عظة المطران خيرالله في قداس ليلة عيد مار اسطفان- البترون 26-12-2013

عظة المطران منير خيرالله

في قداس ليلة عيد مار اسطفان

الخميس 26/12/2013، في كاتدرائية مار اسطفان- البترون

 

« يا رب، لا تحسُبْ عليهم هذه الخطيئة» (أعمال 7/60).

إخوتي الكهنة،

إخوتي إكليريكيي أبرشية البترون كهنة الغد،

معالي وزير الطاقة والمياه الأستاذ جبران باسيل، 

رئيس بلدية البترون السيد مرسيلينو الحرك،

أحبائي جميعاً أبناء وبنات البترون وأصدقاءنا الحاضرين معنا.

 

        نعيّد معاً اليوم وبرجاء كبير، في خضمّ المحنة التي نعيشها في لبنان وتعيشها شعوبنا في بلدان الشرق الأوسط، القديس اسطفانوس نبيَّ كنيسةِ المسيح وشهيدَها الأول؛ هو الذي ارتضى أن يبذل ذاته كالمسيح في سبيل أن يصل صوتُ الله الى ضمائر المسؤولين وأن تكون الشهادة أمثولةً للغفران والمسامحة.

يخبرنا لوقا في كتاب أعمال الرسل عن اسطفانوس وعن دوره ورسالته في حمل بشارة الخلاص الى الأقربين والأبعدين بجرأة وبراءة. يقول:

« وكان اسطفانوس، وقد امتلأ من النعمة والقوة، يأتي بأعاجيب وآيات مُبينة في الشعب... فقام أناس يجادلونه على إيمانه، فلم يستطيعوا أن يقاوموا ما في كلامه من الحكمة والروح. فقبضوا عليه وساقوه إلى المجلس. ودسّوا أناساً يلّفقون كلاماً عليه وأحضروا شهود زور... فحدّق إليه جميع من كان في المجلس من أعضاء، فرأوا وجهه وكأنه وجه ملاك».

لماذا ؟ لأن اسطفانوس كان ممتلئاً من الروح القدس وكان يشهد للحقّ، والمسيح هو الحقّ؛ « فراح يعظ» ويبشّر ويخبر بأن ابن الله يسوع الذي وُلد إنساناً بالروح القدس ومن مريم العذراء هو المسيح المخلّص المنتظر، وهو الذي ارتضى أن يموت على الصليب لكي يفتدي جميع البشر بموته وقيامته. وراح يكلّم أبناء شعب الله ويذكّرهم بتاريخ آبائهم بدءاً من إبراهيم الى إسحق ويعقوب مروراً بمجد مصر مع يوسف أيام الفرعون ثم بالعبودية، الى موسى الذي تراءى له الله في علّيقة مشتعلة، فسأله من أنت. فقال له: « أنا إله آبائك إبراهيم واسحق ويعقوب... إخلع نعليك من رجليك، فإن المكان الذي أنت قائم عليه أرض مقدسة ! إني نظرتُ فرأيتُ شقاء شعبي في مصر، وسمعتُ أنينه، فنزلتُ لأنقذه». الى داود الذي ثبّت المُلكَ فسليمان الذي بنى لله هيكلاً من أرز لبنان.

لكن الشعب لم يثبت في إيمانه بالله بالرغم من أنه عاد الى المنفى في بابل.

فراح اسطفانوس يوّبخهم قائلا: « يا غلاظ الرقاب، ويا قساةَ القلوب، ويا صامّي الآذان، إنكم تقاومون الروح القدس دائماً وأبداً».

« فاستشاطت قلوبهم غضباً... ودفعوه الى خارج المدينة وأخذوا يرجمونه... بينما كان هو يدعو ويقول: ربّي يسوع تقبّل روحي! ثم جثا وصاح بأعلى صوته: يا ربّ لا تحسُبْ عليهم هذه الخطيئة!». ويتابع لوقا قائلاً: « في ذلك اليوم وقع اضطهاد شديد على الكنيسة التي في أورشليم، فتشتّتوا جميعاً في ناحيتي اليهودية والسامرة ».

هكذا شهد اسطفانوس في بداية مسيرة الكنيسة، وشهد بعده الكثيرون مثله على مدى ألفي سنة. لكن كنيسة المسيح نَمَت وانتشرت في كل أنحاء العالم وثبتت في الأرض التي باركها المسيح ورسله في فلسطين ومصر وسوريا والأردن والعراق وتركيا ولبنان، بالرغم من الاضطهادات الشديدة والحروب القاتلة.

وذلك بفضل العديدين مثل اسطفانوس من أنبياءَ وشهود وشهداء. ولا تزال كنيسة المسيح في بلداننا تعاني اليوم من حروب مصالح الأباطرة وسلاطين هذا العالم، ولا تزال شعوبنا تدفع الثمن غالياً موتاً واضطهاداً وظلماً وتهجيراً وإذلالاً.

فنتساءل: أين نحن اليوم من شهادتنا للحق، ومن جرأتنا على رفع الصوت والدفاع عن الحرية وكرامة الإنسان ؟ وأين هم المسؤولون في العالم وفي بلداننا من سماع صوت شعوبهم تئنّ تحت وطأة الحروب العبثية والدمار والتهجير والفقر والحرمان؟ ومن سماع صوت الله يقول: إني نظرتُ فرأيت دمار أرضي وشقاء شعبي، وسمعتُ أنينه، فنزلتُ لأنقذه.

أن اسطفانوس يعود إلينا اليوم، بلسان الكثيرين من أنبيائنا وشهود الحق بيننا، وعلى رأسهم قداسة البابا فرنسيس وصاحب الغبطة والنيافة مار بشاره بطرس الراعي، ليتوجه الى المسؤولين في العالم وفي بلداننا الشرق أوسطية وفي وطننا لبنان، الوطن الرسالة في المحبة والحرية والسلام واحترام الإنسان وتعدّدية الأديان والطوائف والثقافات، ليوّبخهم ثم يعطيهم أمثولة في الغفران والمسامحة.

يحضر ليوّبخهم أولاً ويقول لهم: يا غلاظ الرقاب، ويا قساة القلوب، ويا صامّي الآذان عن صراخ شعوبكم ومعاناتها ! أنكم تتحصّنون وراء الشرائع والدساتير ولا تحترمونها ! إنكم تقاومون عمل الروح في شعوبكم التي تطالب بأن تعرف الحق ليحرّرها الحق فتعيش بكرامة وتقرر مصيرها بيدها. إن الأرض التي أنتم قائمون عليها هي أرض مقدسة فلا تدنّسوها بحروب مصالحكم. والشعوب التي أنتم مؤتمنون عليها هي شعوب اخترتُها أنا لتكون مثالاً في الحوار والتلاقي والعيش الواحد بحسب القيم التي خلقتُ الإنسان على أساسها، أي المحبة والتضحية وبذل الذات واحترام الإنسان.

واسطفانوس يحضر ثانياً علينا جميعاً ليعلّمنا الغفران والمسامحة. ويقول معنا: يا رب لا تحسب عليهم هذه الخطيئة ! وكم نحن في حاجة اليوم الى مصالحة وغفران والى مسامحة حقيقية فنعرف نحن أولاً المسيحيين أن نغفر وأن نسامح بعضنا بعضاً ثم أن نسامح من يضطهدنا؛ فالشهداء هم خميرة الكنيسة. هل نحن قادرون إذاً أن نتخذ من القديس اسطفانوس ومن السيد المسيح قبله أمثولةً لكي نقبل التضحية والشهادة والاستشهاد في سبيل أن تبقى كنيسة المسيح حاملةً دورها على أرضه في عمل الفداء ورسالتها في جمع أبناء الله إلى أي جنسٍ أو دين أو حضارة انتموا.

هذه هي أمنيتنا جميعاً في عيد شفيعنا مار اسطفان وهذا هو رجاؤنا. آمين.

Photo Gallery