عظة المطران خيرالله
في قداس ليلة عيد مار الياس
عبدللي- الجمعة 19/7/2013
« وكل ما سمعنا أنك صنعته في كفرناحوم، إصنعه أيضاً هنا في وطنك» (لوقا 4/24).
حضرة الخوري أنطون نهرا، خادم هذه الرعية الحبيبة.
أحبائي أبناء وبنات عبدللي والمنطقة.
فرحتي كبيرة أن أكون معكم اليوم، لأحتفل لأول مرة بعيد مار الياس في عبدللي. وهي فرحة تدخل قلوبكم أيضاً، لأن علاقة الصداقة والمحبة التي تربطنا بعبدللي هي مميزة. لأنه بين مراح الزيات وجربتا، عبدللي هي في الوسط وهي الممرّ الإلزامي. فكنا نمرّ عليها في الذهاب والإياب ونسلّم على أهلها الذين كانوا يفتحون بيوتهم وقلوبهم لاستقبالنا.
نعيّد اليوم معاً مار الياس النبي، وهو من شفعاء عبدللي مع مار جرجس؛ وما يجمعنا هو رسالة النبي إيليا، الذي كان صوت الله على الأرض. وصوت الله هو صوت الحق. لذا لم يخَفْ إيليا من أحد، لا من الملك ولا من زوجته إيزابيل. باسم الله جاء ينبّه شعبه ويقول لهم: أنتم شعب الله ولكنكم بعيدون عن الله، وبعيدون عن الرسالة التي تسلّمتموها منه، رسالة الخلاص؛ لأنه من بينكم سيأتي المخلص ابن الله يسوع المسيح. وكان يردّد على مسامعهم: توبوا؛ عودوا عن خطاياكم. جدّدوا حياتكم واستحقوا النعمة التي أعطاكم إياها الله مجاناً، ولم يعطها لأي شعب في العالم. لكنكم تعيشون في الخطيئة وتعبدون الأصنام والمال والمصالح وتنكرون هذه النعمة.
لم يأخذوا بكلامه. فتركهم وذهب إلى الصحراء بائساً واعتكف. فكلّمه الله قائلاً له: لماذا يئست ؟ فأجاب: شعبك لا يريد أن يسمع صوت الحق. يريد أن يبقى غارقاً في الخطيئة. ما العمل ؟ فقال له الله: لا تخف يا إيليا. أنت النبي الذي اخترتك لكي تنقل شعبي من الخطيئة إلى النعمة وتردّه إلى الطريق الصحيح الذي رسمتُه لأهيّء مجيء إبني يسوع المسيح المخلص.
إرجع إلى شعبي ولا تخف الولاة والحكام وعبدة الأصنام، وكن الصوت الصارخ ينادي بالحق. فعاد إيليا ونجح في ردّ شعب الله إلى الطريق القويم. فآمنوا جميعهم أن الله هو وحده إلههم وأن لا إله لهم غيره.
وفيما نعيّد اليوم النبي إيليا، علينا أن نتطلّع إلى ما يقوله لنا السيد المسيح من خلال أنبياء العهد الجديد، أي رعاة الكنيسة. ونحن الرعاة لسنا سوى صوت الله، صوت الحق، لندعوكم جميعاً إلى تصحيح مسيرتكم نحو الخلاص وإلى التخلّي عن أمور هذه الدنيا وكل ما فيها. كلّها زائلة وفانية.
على ماذا نتناكف ؟ وعلى ماذا نتقاتل ؟ ولماذا هذه الحملات الإعلامية ضد بعضنا البعض ؟ نحن كلنا شعب الله الجديد بيسوع المسيح. ماذا نأخذ معنا من هذه الدنيا عندما نفارقها ؟ لا شيء. نأخذ فقط أعمالنا.
أنبياء الله يدعوننا اليوم، في الظروف التي نعيشها في رعايانا، في أبرشيتنا، أبرشية القداسة والقديسين، وفي وطننا لبنان الذي هو أرض الله ووقف له، إلى أن نتخلّى عن كل ملذات هذه الدنيا وما فيها. لا قيمة للعظمة والجاه والممتلكات والسلطنات؛ كلها زائلة. يبقى لنا فقط المحبة التي نعيشها مع بعضنا البعض، وهي عطية من الله مجانية لنا جميعاً بابنه يسوع المسيح الذي تنازل من ألوهيته وارتضى أن يموت على الصليب حبّاً بنا ليفتدينا.
تعالوا نوحّد قلوبنا ونتكاتف ونعود إلى الإرث العريق الذي تركه لنا آباؤنا وأجدادنا الذين ثبتوا في إيمانهم بالله بالرغم من كل الصعوبات والتحديات التي مرّت عليهم. بقوا متضامنين موحّدين. بنوا الكنائس قبل أن يبنوا بيوتهم. ربّوا أولادهم على القيم المسيحية والإنسانية. بنوا وطناً يليق بنا اليوم؛ بنوه معاً، مسلمون ومسيحيون، وطناً رسالة، رسالة محبة وانفتاح وسلام واحترام الإنسان وعيش واحد مشترك في الحرية والكرامة. تعالوا نعود إلى هذه الأصالة ونربّي أولادنا عليها.
مسؤوليتنا كبيرة أمام الله، وسيحاسبنا عليها يوماً قائلاً لنا: كيف ربّيتم أولادكم ؟ وأنتم تقولون: لا نستطيع أن نفهم أولادنا الذين أصبحوا في عالم آخر، عالم الأنترنت واللغة الجديدة.
أولادنا هم لنا؛ أولادنا هم أولاد الله ! يكفي أن نضحّي تجاههم، وأن نربّيهم بعرق الجبين. فيقدّرون تضحياتنا ويكونون رسل العهد الجديد، حاملين تاريخ كنيستهم وتراثها ورسالتها في المحبة والخدمة والإنفتاح.
بلدتكم عبدللي، مثل كل بلداتنا في هذه المنطقة التي أعطت قديسين، أعطت للكنيسة كهنة ورهباناً وراهبات وآباء وأمهات قديسين.
تشجعوا إذاً، لا تخافوا. تعالوا نضع كل إمكانياتنا في خدمة شبيبتنا وأجيالنا الطالعة. لا يكفي أن تقولوا: إنهم لا يحبون الكنيسة. هذا غير صحيح. إنهم يحبّون كنيستهم. لكنهم يسألونكم: أي شهادة تقدمون لنا ؟ أي مثل صالح تقدمون لنا ؟ أولادنا اليوم لا يقتنعون إلا بالشهادة الحيّة والصادقة. لا نستطيع أن نقول لهم: إذهبوا إلى الكنيسة؛ بل علينا أن نأتي معاً إلى الكنيسة.
فلنضع كل ما عندنا في الكنيسة وفي الوقف في خدمة شبيبتنا.
لقد عيّنت لجنة وقف جديدة تماشياً مع برنامج التجدّد الذي وضعته في الأبرشية وبدأت بتنفيذه في كل الرعايا. واللجنة هي لمدة ثلاث سنوات وفيها أشخاص يريدون أن يخدموا الكنيسة. ومن لم يكن دوره اليوم سيأتي دوره في المرحلة المقبلة. وشبابنا هم الكنيسة ومستقبلها. فلنخدمهم اليوم، ليخدموا هم بدورهم كنيستهم في ما بعد.
تعالوا نبني من جديد رعيتنا، رعية عبدللي، كما كل رعايانا في الأبرشية، بالروح المسيحية المتجدّدة، روح مار مارون ومار يوحنا مارون والنساك والقديسين.
قداسي اليوم أقدمه من أجل أبناء وبنات هذه الرعية، الحاضرين والغائبين والمنتشرين في العالم، كي يباركهم الله ويكون كل واحد منهم مثل إيليا النبي، صوت الحق في عالمه. وأقدمه أيضاً من أجل موتى هذه الرعية كي يكونوا شفعاء لنا فنعود إلى صوابنا ونلتزم ببناء كنيستنا ورعيتنا. آمين.