرة فيها». (النص السابع، عدد 28).
في مسيرة تطبيق مجمعنا الأبرشي الذي عقدناه بين سنتي 2013 و2019 بهدف تطبيق المجمع البطريركي الماروني، نرسم اليوم أربعة شمامسة؛ ثلاثة منهم سيتابعون تنشئتهم ومسيرتهم نحو الكهنوت، وواحد سيكون شماسًا دائمًا للمرة الأولى في أبرشيتنا، وسيخدم في رعيته وفي المهمات التي نكلّفه بها في الأبرشية.
إخوتي الشدايقة،
بعد قليل ستصبحون شمامسة في كنيسة الشهود والشهداء وفي أبرشية القديسين.
تذكّروا دومًا أنكم مدعوون، في عائلاتكم، لأن ثلاثة منكم متزوجون، وفي خدمتكم، إلى القداسة وإلى الشهادة للمسيح في حياة بسيطة متجرّدة على خطى مار مارون ومار يوحنا مارون وجميع قديسينا.
وكونوا في سلوك حياتكم أوفياء لما يوصي به البطريرك الدويهي في ختام رتبة الشماسية:
« إعلموا قبل كل شيء، أيها الأبناء الأحباء، أنكم من التراب وإلى التراب تعودون. وأن الله الذي أتى بكم إلى عالم الوجود هو يخرجكم منه، وأنكم تذهبون عراةً كما أتيتم ولا يصحبُكم سوى أعمالكم... وعليه يجب أن تكونوا ودعاء ومتواضعين وتُعنوا بكل ما أُسند إليكم. صونوا نفوسكم من حبّ الأرباح النجسة والمكاسب الخسيسة، ولا تنهمكوا بأمور العالم... واظبوا على الخدمة في الصباح والمساء ونصف الليل ولا تضجروا في جهادكم. أحبّوا الصلاة وواظبوا عليها. حاسبوا نفوسكم في الليل والنهار وتأملوا بعواقبكم لأن الآخرة على الأبواب».
وبركة الثالوث الأقدس تحلّ عليكم وتعضدكم في خدمتكم لبنيان الكنيسة. آمين.