عظة المطران منير خيرالله
في قداس الزيارة الراعوية لبلدة عورا
الإثنين 5 آب 2013، ليلة عيد التجلّي
« حسن لنا أن نبقى هنا» (مرقس 9/5).
حضرة الخوري زياد (اسحق)، خادم هذه الرعية بمحبة،
أحبائي أبناء وبنات عورا،
بفرحة كبيرة أعيّد معكم اليوم تجلّي الرب، عيد هذه الرعية.
ولأن آباءكم، عندما بنوا هذه الكنيسة، اختاروا أن تكون كنيسة تجلّي الرب، فقد فهموا ما هو المعنى من هذا الإختيار. وذلك لأن من يأتي إلى عورا، ويصعد قمة هذا الجبل يشعر أنه يصعد مع يسوع كما صعد بطرس ويعقوب ويوحنا الذين اصطحبهم يسوع ليتجلّى أمامهم في مجده السماوي. ومن يأتي إلى عورا عليه أن يعيش الصعود إلى مجد السماء مع يسوع. إنها نعمة عظيمة منحكم إياها الله؛ وأنتم، في ما تقفون هنا، تنظرون إلى العالم من فوق وتشعرون في الوقت ذاته أنكم بعيدون عنه.
هذا ما حصل مع يسوع ورسله الثلاثة؛ أخذهم إلى جبل عالٍ وتجلّى بمرأى منهم ليظهر لهم طعم المجد السماوي الذي ينتظر كل مؤمن يريد أن يتبع يسوع.
رأى بطرس ويعقوب ويوحنا يسوع في مجده وثيابُه متلألئة بالبياض، وتراءى لهم موسى وإيليا، وهما شاهدان كبيران من العهد القديم لمسيرة شعب الله نحو الخلاص. وردّة فعل بطرس كانت أن قال: « رابّي، حسن لنا أن نبقى هنا»، وأن لا نعود إلى دنيانا وعالمنا، ولا إلى هموم كل يوم. ذلك لأننا هنا نشعر أننا نصعد إلى المجد.
فقال له يسوع: طعم المجد الذي ذقتموه يجب أن يبقى سرّاً إلى أن يتم الخلاص بموت وقيامة ابن الإنسان. « أوصاهم ألاّ يخبروا أحداً بما رأوا، إلى متى قام إبن الإنسان من بين الأموات». أما الآن عليكم أن تعودوا إلى حيث كنتم وأن تكونوا شهوداً للمجد الذي رأيتم في حياتكم اليومية، فتعملوا على تحقيق ملكوت الله بين البشر. وهكذا كان.
واليوم في ما نعيّد معكم، يا أبناء وبنات عورا، نشكر الرب على النعمة التي منحكم إياها، وهي أن تكونوا أبناء هذا الجبل. ولكن المهمّ أن تقدّروا هذه النعمة.
لا يكفي أن نبني الكنيسة، كنيسة الحجر. إذا كانت فارغة، فلمن تكون ؟ آباؤكم وأجدادكم تعبوا وضحّوا كي يبنوها. واليوم نتعب ولكننا لسنا قادرين أن نزيد حجراً عليها. ونقول: أيامنا صعبة، نحن فقراء؛ لا نستطيع أن نضحّي؛ أزمة إقتصادية وإجتماعية؛ وأزمة أخلاقية وأزمة قيم.
يا حرام ! هل كان آباؤنا أغنياء ؟ كلّا، وألف كلّا. لكنهم كانوا يقبلون التضحيات ويتضامنون ويقدمون كل شيء للرب. وكانوا مقتنعين. علينا اليوم أن نصعد مع يسوع إلى المجد السماوي؛ أن نسعى إلى أن يدخل هذا المجُد في كل كياننا ويتجلّى في حياتنا.
ماذا نطلب من هذه الدنيا ؟ وماذا نأخذ معنا منها ؟ نركض وراء ملذاتها ونقول إننا نتعب كي نربّي أولادنا ونعلّمهم ونطبّبهم ونؤمّن لهم مستقبلاً.
هذا صحيح وهذا هو المطلوب. لكن أحوالنا الإجتماعية والمادية هي اليوم أفضل بكثير مما كان عليه آباؤنا. إنما لا نرضى بحالنا، ولسنا مقتنعين بما نحن عليه.
وإذا اردنا أن يعيش أولادنا بحرية وكرامة، علينا أن نضحّي في سبيلهم؛ ولكن ماذا نقدم لهم ؟ كل شيء ؟ وكل ما يطلبون ؟ أين التزامنا بعيش إيماننا ؟ أين التزامنا بتربية أولادنا على القيم ؟ وأي قيم ؟ وإذا حاول أحدنا أن يعيش بموجب القيم التي تربّينا عليها في كنيستنا وفي شعبنا - وهي التضامن والتعاون، المحبة والتضحية، الحرية والكرامة، الصدق والإخلاص – يقولون عنه إنه متأخّر وبسيط ! وعلى ماذا نحن إذاً مسيحيون ؟ هل فقط بالإسم ؟ يسوع لا يريد مسيحيين بالإسم والهوية. بل يريد مسيحيين يلتزمون بعيشهم وبتربية أجيالنا الطالعة كما تربّينا نحن.
مسؤولياتنا كبيرة وصعبة. وأهم من مسؤولياتنا المادية، هناك المسؤوليات المعنوية في الحفاظ على القيم. لأننا نواجه في مجتمعنا ووطننا أزمة قيم. فمن يتحايل على القانون وعلى الدولة يقولون عنه إنه شاطر! ومن يكذب ويبرطل، يقولون عنه إنه ذكي! فلماذا لا نواجه هؤلاء بالحقيقة؛ وهل أصبحوا هم المثل ؟ هذا لا يجوز. وآباؤنا وأجدادنا الذين تقدسوا على هذه الأرض يقولون لنا: هذا لا يجوز.
لا تخافوا إذاً أن تشهدوا لمسيحيتكم، وأن تعلنوا أنكم مسيحيون. لكن أن تعلنوا ذلك بمحبة، وبانفتاح على كل إنسان ولخدمة كل إنسان.
لا تخافوا أن تربّوا أولادكم تربية مسيحية. وفي النهاية، كل أمور هذه الدنيا زائلة وفانية. ونحن الباقون. وما نأخذ معنا هي أعمالنا.
وعورا تشهد على ذلك. والبطريرك الياس الحويك هو الشاهد الأكبر، وهو على طريق القداسة، يقول لنا: لا تخافوا إذا كانت الأيام صعبة؛ بل خافوا إذا فقدتم إيمانكم، وإذا فقدتم القيم التي هي في أساس بناء الأوطان والمجتمعات والكنيسة. بل خافوا إذا تراجعتم عن مسؤولياتكم.
صلاتي وقداسي اليوم أقدمهما على نية هذه الرعية التي لها في قلبي مكانة خاصة ومحبة كبيرة؛ وذلك منذ أن كنت آتيكم في المخيمات الرسولية أو في نشاطات الأخويات.
وعلى نية أهلها، أطفالها وشبابها وصباياها وكبارها. على نية كل عائلة من عائلاتها كي تبقى الخميرة الصالحة. وعلى نية أبناء هذه الرعية المنتشرين في العالم كي يبقوا حاملين في قلوبهم تراث رعية عورا.
وبصلاتي أطلب من الله أن يجعلكم تتقدسون، كما تقدّس من سبقكم، وتشعرون دوماً أنكم معلّقون بين الأرض والسماء، كما المسيح المعلّق على الصليب، قبل الدخول في مجد القيامة.
أصلي من أجلكم جميعاً كي يكون كل واحد منكم رسول محبة ومصالحة، رسول تضامن وتضحية، رسول انفتاح واحترام الآخر، رسول حرية وكرامة. آمين.