عظة المطران منير خيرالله
في قداس الزيارة الراعوية لرعية دوما
الأحد 14 نيسان 2013، في كنيسة السيدة- دوما
« أما أعينهما فقد حُجبت عن معرفته» (لوقا 24/15)
حضرة الخوري بولس (الرقيبي)، خادم هذه الرعية الحبيبة،
أحبائي جميعاً أبناء وبنات دوما.
لقائي معكم اليوم، في أحد شهادة تلميذي عماوس، يجعلنا نجدد إيماننا بالرب يسوع القائم من الموت والحاضر دوماً معنا.
وكما تلميذا عماوس والرسل، مهما تكون همومنا وصعوباتنا كبيرة، يبقى إيماننا أقوى وأكبر.
فلنحسب أنفسنا كتلميذي عماوس والرسل؛ لا يستطيعون أن نصدّقوا القيامة؛ لأنهم كانوا يعيشون في حالة خوف كبير. ومن يعيش في الخوف فهو جبان، لا يستطيع أن يفكّر ولا أن يؤمن ولا أن ينظر إلى البعيد. إنه خائف على ذاته وعلى مصلحته وعلى مصيره. هذا ما جعل الرسل يتقوقعون في العلّية خائفين على مصيرهم لئلا يصيبهم ما أصاب يسوع؛ فيُحكم عليهم بالموت وينتهي كل شيء.
هذان التلميذان كانا راجعين من أورشليم إلى بلدتهم عماوس. وكانا يتجادلان في الأمور التي يتكلم فيها كل الناس: يسوع الناصري مات ودُفن، وكان قد قال لنا أنه سيقوم في اليوم الثالث وكنا نرجو أنه سيفدي إسرائيل؛ وهذا هو اليوم الثالث ونحن لا زلنا ننتظر قيامته. لكن بعضاً منا قالوا إنهم رأوه قام. إنما نحن لم نره، ولا زلنا غير مصدّقين.
كان يسوع يرافقهما في الطريق ويسمعهما يخبران عن تلك الأحداث. وقال له أحدهما: وهل أنت غريب عن أورشليم ؟ وبقيت هذه العبارة مثلاً يتناقله الناس حتى يومنا. فأجابهما يسوع: « يا عديمَيْ الفهم وقليلَيْ الإيمان». توبيخ واضح. وكأنه يوبخهما على أنهما غير مصدقين أن يسوع هو ابن الله؛ وهو الذي كان بينهم وقال إنه سيقوم في اليوم الثالث. وعاد يشرح لهما ما قالته الكتب من موسى إلى الأنبياء عن يسوع ابن داود الذي يخلص شعبه. ولما اقتربا من البيت، قالا له: أمكث معنا، فقد حان المساء ومال النهار. دخل معهما البيت. ولما « أخذ الخبز وبارك وكسر وناولهما، انفتحت أعينهما وعرفاه، فإذا هو قد توارى عنهما».
في بداية الطريق كانت أعينهما محجوبة عن معرفته. وعند علامة كسر الخبز والبركة أنفتحت أعينهما فعرفاه، فتوارى عنهما. فما كان منهما إلاّ أن قاما حالاً وعادا إلى أورشليم ليخبرا الرسل أن يسوع قام حقاً من بين الأموات وكلمّهما وكسر أمامهما الخبز؛ مع أنهما كانا خائفين من الليل. عند معرفة يسوع تحرّرا من خوفهما وعادا في الليل إلى أورشليم.
نحن اليوم نحسب أنفسنا مثل تلميذي عماوس، وبخاصة في الظروف الصعبة التي تمرّ علينا. ونقول: أين أنت يا رب، القائم من الموت ؟ أنت الذي قلت لنا: ها أنا معكم حتى منتهى الدهر. أنت الذي قلت لنا: لا تخافوا أنا غلبت العالم. نحن لا نشعر بحضورك. لكن يسوع سيقول لنا: يا عديمي الفهم وقليلي الإيمان ! أنا معكم، وأنا أرافقكم في الطريق وأنتم حاملون الصليب. لكنكم لا ترونني لأن الخوف يحجب عنكم الرؤية.
نريد أن نتحرر من الخوف واليأس والهموم التي تسيطر علينا لنقتنع أن يسوع معنا، اليوم وإلى أبد الدهور. والنقص هو فينا لأننا لا نشعر بحضوره.
تعالوا نتخذ القصد اليوم معاً في كنيستنا وفي شعبنا ونقول: يا يسوع، نحن أقوياء بك. كنيستنا التي عرفت في تاريخها الحروب والاضطهادات والاحتلالات بقيت ثابتة لأنها كنيستك.
أحبائي، أبناء وبنات دوما. دوما بلدة التاريخ والتراث والتآخي، دوما بلدة التنوع والإنفتاح، دوما البلدة المثال في العيش الواحد المشترك. أنا أفتخر بأن أكون معكم اليوم. أفتخر بكم. وأتمنى أن تحملوا دوماً الإرث العريق الذي ورثتموه عن آبائكم وأجدادكم الذين كانوا عائلة واحدة ورعية واحدة، وعاشوا معاً في وحدة الإرث الانطاكي الذي يجمعنا متضامنين موحدين.
لا تخافوا إذاً، عددكم قليل لكن قيمتكم كبيرة. قيمتكم بالتراث الذي تحملونه وبقوة إيمانكم وثقتكم بالرب. قيمتكم بتضامنكم وعيشكم مع بعضكم البعض. قيمتكم هي في القيم التي تربيتم عليها في عائلاتكم وتريدون أن تربّوا أولادكم عليها.
لا تخافوا ! المسيح معكم دوماً يا أبناء دوما، بشفاعة أمه وأمنا مريم العذراء التي تدلّنا على ابنها يسوع وتحضننا بحنانها وعطفها وتطمئننا إلى أننا إذا حملنا الصليب مع يسوع فمعه نستحق الموت والقيامة إلى الحياة الأبدية في ملكوت أبينا السماوي. آمين.