عظة المطران منير خيرالله
في قداس الزيارة الراعوية لرعية مار جرجس دير بلاّ
الأحد 28 نيسان 2013
« يا رب أنت تعلم كل شيء وأنت تعرف أني أحبك» (يوحنا 21/17)
أخي الخوري يوسف (صالح) خادم هذه الرعية،
أحبائي جميعاً أبناء وبنات دير بلاّ.
فرحتي كبيرة اليوم أن أكون هنا لأعيّد معكم عيد شفيعكم مار جرجس، والكثيرون منكم يحملون اسمه. وفرحتي أكبر أن أحتفل بقداسي الأول كمطران لأبرشية البترون لأتبادل وإياكم محبة الرب يسوع، لأن قلبي يكبُر بكم ويفتخر بكم.
إنجيل اليوم يدعونا إلى التأمل والدخول في عمق إيماننا المسيحي. حوار يسوع وسمعان بطرس بعد القيامة؛ يسأل فيه يسوع: « يا سمعان بن يونا أتحبني أكثر من هؤلاء ؟». وجواب بطرس بعفويته المعهودة كان: « نعم يا رب أنت تعلم كل شيء، وأنت تعرف أني أحبك حباً شديد». لكن يسوع سأله مرة ثانية ومرة ثالثة لكي يقول له في النهاية: « إرعَ خرافي». سلّمتك منذ بداية رسالتي معكم رعاية الكنيسة. واليوم بعد القيامة أقول لك من جديد: إرعَ خرافي. ويجب عليك أن تفهم يا بطرس أن المحبة غالية الثمن وتكلّفك غالياً، وستكلّفك حياتك؛ وأنت لم تفهم بعد. لا يكفي أن تقول لي نعم يا رب أنا أحبك. هل تعلم ماذا يعني أنك تحبني ؟ وماذا يعني أنك ترعى خرافي ؟ إنك اليوم تعمل ما تشاء؛ « ولكن متى تشيخ يأتي غيرك ليشدّ لك حقويك ويذهب بك إلى حيث لا تشاء»؛ إلى أين ؟ إلى أن تموت في سبيل محبتك لي ومحبتك لخرافي.
المحبة غالية جداً وتكلّف الحياة. والمسيح أعطانا المثال، فارتضى أن يموت من أجل جميع البشر، لأنه يحبنا ولأن الله الآب يحبنا محبة لا حدود لها. هذه هي المحبة. ولم يفهم بطرس ذلك إلا بعد حلول الروح القدس. فَهِمَ كل شيء، وفهم سرّ المسيح، وفهم أن من يحب المسيح عليه أن يبذل ذاته مثل المسيح في سبيل الخراف. فانطلق هو والرسل إلى العالم، وتخطّى الخوف الذي كان يسيطر عليه والخائف جبان، وتحرَّرَ، لحمل بشارة الخلاص إلى الناس أجمعين. وارتضى أن يستشهد ويموت في سبيل إيمانه بالسيد المسيح وحبّه للكنيسة.
وهكذا شفيعكم مار جرجس ارتضى أن يكون شهيداً.
أنا هنا اليوم لأقول لكم: إنكم تحبّون المسيح، مثل آبائكم وأجدادكم. وتعرفون أنهم اتخذوا مار جرجس شفيعاً لهم ليبرهنوا أنهم أقوى من الشرّ والخطيئة والشيطان، وأنهم مستعدون لبذل ذواتهم وللاستشهاد في سبيل الحفاظ على إيمانهم بالسيد المسيح.
أنتم اليوم مدعوون إلى أن تمشوا على خطى الآباء والأجداد القديسين الذين عاشوا على هذه الأرض المقدسة، أرض لبنان وأرض البترون، وارتضوا أن يواجهوا كل الصعوبات والتحديات، من حروب واضطهادات واحتلالات، وبقوا صامدين في أرضهم ومتمسكين بإيمانهم ومحافظين على القيم التي تربّوا عليها.
أنتم ونحن مدعوون إلى أن نحافظ على أرضنا ونتمسك بإيماننا بالرب يسوع، الذي نحبه بعفويتنا وبالرغم من ضعفنا ونقصنا، ونتمسّك بالقيم العائلية، لننقل الإرث العريق الذي نُقل إلينا من آبائنا وأجدادنا إلى أولادنا وأجيالنا الطالعة ونربّيهم كما تربيّنا. وأولادنا، أينما وجدوا في العالم، ودير بلاّ عندها الكثيرين وهم يصلّون معنا اليوم، يحملون هذا التراث.
ودير بلاّ لها تاريخ عريق. ودير مار بولا أول النساك يشهد على ذلك وعمره مئات السنوات، ومن هنا أخذت دير بلاّ اسمها.
وأيضاً كنيسة سيدة العالم؛ هل تعرفون ماذا يعني أن أجدادكم أطلقوا عليها اسم سيدة العالم ؟ من دير بلاّ إلى العالم. إنها رسالة يحمّلكم إياها تاريخكم. وسيدة العالم تحمل أبناء وبنات دير بلاّ إلى العالم شهوداً للمسيح بالمحبة.
وأنا بينكم شاهد للمحبة. وقد اتخذت شعاراً لي في خدمتي الأسقفية: خدمة ومحبة. شعاري أن أكون بينكم خادم المحبة.
أصلي وأطلب صلاتكم كي أبقى وفيّاً لهذا الشعار وأعيشه في رسالتي بينكم كل يوم.
خادم المحبة. ومن يريد أن يخدم في المحبة كالرسل عليه أن يقدّم ذاته مجاناً ومن دون مقابل ويخدم في الليل وفي النهار ويكون حاضراً في الرعية التي تسلّم رعايتها من السيد المسيح. هكذا أريد أن أكون معكم ومع جميع أبناء وبنات الأبرشية.
وأطلب منكم أن تلتزموا معي بعيش هذا الشعار، لأن يسوع لا يطلب منا إلا المحبة، فقط المحبة. لكن علينا أن نعرف أن المحبة تكلّف غالياً، وليس لنا طريق غيرها توصلنا إلى الخلاص والملكوت. دير بلاّ كبيرة وواحدة برعاياها الثلاث: مار جرجس وسيدة الراس في شناطه الفوقا ومار سابا في شناطه التحتا. كلكم عائلة واحدة وبلدة واحدة تحمل لواء محبة الرب يسوع ومحبة بعضكم البعض، ولواء المصالحة والتضامن والخدمة في سبيل الحفاظ على تراثكم وبناء بلدتكم. ولا تهتمّوا للباقي فهو زائل وفانٍ. وكل غالٍ يرخص من أجل محبتنا للمسيح ومحبتنا لكنيستنا ولوطننا لبنان.
لا تخافوا ! نحن أقوياء. أقوياء بكم؛ وأقوياء بإيماننا بالرب يسوع؛ وأقوياء بتاريخنا وبمسيرة كنيستنا وشعبنا؛ أقوياء بعائلاتنا التي ستبقى وفيّة للقيم التي تربّينا عليها.
تعالوا نتضامن ونعيش هذه القيم ونربّي عليها أولادنا الذين سيطالبوننا يوماً: ماذا فعلتم لنكون نحن موارنة ومسيحيين ولبنانيين ملتزمين ؟
لا تتلهّوا بالأمور الدنيوية فهي لا توصلنا إلا إلى الخلافات والإنقسامات.
وإذا قال أحد إن الموارنة منقسمون؛ فلا تصدّقوا. نحن لسنا منقسمين.
وإذا كانت السياسة، التي لها أربابها، فرّقت في ما بيننا، فهي عابرة ومتحوّله؛ لكنها لا تقسمنا؛ والخلافات في الآراء هي علامة حرية.
إطمئنوا ! نحن موحدون حول رأس كنيستنا البطريرك، منذ مار يوحنا مارون وإلى البطريرك السابع والسبعين ومن يأتي بعده. وسنبقى موحدين. والأمور الصغيرة التي تعترض طريقنا نتخطّاها لأن قلبنا كبير ومحبتنا للمسيح ولبعضنا البعض هي أكبر من ذلك.
أقدّم قداسي اليوم من أجل دير بلاّ برعاياها الثلاث وأهلها، ومن أجل إخوتنا المنتشرين في العالم، طالباً من الله بشفاعة السيدة العذراء ومار جرجس ومار سابا، أن يعطينا القوة كي نشهد للمسيح ونقول له مثل بطرس: يا رب، بالرغم من ضعفنا، أنت تعلم أننا نحبك حباً شديداً. آمين.