عظة المطران منير خيرالله
في قداس عيد مار سركيس وباخوس- شبطين
السبت 5 تشرين الأول 2013
« لستم أنتم المتكلمين، بل الروح القدس هو المتكلم فيكم».
أخي الخوري جورج (طنوس) خادم هذه الرعية الحبيبة،
أحبائي أبناء وبنات شبطين.
أعزائي أعضاء لجنة الوقف السابقة، أنتم الذين خدمتم لسنوات بتجرّد وعطاء رعيتكم، وأذكر معكم بنوع خاص المهندس بيار نجم الذي غادرنا باكراً وهو اليوم يصلي معنا من السماء.
لأول مرة أحتفل في شبطين بعيد مار سركيس وباخوس، بعد ست وثلاثين سنة من خدمتي الكهنوتية التي كنت فيها قريباً من شبطين.
أحتفل بالقداس في هذا الدير، المكان الذي يحمل تاريخاً عريقاً، تاريخ مئات السنوات وتاريخ آبائنا وأجدادنا الذين ضحّوا وثبتوا في إيمانهم وثقتهم بالرب يسوع المسيح، وفي رجائهم بالحياة الأبدية.
هذا التاريخ، وهذه السنديانات العتيقة، يدعوننا إلى أن نخشع أمام الله ونقدم ذواتنا ونفتح قلوبنا ونوطّد علاقتنا مع الله؛ العلاقة الروحية، علاقة المحبة، وعلاقة الإيمان والثقة.
عيد مار سركيس وباخوس يدعونا اليوم إلى أن نعود إلى ذواتنا ونقف أمام تاريخنا، وأمام شهدائنا، لنأخذ منهم قوة لنتجدّد ونبني التضامن في ما بيننا، ونبني وحدة كنيستنا ورعايانا وعائلاتنا وشعبنا ووطننا لبنان.
مار سركيس وباخوس، شفيعا هذا الدير الذي أراده آباؤنا وأجدادنا، كانا قائدين في الجيش الروماني في القرون الأولى للمسيحية، يوم كانت الامبراطورية الرومانية تحكم الشرق والغرب. تعرّفا على المسيح، وقدّما ذاتهما له، وصارا مسيحيين، وتبنّيا الإيمان الجديد وقبلا بالشهادة والاستشهاد في سبيل هذا الإيمان.
لما عرف بهما الوالي، طلب منهما أن ينكرا إيمانهما المسيحي ويعودا إلى ديانتهما الوثنية. رفضا ذلك وراحا يردّدان: ليس لنا ملكاً سوى يسوع المسيح الذي ارتضى أن يموت على الصليب ليفتدينا جميعاً ويعطينا الحياة. فأمر الوالي بأن يحكم عليهما بالموت. وارتضيا أن يبذلا حياتهما في سبيل كنيسة المسيح ويستشهدا. وصارا شفيعين للكثير من أديارنا وكنائسنا في أرضنا المقدسة.
وفي ما نعيّد لهما اليوم، نطلب شفاعتهما لنكبر في إيماننا ونسمع من جديد تعليم يسوع الذي يردّد علينا كما قال لرسله وتلاميذه: لا تخافوا ! ستواجهون صعوبات وتحديات واضطهادات، لكن لا تخافوا ! سيسلمونكم إلى الولاة والمحاكم؛ فلا تهتموا في تلك الساعة بماذا تقولون. « فلستم أنتم المتكلمين، بل الروح القدس هو المتكلم فيكم». أثبتوا في إيمانكم.
وهكذا ثبت أجدادنا وآباؤنا في إيمانهم. وبفضل دم الشهداء ثبتت الكنيسة، ويثبت شعب الله. بفضلهم نحن اليوم هنا موجودن ونعلن إيماننا بحرية. وبالرغم من كل ما مرّ علينا من محن خلال مئات السنوات، لا زلنا نعلن إيماننا بالمسيح.
والمسيح يقول لنا اليوم: لا تخافوا ! ومن يصبر إلى المنتهى يخلص.
نحن صابرون على الألم، وعلى الحروب، وعلى الاضطهادات، وعلى البغض والحقد اللذين تزرعهما يد الشر في قلوب البعض منا وفي عائلاتنا. نحن نرفض كل ما يبعدنا عن السيد المسيح، وكل ما يفرّقنا ويكون سبباً لشرذمتنا.
نريد أن نبقى ثابتين في تضامننا ووحدتنا. كنيسة المسيح على اسم مارون كانت وبقيت موحدة حول رأسها الواحد البطريرك منذ مار يوحنا مارون حتى البطريرك السابع والسبعين مار بشاره بطرس الراعي، وستبقى حتى جميع الذين سيأتون من بعدهم.
نريد أن نحمل رسالة كنيستنا في الشرق وفي الغرب بفضل التزام جميع المؤمنين وليس فقط البطريرك والأساقفة والكهنة والرهبان والراهبات. بفضل كل واحد منا وكل عائلة من عائلاتنا ستبقى كنيستنا ثابتة في رسالتها، وفي انفتاحها على الجميع، وفي المحبة والتضامن.
لا تخافوا ! يقول لنا المسيح. أنا غلبت العالم.
ونحن أقوياء، لأن لنا آباءً وأجداداً قديسين وشهداء عظام يثبتون في إيماننا. نحن أقوياء بعائلاتنا التي ربّت على القيم المسيحية والإنسانية. نحن أقوياء، لأن عندنا مؤمنين يعلنون بحرية ورأس مرفوع إيمانهم بالرب يسوع.
نتطلع اليوم إلى مستقبلنا البعيد، وليس فقط القريب، ونقول لبعضنا البعض: نريد أن نبقى هنا، يداً واحدة وقلباً واحداً، لنعيش معاً المحبة والإحترام لتعدّديتنا، والانفتاح على بعضنا البعض. وأمور هذه الدنيا لا تهمّنا لأنها عابرة وفانية. وما ينتظرنا من مجد في الملكوت هو أكبر وأهم بكثير من الآلام والمحن التي تمرّ علينا في هذه الدنيا.
أقدّم قداسي اليوم على نيتكم جميعاً، أنتم أبناء هذه الرعية، وجميع عائلاتها، الحاضرين والغائبين والمنتشرين في العالم. وجميعهم يذكروننا ويعيّدون معنا مار سركيس وباخوس كما يعيّدون مار إدنا. ونقدّم أولادنا وشبابنا وصبايانا إلى الرب على المذبح ونقول لهم: لا تخافوا ! إشهدوا لإيمانكم وكونوا رسل المحبة والسلام. آمين