عظة المطرن خيرالله في قداس الزيارة الراعوية لرعية سيدة الراس شناطا الفوقا 18-8-2013

عظة المطران منير خيرالله

في قداس الزيارة الراعوية لرعية سيدة الراس- شناطه الفوقا

الأحد 18/8/2013، كنيسة سيدة الراس

 

« أما مريم فقد اختارت لها النصيب الأفضل، ولن ينزع منها» (لوقا 10/42)

أبونا يوسف (صالح) خادم هذه الرعية الحبيبة،

حضرة رئيس البلدية والمختار،

أحبائي جميعاً أبناء وبنات شناطه ودير بلاّ.

        أبدأ أولاً بالتوجه إلى الصبية سيّدة مراد التي ألقت كلمة الترحيب باسمكم لأقول لها: سمعت كل كلمة تفوّهت بها باسم أهل رعيتك وسأعمل بها. وسمعت بنوع خاص نداءك باسم الصبايا والشباب من أجل « تطوير العلاقة بين الراعي والرعية وخلق تواصل مستمرّ لإيجاد آليات تعمل على بناء البشر بالتوازي مع بناء الحجر». وأعرف كم أنتم في حاجة إلى أن يكون الراعي قريباً منكم في الظروف الراهنة التي تمرّ علينا. وأعدكم بأن أكون بقربكم.

ثانياً، في تعليم يسوع في إنجيل اليوم لمرتا ومريم، لنا أمثولة لحياتنا.

بين يسوع ومرتا ومريم كانت علاقة صداقة ومودّة وعلاقة رسالة. يدخل يسوع إلى بيتهما كعادته. فراحت مرتا تهتم باستقبال يسوع والناس الذين كانوا يرافقونه، وتقوم بواجبات البيت وتكرّم يسوع والضيوف. هكذا كان تقليدهم كما هو تقليد شعبنا اليوم. بينما مريم جلست على قدمي يسوع تسمع كلامه. فقال يسوع لمرتا: « مرتا مرتا، انك تهتمين بأمور كثيرة وتضطربين إنما المطلوب واحد، أما مريم فقد اختارت لها النصيل الأفضل، ولن ينزع منها».

نحن نسمع اليوم كلام يسوع ونتساءل: هل إن مرتا مخطئة إذا اهتمّت بأمور البيت واستقبال الضيوف وتكريم الناس مع يسوع؟ هكذا يجب أن تفعل. ومريم التي لم تفعل شيئاً في البيت سوى أنها جلست تسمع كلام يسوع، هل كانت على حق ؟ كيف نفهم هذا الإنجيل، وبخاصة في سياق تقليد كنيستنا وشعبنا ؟ أين نحن بين مرتا ومريم ؟

إطمئنوا، يسوع يطلب أولاً أن نسمع كلامه وتعليمه ونحافظ عليه، وأن نكون في حالة إصغاء لصوته في حياتنا. ويطلب ثانياً أن نطبّق تعليمه في حياة كل يوم، وفي عيش المحبة بالخدمة. هكذا فعل يسوع ابن الله الذي تخلّى عن ألوهيته ليصير إنساناً مثلنا ليخدمنا. « أنا ما جئت لأُخدم بل لأَخدم». يعلّمنا الخدمة.

فلنتشبّه أولاً بمريم لنسمع كلام الرب يسوع؛ ولتنشبّه بمرتا لنخدم بمحبة وصمت. هكذا فعلت مريم العذراء التي سمعت كلام الله في بشارة الملاك جبرائيل ثم راحت تخدم نسيبتها أليصابات بمحبة وصمت.
نسمع اليوم كلام يسوع ونسمع أيضاً نداء أبناء هذه الرعية، وبخاصة شبيبتها. وهو نداء من القلب موجّه إلى راعي الأبرشية ولكنه موجّه أيضاً إليكم أنتم. يقول: نحن في حاجة إلى مساندة وتشجيع لنثبت في إيماننا وفي أرضنا وفي تحمّل مسؤولياتنا، لأننا نحن الشبيبة مستقبل الكنيسة والوطن. إنهم أولادنا وعلينا أن ندعمهم، أنتم وأنا، وجميعنا نكوّن الكنيسة، وكل عائلة من عائلاتنا هي الكنيسة. وعلينا أن نتحمّل معاً مسؤولية بناء المستقبل لكنيستنا ولوطننا.

أنا أفتخر بكم يا أبناء دير بلاّ وأنتم موزعون على ثلاث رعايا- مار جرجس وسيدة الراس ومار سابا. وأفتخر بكم يا أبناء رعية سيدة الراس، لأن عددكم قليل ولكن فعلكم كبير. من يستطيع أن ينجز مثلكم بناء هذه الكنيسة الكبيرة ؟ إنها من ثمار تعبكم وجهودكم ونشاطكم وتضامنكم ووحدتكم. قلبي يكبر بكم وبالتزامكم المسيحي والإنساني والإجتماعي، لأنكم لا تزالون تحافظون على تقليد الآباء والأجداد الذين ضحّوا وتعبوا في هذه الأرض الصخرية القاحلة وحوّلوها إلى جنات لنعتاش منها نحن بحرية وكرامة. هل ننساهم ؟ هل نستقيل من مسؤولية حمل هذا الإرث العظيم الذي تركوه لنا ؟ وإذا أردنا أن نتنكّر لهذا الإرث فهل نكسب شيئاً ؟ وإذا ربحنا مالاً وجاهاً وسلطة، فماذا يبقى لنا ؟

لا نستطيع أن نعيش ونثبت في أرضنا المقدسة إلا إذا حافظنا على تلك القيم التي ميّزت كنيستنا وشعبنا وعائلاتنا، والتي هي: الوحدة والتضامن، الحرية والكرامة، التضحية والعطاء والخدمة المجانية. وهذه كلها هي نتيجة المحبة التي نعيشها مع بعضنا البعض. عدا عن ذلك ماذا نأخذ معنا من هذه الدنيا عندما نغادرها ؟ آباؤنا وأجدادنا تعبوا وجاهدوا وزرعوا كي نحصد نحن. فهل نقبل بأن نتعب ونجاهد ونزرع كي يحصد أولادنا ؟ وهم بدورهم يزرعون كي يحصد أولادهم. هكذا تُبنى رعايانا وكنيستنا ووطننا لبنان، الوطن الرسالة بالمحبة والمصالحة والسلام والإنفتاح، بالحرية والكرامة والديمقراطية واحترام التعددية في العيش الواحد المشترك. هذا هو لبنان وسيبقى كذلك.

لا تخافوا ! إذا هبّت العواصف والأمواج فهي عابرة ونحن باقون. كم من مملكات وسلطنات وأمبراطوريات مرّت على أرضنا واحتلّت ودمّرت وقتلت؛ لكنها عبرت ونحن بقينا. لا تخافوا !

يا شبابنا وصبايانا وأطفالنا، لا يهمّ عددنا. بل المهمّ هو نوعية عيشنا ووجودنا. المهمّ هو قيمة تضامننا ووحدتنا ومحبتنا. لا نستطيع أن نستمرّ إلا إذا اجتمعنا حول هذه القيم. هكذا كان تاريخنا. وإذا كان حاضرنا مؤلماً، فلنقفز فوقه ونتعلّم من الماضي كي نبني المستقبل.

والكنيسة هي كفيلة بجمع أولادها. إنها الأم وتقف فوق كل المصالح، لأن لا مصلحة لها سوى خدمة أبنائها في المحبة. وهكذا نكمل بناء البشر في موازاة بناء الحجر.

فلنربّي أولادنا على تلك القيم وسيدة الراس تشفع بنا وبكم لتتكاتفوا وتسيروا معاً لتحقيق بناء الكنيسة وبناء مستقبل لأولادكم. آمين.