في قداس عيد الميلاد
في البترون وفي المطرانية- كفرحي، 25/12/2020
« ولد لكم اليوم مخلّص وهو المسيح الرب » (ولقا 2/11)
نحتفل اليوم بميلاد يسوع المسيح الرب والمخلص، ابن الله وملك الكون، إنسانًا في سلالة داود.
لكن ما يفاجئنا هو أن ابن الله الملك اختار أن يدخل التاريخ والجغرافيا ويولد في سلالة بشرية وشعبٍ وتراثٍ ولغة وتقليد؛ اختار أن يولد مثل أفقر إنسان في مذود حيوانات حيث لم يجد أحدًا حوله أو من يتعرّف إليه. حتى شعبه لم يعترف به ملكًا ومخلصًا، لأنه كان ينتظر مجيء المخلّص الموعود ملكًا يحرّره من ظلم الاحتلال الروماني، والأمبراطورية الرومانية كانت أعظم قوّة في ذلك الزمان.
لكن يسوع وُلد كذلك ليقلب مقاييس البشر ويقول لهم ولنا اليوم: إن العالّم القديم انتهى وزال إلى غير رجعة، وهناك عالَم جديد يولد.
واليوم في ميلاد 2020، وبالرغم من كل الظروف الكارثية والمأساوية التي نعيشها في لبنان والعالم، سيولد يسوع ملكًا ومخلّصًا في مذود. ولكن أي مذود ؟ سيولد في كل بيت من بيوتنا، وفي كل عائلة من عائلاتنا، وفي كل بيت من بيوت بيروت العاصمة الجريحة؛ وسيولد فينا ومعه كل شيء سيتغيّر، والعالم الذي تعرّفنا إليه وكنا نعيش فيه انتهى إلى غير رجعة ليولد بدلاً منه عالم جديد.
بإمكاننا أن لا نصدّق كل هذا.
وعندما وُلد يسوع في بيت لحم لم يصدّق شعبه ولم يؤمن، لأنه كان يريد يسوع مختلفًا. ونحن قد لا نصدّق اليوم أن عالمًا جديدًا سيولد مع يسوع. ونتساءل في الواقع الذي نحن فيه اليوم: من يخلّصنا ؟
علينا أن نصدّق ونؤمن أن يسوع يولد اليوم معنا، في فقرنا وبؤسنا وتعاستنا وجوعنا وعطشنا والظلم الذي تسبّبه لنا طبقة سياسية فاسدة. يقول لنا يسوع اليوم: إن كل هذا العالم الذي تعيشون فيه انتهى، وهناك عالم جديد سيولد فيكم وفي أولادكم وشبابكم وصباياكم وأنتم ستبنونه. وكل هذه الطبقة السياسية الحاكمة ونظام الرأسمالية الذي يحكمنا سيزولون قريبًا، تمامًا كما زالت الامبراطورية الرومانية وملوكها وقياصرتها وحكامها، وبقي يسوع وحده يقود العالم بسلطة محبته وفقره وتواضعه وعمله الخلاصيّ.
واقعنا المأساوي سيزول ونحن سنبني العالم الجديد بإيماننا وتضامننا على مبادئ وقيم العدالة والمحبة والسلام.
علينا أن نخرج من حال اليأس التي نعيشها، خصوصا شبيبتنا التي تتطلع إلى البعيد، ونقول من جديد: إننا مع شبيبتنا سنهيّء طبقة جديدة سياسية واجتماعية، قيادات مسؤولة تتميز بالنزاهة والحكمة والاخلاص والتضحية وبالعمل من أجل الخير العام لا للمصالح الشخصية الضيّقة. ومع هؤلاء الذين سيخرجون منا، ومن مذود يسوع اليوم، سنبني لبنان الجديد، لبنان الوطن الرسالة بالمحبة والعدالة والسلام والانفتاح واحترام الإنسان كل إنسان. ومعًا سنبني دولةً تحترم المواطن وتقوم بواجباتها وتطبق القانون على كل إنسان. هذا هو رجاؤنا.
ميلاد 2020، الذي سينهي سنة كارثية، سيكون ميلاد رجاء جديد لنا جميعًا؛ وهذا ما قاله لنا قداسة البابا أمس في رسالته الخاصة إلى اللبنانيين. آمين.