« يا رب لا تحسب عليهم هذه الخطيئة » (أعمال 7/60)
نعيّد اليوم معًا عيد الشهيد القديس إسطفانوس شفيع رعيتنا وشفيع عائلاتنا وشفيع الكثير ممن يحملون إسم القديس اسطفانوس الشهيد الاول في الكنيسة.
أمام حدث استشهاد القديس اسطفانوس يحقّ لنا أن نسأل الطبقة السياسية الحاكمة في لبنان، من بعد موت يسوع المسيح على الصليب: ألا يجب ان تقتنعوا؟ ألا يجب أن تسمعوا كلام الحق؟ كلام التوبيخ القاسي؟ ما بالكم لا تسمعون وكأن لا أحد يتكلم؟
لقد سمعنا في إنجيل اليوم كم كان كلام يسوع المسيح قاسيًا للكتبة والفريسيين والحكّام. قال لهم: آباؤكم قتلوا الانبياء وأنتم تتابعون مسيرتهم. لا تريدون أن تسمعوا كلام الحق، ولا تريدون أن ترتدّوا عن أعمال الشر، فليُترك لكم بيتكم خرابًا. في النهاية، نرى أنهم لم يتأثروا وكأنه لم يتكلم أحد معهم؛ وحكموا على يسوع بالموت صلبًا. لكن يسوع هو الذي أراد الموت على الصليب ليفتدي البشر، وقال وهو يموت على الصليب: يا أبتاه، إغفر لهم لانهم لا يدرون ماذا يفعلون. ولم يعلموا ماذا كانوا يفعلون وبقوا كذلك.
مات يسوع وقام وتغيّرت الحياة والبشرية معها. وبعد يسوع، كان أول شاهد وشهيد لإيمانه بيسوع المسيح القديس إسطفانوس. فاتخذ لغة يسوع ومنطقه، وراح يتكلم بإسم الله والحق ويشهد للمسيح الذي مات عن البشر والذي غفر لصالبيه، فقط لانه يحبّ، ولا حدود لمحبته. كذلك هم واجهوه بالرجم حتى قتلوه لانهم لم يستطيعوا ان يتقبلوا الكلام القاسي الذي قاله لهم.
لقد استطاع القديس اسطفانوس أن يغفر لمن أساء اليه، على مثال السيد المسيح. غفر لراجميه قبل أن يموت رجمًا، وقال: « يا رب لا تحسب عليهم هذه الخطيئة ».
فإذا تأملنا في هذا الحدث نرى أنه بالرغم من موت يسوع المسيح على الصليب وموت اسطفانوس رجمًا واستشهاده في سبيل إيمانه بيسوع المسيح، وإيمانه بالحق والحقيقة، نعتقد أنه لم يتغير أي شيء. لكن في الواقع نعرف أن التغيير حصل. لقد انقلبت حياة البشر بعد موت يسوع. تغيّر العالم وبدأ عالم جديد، عالم العدالة والمحبة والسلام، على الرغم من أن هناك طبقة من البشر ترفض هذا الواقع. كذلك بعد استشهاد القديس اسطفانوس تم التغيير، حتى في مسار الكنيسة. تسألون كيف؟ كان اسطفانوس الشهيد الأول وكان هناك شاهد، من بين الذين رجموه، شخص يدعى شاوول، صار اسمه في ما بعد بولس الذي ارتدّ إلى الايمان بسبب استشهاد إسطفانوس. فشاوول تساءل في قلبه كيف أن اسطفانوس غفر لهم وهم يرجمونه؟ وبعدها شاوول أي بولس أصبح أكبر رسول في الكنيسة وحمل الشهادة لكلمة الله وكلمة الحق في العالم. ولا زلنا حتى اليوم نحمل شهادة القديس بولس كما نحمل شهادة القديس اسطفانوس، أمام العالم بأجمعه.
اليوم هناك كلام قاسٍ يقال بحق الطبقة السياسية الحاكمة في لبنان؛ ولكن يا للأسف يرفضون أن يسمعوا. فما هي مصلحتهم؟ هل يعتقدون أنهم سيبقون في الحكم؟ هيرودوس مات وقيصر أيضًا، والامبراطورية الرومانية، وهي أعظم إمبراطورية في تاريخ البشرية، انتهت. فماذا ينتظرون بعد؟ هل يعتقدون أنهم أبديون؟ بالطبع لا، لن يكونوا كذلك.
واليوم في عيد القديس اسطفانوس سنصلّي من أجلهم قائلين: « يا ربّ لا تحسب عليهم هذه الخطيئة »، علّهم يعون يومًا ماذا اقترفت أيديهم، قبل فوات الآوان. لعلّهم يعوّضون على شعبهم ما يجب أن يعوضوه عن الخسارات الكبيرة التي تسبّبوا بها، وعن الفساد والنهب الذي ارتكبوه، ويعودوا تائبين، فيعملوا معًا ومع شعبهم على إعادة بناء وطن الرسالة لبنان، الذي يجب أن يعيش أبناؤه بالحق والكرامة والحرية، ويحصلوا على حقوقهم ويقوموا بواجباتهم وفق القوانين والأنظمة المرعية الاجراء.
كلنا أمل أن يصل صوتنا، الذي لا بد أن يصل، إلى آذانهم، لأننا باقون على إيماننا ورجائنا وسنبني معًا لبنان وطنًا جديدًا يليق بأبنائه وبرسالته. آمين.