عظة المطران خيرالله في قداس الدنح- الغطاس منتصف الليل- البترون 5-1-2014

عظة المطران منير خيرالله

قداس الدنح- الغطاس منتصف الليل

كاتدارئية مار اسطفان- البترون 5-1-2014

 

« واعتمد يسوع أيضاً، وكان يصلّي، وانفتحت السماوات» (لوقا 3/21) 

نحتفل اليوم بعيد الدنح، عيد إعلان سر لاهوت يسوع المسيح. العيد الذي ينكشف فيه سر الله للبشر. دعونا نعتبر معاً أن مفتاح تأملنا في سر الله هو ما سمعناه في إنجيل لوقا: « وانفتحت السماوات» انفتحت السماوات بعد أن كانت مغلقة؛ وكانت العلاقة مقطوعة بين السماء والارض، بين الله والانسان؛ مع ان الله خلق الانسان من فيض حبه، خلقه منذ البدء وعلى صورته كمثاله. لكن الخطيئة أقفلت السماوات فانقطعت العلاقة بين الانسان والإله الحب. السر الذي ينكشف عشية هذا العيد هو سر الله الذي، دخل في التاريخ والجغرافيا في أرضنا وفي شعبنا وولد إنساناً بيننا، وتبنى إنسانيتنا بكل ما فيها. وبعد 30 سنة عندما جاء ليعتمد على يد يوحنا المعمدان وكان يصلي، انفتحت السماوات وعاد الله يكلم الإنسان مباشرة بابنه يسوع المسيح وهو يعتمد. نسمع صوت الآب ونرى الابن وهو يلبس البشرية كلها ويحملها بعد ولادته إنساناً، يحملها اليوم معه باعتماده وهو الذي ليس في حاجة لأن يتعمد، فيرفعها من جديد الى السماء التي انفتحت ومعها انفتحت الطريق أمام البشرية باعلان يسوع المسيح، الإله، في الثالوث بين الآب والروح، وهو الاله الذي سيرفع كل الانسانية من جديد الى الألوهة. هذا هو سر الله الذي كشفه الابن يسوع المسيح.

المهم أن نفهم نحن، أن يوحنا المعمدان جاء ليهيء مجيء يسوع المسيح، الابن الاله الذي سيصير انسانا ويخلص البشر بعد أن أعلن سر الله، يخلصهم بموته على الصليب وبقيامته. جاء يوحنا ليقول للبشر وللشعب الذي كان ينتظر مجيء المخلص: أنا اعمدكم بالماء لمغفرة الخطايا. لكن هذه المعمودية غير كافية؛ وأنتم عليكم أن تتوبوا، ربنا يغفر لكم لأنه محبة مطلقة، لكن الذي سيأتي من بعدي وهو أقوى مني هو يعمدكم بالروح القدس والنار. هو الذي سيعود ، بالروح القدس، يفتح لكم أبواب السماء ويطهركم بنار المحبة، النار التي ستكوي الخطيئة التي فيكم، الخطيئة التي استعبدتكم، والتي اقفلت السماء أمامكم، النار ستكوي قلوبكم وتطهركم من الخطيئة وتخلقكم من جديد.

لسوء الحظ الشعب الذي ولد فيه المسيح والأرض التي ولد فيها أيضاً، لم يقدّروا قيمته يومها ولم يسمعوا له ولم يكتشفوا سرّه ولم يقبلوا أن يقتنعوا أنه هو الإله الذي سيموت على الصليب فتعبر البشرية كلها معه بالموت لتدخل مجد القيامة. لم يفهموا هذا السر، ولم يفهموا بعده المعمودية هل سنفهم نحن اليوم سر الله الذي انكشف لنا مرة واحدة ؟ هل سنفهم سر المعمودية ؟ لأننا يوم تعمدنا بالمسيح دخلنا معه بالماء وغطسنا بالماء وغطسنا إلى الاعماق حتى نتطهر من كل خطايانا ونخرج مطهرين ننظر الى السماء لأن أبواب السماء فتحت لأجلنا.

نحن اليوم، إذا أردنا أن نعيش في هذه النعمة التي أعطانا إياها يسوع المسيح الابن بولادته أولاً وبمعموديته ثانيا حيث كشف لنا سر الله، وبموته وقيامته ثالثاً، علينا أن نغير حياتنا، فنخرج من خوفنا ومن يأسنا ونتخطى كل الظروف التي نعيشها بالرغم من صعوباتها وتحدياتها، وبالرغم من كل المشاهد القاتمة التي تلف حياتنا، علينا أن نقول لا. أبواب السماء فتحت أمامنا وأصبحنا أقوى من الخطيئة وأقوى من الموت بيسوع المسيح، وما من شيء سينتصر علينا أو يسيطر علينا بعد اليوم. نحن أقوياء بإيماننا وثقتنا بيسوع المسيح إلهنا ومخلصنا. السماء انفتحت مرة بيسوع المسيح ولا تزال مفتوحة بالرغم من أن الخطيئة لا تزال موجودة وأن الشر ما زال يفعل فعله  لكن الروح القدس هو أقوى منه، والروح القدس يفعل فينا. لكن هل نحن نشعر بعمل الروح فينا ؟ هل نعيش بلا مبالاة بالرغم من توبيخ الأنبياء لنا. وأنبياؤنا كثر في هذه الأيام كما دائما ؟ هل سنعيش بلا مبالاة كما عاش شعب الله سابقا ؟ حيث لم يفهموا ولم يريدوا أن يفهموا ولا حتى أن يدخلوا مع المسيح بسر الله. كل هذا العنف والشر الذي يتفجر اليوم والانفجارات في لبنان وفي كل بلدان الشرق الأوسط، الأرض التي تبناها يسوع المسيح بتاريخها وبجغرافيتها، هل سيخيفنا كل هذا؟ السماوات انفتحت كي تقفل من جديد. وكل الذين يدفعون دماءهم وحياتهم ثمناً للدخول في السماء، هؤلاء ثمنهم غالي ولا يذهب سدىً. وعلينا أن لا ننسى أن الكنيسة خلال ألفي سنة كانت تعيش بشهادة الشهداء ولا يمكن أن تتغير اليوم.

لا تخافوا، المسيح ملك السلام وهو زرع السلام في قلوبنا، كما زرع فيها محبة الله، وانتشلنا من الخطيئة ورفعنا الى مجد الآب السماوي. فلا تخافوا ! نحن أقوياء. المهم أن نقصد أن نولد من جديد مع المسيح. هذا معنى المعمودية الثانية. وهذا هو معنى سر الدنح أو الغطاس أوالعماد أوسرّ ظهور الله بيننا كانسان وكإله. نحن اليوم وكل يوم علينا أن نجدد إيماننا والتزامنا وعيشنا بقلب واحد وروح واحدة وبقوة روح الله، الروح القدس، الذي يعمل فينا كي نستحق أن نكون شعب الله الجديد، فنقبل أن نتوب. وربنا يغفر لنا ويطهّرنا ويضعنا الى جانبه، لأنه فتح السماوات لكي ندخل، وكل بدوره، وهناك الذين سبقونا ينتظروننا ونحن اللاحقون؛ لكن كنيسة المسيح ستبقى على أرض المسيح شاهدة لحضور المسيح الدائم. آمين.

Photo Gallery