عظة المطران خيرالله
في قداس الزيارة الرعائية لرعية مار ريشا- راشا
الأحد 7 تموز 2013
« لأن السالكين بحسب الجسد يرغبون في ما هو للجسد،
أما السالكون بحسب الروح يرغبون في ما هو للروح» (روما 8/5).
ابونا يوحنا (مراد) خادم هذه الرعية،
أحبائي جميعاً أبناء وبنات راشا.
بقلب كبير أنا معكم اليوم، مع أني أعرف أني تأخرت عليكم في هذه الزيارة الرعائية. لكن راشا لها مكانة خاصة في قلبي منذ زمن؛ منذ أن كنت كاهناً جديداً آتي مع الأخويات والطلائع والفرسان، ثم مع المخيمات الرسولية. وتركتْ رعية راشا الذكرى الطيبة في قلبي. وبالرغم من كل الأحداث التي مرّت علينا منذ 1977، لا زلتُ أرى أنكم متمسكون بإيمانكم وثقتكم بالله وأنكم تحبون كنيستكم ورعيتكم، وتحافظون على الثوابت التي سمحت لشعبنا وأبناء كنيستنا أن يبقوا صامدين في هذه الأرض المقدسة. لأن الدعوة إلى القداسة التي دعانا إليها الله في أبرشية القداسة والقديسين لا زلتم تسمعونها أنتم أيضاً اليوم وتحاولون أن تتجاوبوا معها، ولا زلتم تربّون أولادكم على القيم التي تربّيتم عليها.
ثوابتنا هي ثلاثة:
أولاً، إيماننا وثقتنا بالله. بقي إيماننا ثابتاً بالرغم من كل ما مرّ علينا من سلطنات وأمبراطوريات وممالك، احتلّت ودمّرت وقتلت ثم غادرت وانحلّت. أما نحن فبقينا ثابتين في إيماننا.
ثانياً، ارتباطنا بأرضنا وتعلّقنا بها. لأن هذه الأرض هي مقدسة، وهي ملكٌ لله. ليست ملكاً لنا مع أننا نحمل صكوكاً في ملكيتها. وجميع الذين سبقونا لم يأخذوا معهم شيئاً منها. لن نقدم صكوك عقارات لله، بل سنقدّم أعمالنا، وهي التي تديننا أمام الله. حبُّنا لأرضنا يجب أن يبقى في قلوبنا وقلوب أولادنا، حتى ولو ابتعدوا عنها وهاجروا. فارتباطهم بالأرض يبقى أولوية بالنسبة إليهم لأنها مزار لله.
ثالثاً، حبُّنا للعلم والثقافة. أجدادنا وآباؤنا ضحّوا بالكثير كي نتعلّم نحن، ونحن نضحّي في سبيل أن يتعلّم أولادنا، ويحصّلوا الشهادات ويحظوا بعمل مشرّف وكريم كي يعيشوا منه بكرامة ورأس مرفوع.
إنها الثوابت الثلاثة التي نحمل مسؤولية الحفاظ عليها.
وإذا كان أجدادكم اختاروا مار ريشا شفيعاً لهم، فلأن هدفهم كان أن يتشبّهوا به، هو الذي عاش ناسكاً متجرّداً عن العالم وعن كل ما فيه من ملذات. كان يعيش بحسب الروح لا بحسب الجسد. ويرغب في ما هو للروح؛ «لأن رغبة الجسد موت، أما رغبة الروح فحياة وسلام».
أما اليوم فأنتم مدعوون إلى التمسّك بثوابت كنيستنا وشعبنا، وإلى التشبّه بشفيعكم مار ريشا في التجرّد عن ملذات هذه الدنيا، وكل ما فيها هو زائل وفانٍ. أما نحن فنبقى للحياة الأبدية.
أقدّم هذا القداس على نيتكم جميعاً، على نية عائلاتكم، على نية شبابنا وصبايانا وأولادنا؛ إنهم ثمرة تعبكم وجهودكم وتضحياتكم الكبيرة، ويحفظون لكم الجميل.
ونحن في الكنيسة رعاة الشعب، أساقفة وكهنة ورهبان وراهبات، علينا أن نكون مثلاً صالحاً لكم في حياتنا، ونصلّي من أجل أن نكون على قدر هذه المسؤولية. والكنيسة تصلّي من أجل ذلك بقولها في صلاة الغفران: « ياربّ، إهدِ الرعا، قدّس الكهنة، نقِّ الشمامسة...».
صلاة الكنيسة هذه نردّدها كل يوم، لأننا جميعاً مدعوون إلى القداسة، طالبين من الله ن يقوّينا على القيام بالخدمة الموكلة إلينا.
أنا مطران الأبرشية أحتاج إلى صلواتكم. وكذلك الكهنة، وهم ثلاثون اليوم في أبرشيتنا ويضحّون ويبذلون ذواتهم في سبيل خدمتكم.
أبونا يوحنا يخدمكم منذ تسع سنوات بمحبة كبيرة، فهو يحبكم وأنتم تحبونه. والمحبة المتبادلة هي التي تبني الرعية. وجميعهم يحتاجون إلى صلواتكم ودعمكم.
وثقتي كبيرة بكم بقدر محبتي لكم.
ويهمني أن تنمو هذه الرعية وتكبر بأهلها وبأجيالها الطالعة.
أتمنى أن نجدّد اليوم التزامنا بخدمة رعيتنا، ولا نقول بعد اليوم: نحن رعية صغيرة. فالمهم ليس عددنا، بل حضورنا وشهادتنا وتضامننا لنبني الرعية. وجميعكم مستعدون لهذه الخدمة وأنا أعرفكم جيداً.
ومن ضمن برنامجي في هذه الأبرشية، أنا أعمل على التجدّد في الأشخاص والمؤسسات بعد الالتزام بالتجدد الروحي. لذا إني أريد منكم اقتراح أسماء ثلاثة أشخاص أو أربعة يعملون في لجنة وقف جديدة مع كاهن الرعية، اليوم الخوري يوحنا وغداً غيره لأننا نحن نتنقّل أما أنتم فباقون والرعية هي لكم وتحملون مسؤولية نموّها والعناية بها.
صلاتي إلى الله كي يبارككم ويعضدكم لتتضامنوا على بناء كنيسة البشر قبل بناء كنيسة الحجر وصالة الرعية.
ونذكر أيضاً في قداسنا موتى هذه الرعية الذين سبقونا إلى دار الحياة الأبدية وهم يشفعون بنا لدى الآب السماوي. آمين.