عظة المطران خيرالله في دفن الخوري رزق طانيوس رزق- كفيفان 6/1/2021

 

عظة المطران منير خيرالله

 

في دفن الخوري رزق طانيوس رزق (1945-2021)

 

في كنيسة مار عبدا- كفيفان، 6/1/2021

 

 450

 

« ويأتي بعدي من هو أقوى مني » (لوقا 3/16)

 

 

قدس المونسنيور النائب العام،

 

إخوتي الكهنة، أحبائي جميعًا، عائلة الخوري رزق

 

 

نأسف في ظروفنا القاسية والتعيسة والكارثية أن نودّع هكذا فقيدنا وأخانا الخوري رزق رزق. لكننا نفرح مع السيد المسيح في عيد ظهوره الإلهي الذي تجلّى فيه بألوهيته أمام شعبه وأمامنا، وتجلّت فيه محبة الله اللامتناهية لنا.

 

في وداع أخينا الخوري رزق نملأ قلوبنا فرحًا ورجاءً بالمسيح بالولادة الثانية التي نلناها بسرّ المعمودية.

 

الخوري رزق ابن جران (ولد فيها في 20/5/1945) وابن عائلة رزق، عاش في كفيفان. وبين جران وكفيفان قربى جغرافية وقرابة عائلية تعود في أصولها إلى العائلة المعادية.

 

تلقّى دروسه الابتدائية في مدرسة سيدة النصر كفيفان، التي لعبت دورًا تربويًا وثقافيًا مهمًا في أوائل القرن العشرين. ودروسه التكميلية في تكميلية تولا الرسمية.

 

ثم دخل دار المعلّمين في جونيه، حيث تخرَّج سنة 1967.

 

وبدأ رسالته التعليمية في القرعون، البقاع الغربي (1968-1970).

 

تزوج في 19/7/1970 من أسما طايع، وهي أيضًا متخرّجة من دار المعلّمين ومثله من عائلة مسيحية ملتزمة. والتزما معًا في « الجماعة المعلِّمة المسيحية » CEC (Communauté Enseignante Chrétienne) التي كانت تجمع معلّمين ومعلمات مسيحيين من كل لبنان.. وتعاهدا على عيش الحبّ في سرّ الزواج المقدس. ورزقا خمسة أولاد، صبي وحيد وأربع بنات، ربّياهما على محبة الله ومحبة الناس، وعلى الثقة بالله، وعلى الشغف بالعلم والثقافة والالتزام الكنسي والإنساني والاجتماعي.

 

بعد زواجه، انتقل ليعلّم في ابتدائية بجدرفل الرسمية (1970-1990). ثم انتقل سنة 1990 إلى تكميلية جران الرسمية حيث أصبح مديرًا لها لعشر سنوات ( 1995-2005)، عرفت في خلال إدارته ازدهارًا وتقدّمًا وأصبحت مرجعًا تربويًا محترمًا في المنطقة.

 

أبدى عن رغبته بأن يصبح كاهنًا معتبرًا أن رسالة التربية والتعليم تتكامل مع الخدمة الكهنوتية كما مع المسؤولية الزوجية. ففاتح بالأمر سيادة المطران رولان أبو جوده النائب البطريركي العام على بلاد البترون، الذي طلب منه أن يتابع دروسه الفلسفية واللاهوتية في كلية اللاهوت الحبرية في جامعة الروح القدس الكسليك (تشرين الأول 1982- تموز 1987).

 

وفي 10 أيلول 1988، منحه سيادة المطران بولس آميل سعاده النائب البطريركي على بلاد البترون سرّ الكهنوت في كاتدرائية مار اسطفان البترون. وسلّمه خدمة رعيتي جربتا وتولا (1988-1992). وعيّنه رئيسًا لوقفية سيدة النصر الخاصة بآل رزق. ثم خدم رعيتي جربتا وصغار (1993-2002).

 

وانتقل سنة 2003 إلى خدمة رعايا صورات وراشكده وكفرشليمان حتى سنة 2013، حيث تقاعد في البيت لأسباب صحية.

 

إنها مسيرة حياة مليئة بالخدمة والتضحية والعطاء تميَّزَ فيها الخوري رزق بالتوفيق بين مسؤولياته العائلية والتربوية والكهنوتية، وكان الزوج والأب والمربّي والمدير والكاهن. ولم ينسَ أرضَه التي تعلَّق بها وأعطاها من وقته وجهده وتعبه لتثمر له وتبقى لأولاده إرثًا غاليًا يحفطونه هم لأولادهم. كان لزوجته فضل كبير في ذلك إذ وقفت إلى جانبه تسانده في تأدية واجباته دون أن تتدخل في شؤونه الراعوية؛ وتحمّلت معه مسؤولية تنشئة الأولاد ليكبروا ويتعلّموا ويخدموا مجتمعهم في القيم المسيحية التي تربّوا عليها.

 

في السنوات الثمانية الأخيرة راحت صحته تتراجع والتزم البيت. فكانت الخورية ملاكه الحارس تسهر عليه وترعاه وتخدمه. وكذلك أولاده الذين التفّوا حوله وخدموه أفضل خدمة. وكان يفرح بهم وبأولادهم كلّما تلتئم العائلة. والعائلة لن تنسى اهتمام خادم الرعية الخوري بطرس فرح وسهره على الخوري رزق وزياراته المستمرّة إما ليصحبه إلى الكنيسة للاحتفال بالقداس وإما لينقل إليه القربان المقدس في السنوات الأخيرة.

 

حَمِلَ الخوري رزق معاناته الطويلة بصمت وصبرٍ واتّكال على الله. ولما كنت أزوره ولم يَعُدْ يستطيع أن يعبّر بالكلام عن الشكر لله ولعائلته ولخوري رعيته ولأبرشيته ومطرانه، كانت عيناه تلمعان فرحًا وامتنانًا وشكرًا ويتمتم الصلاة معنا ومع العائلة طالبًا شفاعة العذراء مريم أم الكاهن وأم العائلة، وشفاعة قديسينا.

 

إلى أن دعاه الله إليه عشيّة عيد الدنح، ليذكر ولادته الثانية بالمعمودية ويدخل في الولادة الثالثة والأخيرة ملكوت الآب السماوي الذي ينتظره ليجازيه مجازاة الوكيل الأمين الحكيم.

 

أيها الرب يسوع، الربّ والمعلّم والراعي الصالح والكاهن الأوحد، أعطنا في يوم عيد ظهورك الإلهي أن نتشبّه بك في المحبة والخدمة والتضحية؛ وأعطنا كهنةً قديسين لكنيستنا وأبرشيتنا يخدمون شعبك بالتفاني والعطاء المجاني.

 

إنها تعزيتنا الحارة والقلبية نتقدم، بها باسم إخوتي كهنة الأبرشية، وبعضهم لم يستطيعوا أن يكونوا معنا للأسباب نفسها التي منعت الكثيرين من أن يكونوا حاضرين، من زوجة الخوري رزق أسما، وأولاده وعائلاتهم، من أشقائه وشقيقاته، وآل رزق ومن ينتسب إليهم، طالبين من رب الحياة أن يمتّعه اليوم بالنعيم الأبدي ويدخله ملكوته؛ وأن يعزي العائلة ويقوّيها كي تتابع رسالته؛ ويقوينا جميعًا كي نبقى ثابتين في إيماننا وعلى رجائنا بالقيامة مع الرب يسوع. فنعمل معًا على إعادة بناء مجتمعنا ووطننا لبنان، الوطن الرسالة. آمين.