عظة المطران منير خيرالله
في قداس الزيارة الراعوية لرعية مار سركيس وباخوس- راشكدّه
الأحد 5 أيار 2013
« ما بالكم مضطربين ؟» (لوقا 24/37).
فرحتي كبيرة أن أكون بينكم اليوم.
أريد أن أتوجه أولاً إلى الخوري أسعد (باسيل)، ابن هذه الرعية وأبيها، الذي له عليها أفضال كبيرة، بتحية محبة وعرفان جميل، وأطلب من الله أن يبقيه زخراً لهذه الرعية وأبنائها الحاضرين والغائبين.
وثانياً أريد أن أتوجه بتحية شكر إلى إخوتي الآباء الكبوشيين الذين يخدمون هذه الرعية مع صورات وكفرشليمان بعطاء وتفانٍ.
ثالثاً أنا معكم لأحتفل بقيامة الرب يسوع، كما كل يوم أحد.
الإنجيل الذي سمعناه اليوم يأتي في ختام إنجيل لوقا. وفيه يتراءى يسوع من جديد للرسل الذين لا زالوا غير مصدّقين أن يسوع قام من بين الأموات. مع أنه كان يعلّمهم، عندما كان بينهم، أن يسوع ابن الله والمخلّص سيتألم ويموت على الصليب وفي اليوم الثالث يقوم. ولما مات يسوع اعتقدوا أن كل شيء انتهى. لكن يسوع بقيامته برهن أنه ابن الله وأنه حاضر معهم حتى بعد موته وقيامته وإلى منتهى الدهر. تراءى لهم عدة مرات وكلّمهم، وكان يبادرهم بتحية السلام. السلام الذي هو سلام الله لا سلام البشر؛ السلام الذي يطمئن الرسل لأنهم كانوا لا زالوا يعيشون في اضطراب وخوف. فتجمعّوا في العلّية وأغلقوا أبوابها. خائفون على ماذا ؟ خائفون على مصيرهم، ويقولون: نحن أتباع المسيح وسنحظى بالمصير نفسه، أي أنهم سيحكمون علينا بالموت وينتهي كل شيء.
يسوع يتراءى لهم بعد قيامته ليطمئنهم، ليقول لهم: لا تخافوا ! أنا حيّ، أنا أمامكم: « جسّوني وانظروا، فإن الروح لا لحم له ولا عظام كما ترون لي»؛ لأنهم « كانوا يظنون أنهم يشاهدون روحاً». «ما بالكم مضطربين ؟» ولماذا لا تصدّقون ؟ تحرّروا من خوفكم تصبحون أقوياء. ولا تنسوا أن آخر وصية لي هي: إذهبوا في العالم كله، بشرّوا الناس وعمّدوهم باسم الآب والإبن والروح القدس، ابتداءً من أورشليم إلى أقاصي الأرض. وستكونون « أنتم شهوداً على ذلك» (لوقا 24/48)، أي على موت وقيامة المسيح، جوهر إيماننا منذ ألفي سنة وإلى دهر الدهور.
أن نعلن ونشهد أن المسيح ابن الله تجسّد إنساناً مثلنا، ومات على الصليب، وقام في اليوم الثالث ليفتدينا جميعاً ليبيّن لنا حبّ الله الذي لا حدود له؛هذه هي رسالتنا. هذا هو الحب الذي جعل الله الآب يضحّي بابنه يسوع ليفتدينا، ويحرّرنا من عبودية الخطيئة ويعطينا السلام، سلام الله، لنعيش بطمأنينة، ونطمئنّ إلى مصيرنا ومستقبلنا، وهما مضمونان مع المسيح في مجد القيامة.
هذا الإيمان نُقل إلينا عبر الأجيال. ونحن نعيشه اليوم في راشكدّه وكفرشليمان وصورات وأرض البترون المقدسة. لأنها أرض قدّسها الله بابنه يسوع المسيح، وبالعديد من القديسين. وذلك بفضل عائلاتنا التي تربّينا فيها كما تربّى آباؤنا وأجدادنا على قيم مسيحية وإنسانية. ولأنهم كانوا قديسين، أعطوا قديسين.
نحن اليوم نتسلّم هذا التراث العريق، ونقف أمام مسؤوليات جسام. ويستوقفنا المسيح كما استوقف الرسل والتلاميذ بعد قيامته؛ ويقول لنا: ما بالكم مضطربين خائفين ؟ وعلى ماذا أنتم خائفون ؟
كنيستي لا زالت شاهدة للقيامة بالرغم من كل ما مرّ عليها. وكنيستي التي هي على إسم مارون لا زالت شاهدة لحضور السيّد فيها !
كم مرّ على كنيستنا وشعبنا من حروب واحتلالات وتحدّيات وتهجير وتعتير وفقر، وكم مرّ على آبائنا وأجدادنا الذين ارتضوا العيش في هذه الأرض الوعرة الصخرية وحوّلوها إلى جنّات تعطيهم مواسم تسمح لهم بعيش كريم ورأس مرفوع وحرية كاملة. فثبتوا في إيمانهم بالله وفي حبهم لأرضهم هذه، وربّوا الأجيال على هذه القيم.
مسؤوليتنا هي كبيرة اليوم أمام الله وأمام تاريخنا، لكي نربّي أولادنا وأجيالنا الطالعة كما تربّينا نحن. نحن مسؤولون لأن الله يدعونا إلى القداسة، وتبقى عائلاتنا تعطي قديسين. ولا نستغربنّ ذلك. فقديسونا، شربل ونعمة الله ورفقا والأخ اسطفان، عاشوا في ظروف صعبة في حرب 1840-1860 والحرب العالمية الأولى. شاهدوا شعبهم يتقاتل ويتهجّر ويهاجر، ولكنه عاد وتضامن وتصالح وبنى وطناً جديداً. والمغفرة هي نتيجة المحبة.
فما نعاني منه اليوم من حروب وأزمات ليس شيئاً بالنسبة إلى ما عرفه آباؤنا وأجدادنا وقديسونا. إطمئنّوا؛ المسيح باقٍ معنا ! وما نخاف عليه هو أن أبناءنا يهاجرون إلى بلاد بعيدة وجديدة. لا تخافوا عليهم. طالما أنهم تربّوا تربية صالحة، وطالما أنهم لا يزالون يحملون في قلوبهم القيم التي تربّوا عليها، وطالما أنهم لا يزالون متمسكين بإيمانهم بالله وبأرضهم المقدسة وبالقيم العائلية، لا تخافوا عليهم. إنهم خميرة جيدة تخمّر العوالم التي يعيشون فيها. وعالم اليوم يفتقد إلى القيم. وهم سيكونون رسلاً للقيم المسيحية والإنسانية.
لا تخافوا ! هذا هو رجاؤنا بالمسيح الحاضر دوماً معنا.
وراشكدّه حاملة تاريخ، وعليكم أن تحافظوا عليه بأمانة وإخلاص. وضمانتنا هي في الثوابت الثلاث: إيماننا بالله وتعلّقنا بأرضنا وعيشنا للقيم. وكل ما عدا ذلك هو زائل وفانٍ. ومهما قالوا إن الموارنة منقسمون ومشرذمون، فلا تصدّقوا. السياسة عابرة ومتحوّلة ومتنقّلة، ولكننا نحن باقون وقيمنا ثابتة. وهذا هو الأهم.
وكما أن رعيتكم راشكدّه هي متضامنة، وكانت فيها مهمّة تعيين لجنة الوقف سهلة جداً، أتمنى أن تكون كل رعايانا هكذا متضامنة.
الرب يبارككم ويبارك عائلاتكم لتمجّدوا إسمه القدوس وتشهدوا دوماً لحضور المسيح فيكم بشفاعة أمه وأمنا العذراء مريم، سيدة لبنان، التي نحتفل بعيدها اليوم. آمين.