عظة المطران منير خيرالله
في دفن الخوري انطون طنوس اغناطيوس ابي سعد
في كنيسة مار ضوميط- جران، 18/1/2021
« لقي الرب يسوع فيليبس وقال له: إتبعني » (يوحنا 1/43).
قدس المونسنيور النائب العام (بيار طانيوس)،
قدس المونسنيور سمير الحايك،
إخوتي الكهنة،
أيها الأحباء، عائلة الفقيد الخوري أنطون.
بعد أن تعمّد يسوع على يوحنا المعمدان، وكشف طبيعته الإلهية، باشر رسالته الخلاصية بدعوة الرسل الاثني عشر: أندراوس وسمعان أخيه، وفيليبس، ويوحنا ويعقوب أخيه إبني زبدى، وغيرهم. اختارهم يسوع من بين جماعة الناس العاديين والطيّبين وأكثرهم صيادي سمك ليحوّلهم إلى صيادي بشر. اختارهم يسوع وبنى كنيسته على صخرة إيمان بطرس، وقال له: أنت هو الصخرة وعلى هذه الصخرة سأبني كنيستي، وأبواب الجحيم لن تقوى عليها. وتابع الرسل رسالة المسيح الخلاصية بين البشر. ووصلت هذه الرسالة إلينا إذ كان خلفاء الرسل يختارون باسم الكنيسة والمسيح ونعمة الروح القدس من يدعوهم الرب يسوع إلى الخدمة في كنيسته، أساقفةً وكهنة وشمامسة. ومن بين هؤلاء اختار الرب الخوري انطون طنوس اغناطيوس ابي سعد ابن بلدة جران، وُلد فيها في 8 كانون الثاني 1939. ومنذ أيام قليلة ودّعنا كاهنًا آخر من بلدة جران هو الخوري رزق رزق.
« ومنذ صغري، يقول الخوري أنطون في سيرته الذاتية التي كتبها بخط يده ووجدتُها بين أوراقه، علّمتني أمّي روزا سعد ابنة جران وهي تلميذة راهبات العائلة المقدسة في جران، المبادئ الدينية. وكنا نصلّي معًا كل ليلة المسبحة ونزيّح صورة العذراء. وكنت أنا أقدّس في البيت، وأخدم القداس للخوري في الكنيسة».
بدأ دروسه الابتدائية في مدرسة الخوري الياس باسيل في سمارجبيل، ثم تابعها في مدرسة جران، ودروسه التكميلية في تكميلية البترون الرسمية.
في عمر 21 سنة، تشرين الأول 1960، دخل إكليريكية مار أنطونيوس البادواني في كرمسده ليتعلّم الفلسفة واللاهوت ويحصّل التنشئة اللازمة ليكون يومًا خادمًا للرب. وبعد أربع سنوات، في 12 تموز 1964، اقتبل سرّ الكهنوت في كنيسة مار سابا بشري بوضع يد المطران نصرالله صفير النائب البطريركي العام في حينه والبطريرك في مار بعد.
باشر خدمته الكهنوتية في رعيته جران في 7/10/1964؛ وخدمها 36 سنة، حتى تشرين الأول 2000.
وخدم معها رعية جربتا ست عشرة سنة (9/2/1972 حتى 16/10/1988).
ورعية حلتا اثنتي عشر سنة (22/3/1975 حتى 4/1/1987).
ورعية بجدرفل إحدى وعشرين سنة (4/1/1987 حتى 25/7/2008).
وكان خلال هذه السنوات يعلّم التعليم المسيحي في تكميلية جران الرسمية، ويقوم بالرياضات الروحية في رعايا عديدة في الأبرشية حيث كان الكهنة يدعونه لذلك.
سنة 1992، جدّد في جران شركة دفن الموتى التي كانت تأسست سنة 1885 وتوقفت سنة 1915 بسبب الحرب العاليمة الأولى.
كان يحبّ الاطّلاع على التاريخ في الكتب المتوفرة وبخاصة التي تعود إلى المطران جبرايل ابن القلاعي والبطريرك اسطفان الدويهي والمطران بولس بصبوص، كما يقول في مذكراته. وكتب خلاصة عن تاريخ وطى صفرتا البلدة التي اندثرت كلّيًا، ووادي حربا- وادي القداسة. وهاتان تعودان اليوم إلى الصفحات الأولى من وسائل الاعلام. وكان يدوّن مذكراته اليومية.
تقاعد في منزله سنة 2008 لدواع صحية، وبقي مثابرًا على كتابة مذكراته وعلى قداساته اليومية في جران في كنيسة مار ضوميط، وعلى قربه من الناس.
سنة 2014 احتفل بيوبيله الكهنوتي الذهبي وكان له تكريم من أبناء رعيتي جران وبجدرفل.
تميّز الخوري أنطون في خدمته الكهنوتية بمحبته لكنيسته المارونية وأبرشيته، وطاعته واحترامه للسلطة الكنيسة عبر أساقفته المطران نصرالله صفير والمطران رولان أبو جوده والمطران بولس آميل سعاده ونحن.
في حزيران 2018، ساءت صحته، فنقل إلى المستشفى وأجريت له عدة عمليات جراحية. وكان إلى جانبه يوسف ابن شقيقه الذي رافقه واعتنى به عناية خاصة حتى اللحظة الأخيرة من حياته. وبعد تعافيه استقبلته أخواتنا الراهبات اللبنانيات في بيت القديسة رفقا في جربتا، وكانت له عندهنّ عناية مميّزة. فلهنّ منا كل شكر وتقدير على ما قُمنَ ويقمنَ به من خدمة خاصة ومُحبَّة للمسنّين في بيت رفقا، ومن إشعاع روحي مميّز على خطى القديسة رفقا. وكنت أزوره كل يوم أحد لأسأل عنه وأصلّي معه وأنقل إليه أخبار إخوته الكهنة والأبرشية.
فاجأه فيروس كورونا قبل ستة أيام، وعانى من ضيق التنفس. إلى أن دعاه الله البارحة في عيد شفيعه القديس أنطونيوس الكبير أب الرهبان.
إنها حياة كهنوتية طويلة قضاها في خدمة ربّه وخدمة شعب الله في كنيسته المحلية أبرشية البترون في عدة رعايا.
يبقى لنا الخوري أنطون في السماء شفيعًا يصلي من أجلنا ومن أجل إخوته الكهنة ومن أجل كنيسته، لا سيما في هذه الأيام العصيبة، لكي نبقى جميعًا ثابتين في إيماننا بالله وبرجائنا بعالم جديد نبنيه نحن مع شبيبتنا كي نمجد الرب على أرضنا المقدسة، أرض لبنان.
إنها تعزيتنا الحارة والقلبية نتقدّم بها باسم إخوتي الكهنة الحاضرين والغائبين للظروف التي نعرف، وباسمكم جميعًا، من عائلة شقيقه المرحوم اغناطيوس، من شقيقاته وعائلاتهنّ، ومن آل اغناطيوس وابي سعد وأبناء وبنات جران، طالبين من رب الحياة أن يمتّعه اليوم بالنعيم الأبدي الذي استحقّ أن يكون فيه، وأن يقوّينا كي نبقى في خدمة كنيسة المسيح في لبنان وفي أبرشيتنا في البترون، أبرشية القداسة والقديسين. آمين.