عظة المطران منير خيرالله بمناسبة اليوم العالمي الثاني والعشرين للمريض عبرين 1-2-2014

عظة المطران منير خيرالله

في قداس اليوم العالمي الثاني والعشرين للمريض

السبت أول شباط 2014، في كنيسة مار شربل- عبرين

 

« علينا نحن أيضاً أن نبذل أنفسنا في سبيل إخوتنا» (1 يوحنا 3/16).

 

إخوتي الكهنة، أخواتي الراهبات،

حضرة رئيس وأعضاء لجنة راعوية الخدمات الصحية في أبرشية البترون،

أحباءنا العاملين في حقل الرعاية الصحية، وأصحاب الإرادات الطيّبة،

        نحتفل اليوم، مع لجنة راعوية الخدمات الصحية في أبرشية البترون باليوم العالمي الثاني والعشرين للمريض. اليوم الذي أطلقه الطوباوي البابا يوحنا بولس الثاني سنة 1992، على أن يُحتفل به في الحادي عشر من شباط من كل سنة، ذكرى ظهور العذراء مريم في لورد ودعوتها لجميع المؤمنين لكي يثبتوا في إيمانهم بابنها يسوع المسيح المخلّص الوحيد. وقال عنه « إنه اليوم المميز بالنسبة إلى المرضى وإلى العاملين في الرعاية الصحية وإلى المؤمنين المسيحيين وجميع ذوي الإرادات الخيّرة. يوم مميز للصلاة وللمشاركة في تقديم آلامنا من أجل خير الكنيسة. وهو دعوة لنا جميعاً لنكتشف في ملامح إخوتنا وأخواتنا المتألمين وجه المسيح الإلهي الذي حقّق خلاص الإنسانية من خلال آلامه وموته وقيامته». (رسالة إنشاء اليوم العالمي للمريض، 13 أيار 1992، عدد 3).

ونحتفل به هذه السنة، للمرة الأولى، مع قداسة البابا فرنسيس الذي اختار له موضوع « الإيمان والمحبة»، ووضعه تحت شعار أخذه من القديس يوحنا في رسالته الأولى: « علينا نحن أيضاً أن نبذل أنفسنا في سبيل إخوتنا».

والبابا فرنسيس الذي أراد منذ تولّيه خلافة بطرس على كرسي روما أن يصلّي « من أجل أن يصبح العالم كلُه أخوّةً كبرى»، اختار طريق الأخوّة والمحبة والثقة.

وقال « إن السلطان الحقيقي هو الخدمة، وأن البابا، كي يمارس هذا السلطان، يجب أن يدخل في هذه الخدمة التي تجد قمّتها المضيئة في الصليب. وأن يتطلّع في هذه الخدمة إلى البشرية كلها، وبخاصة الفقراء والضعفاء والصغار الذين يتكلم عنهم متى في إنجيل الدينونة الأخيرة».

وفي رسالته لمناسبة اليوم العالمي للسلام يدعو البابا فرنسيس من جديد إلى « الأخوّة التي هي الأساس والطريق إلى السلام». « وجذور الأخوّة تكمن في أبوّة الله» لأننا جميعنا « إخوة بيسوع المسيح». « والصليب هو المكان النهائي لتأسيس الأخوّة التي لا يمكن للبشر أن يولدوها بأنفسهم».

وفي رسالته لمناسبة اليوم العالمي للمريض، يشدّد على المحبة التي تبذل ذاتها وتجد قمّتها في الصليب الذي يضيء عَتمة عالمنا. ويتوجّه « بشكل خاص إلى الأشخاص المرضى وإلى جميع الذين يُسعفونهم ويعتنون بهم». ويقول للمرضى: « إن الكنيسة ترى فيكم حضوراً خاصاً للمسيح المتألم». المسيح ابن الله الذي ارتضى أن يتبنّى البشرية ويحملها في خطاياها وضعفها وآلامها حتى الصليب، حتى الموت على الصليب، أظهر لنا سرّ حب الله المطلق واللامتناهي. « فكما أن الآب أعطى ابنه عن حبّ، وكما أن الإبن وهب ذاته بالحب ذاته نستطيع نحن أيضاً أن نحبّ الاخرين كما الله آحبّنا، فنبذل أنفسنا من أجل إخوتنا... والإيمان بالمصلوب يصبح قوّة حب إلى النهاية».

« نحن مدعوون، يقول البابا فرنسيس، لأن نقتدي بالمسيح، السامريّ الصالح لجميع الذين يتألمون». ويقول مع يوحنا: « بهذا عرفنا الحبّ بأن ذاك قد بذل نفسه في سبيلنا. فعلينا نحن أيضاً أن نبذل أنفسنا في سبيل إخوتنا».

ولا ينسى أن يلفت انتباهنا إلى أن لنا مثالاً وقدوةً، هي « مريم أم يسوع وأمنا التي تتنبّه دوماً إلى حالات أولادها وصعوباتهم». مريم التي، منذ أن بشرها الملاك، أسرعت من الجليل إلى اليهودية لتخدم نسيبتها أليصابات. وهي التي قال لها سمعان الشيخ: سينفذ سيف في نفسك. وهي الحاضرة في عرس قانا الجليل تتوسل إلى ابنها فيحوّل الماء خمراً. وهي الواقفة بقوة ورجاء عند أقدام الصليب مع يوحنا. وهي « أم المصلوب القائم من الموت».

أحبائي، إخوتي وأخواتي في أبرشية البترون، نحن مدعوون إلى سماع نداء قداسة البابا فرنسيس إلى تأسيس الأخوّة في ما بيننا على صليب المسيح الذي هو قمّة محبّة الله الآب لنا بذبيحة ابنه يسوع.

وفي ما تدخل أبرشيتنا في مسيرة المجمع الأبرشي، نحن مدعوون إلى التجدّد في خدمة المحبة التي تأخذ حيّزاً هاماً في أعمال المجمع نظراً إلى ما توليه الكنيسة من أهمية للشأن الإجتماعي.

إني أتوجه باسمكم إلى العاملين في حقل الرعاية الصحية في نطاق أبرشية البترون- في مستشفى البترون ومستشفى تنورين وفي المستوصفات والمراكز الطبية ودور الراحة، والمسؤولين عن التنشئة في معهد التمريض في جامعة العائلة المقدسة في البترون- لأشكر الله عن الخدمات الجُلّى التي يقدمونها بفرح وسخاء لأبناء أبرشيتنا ومنطقتنا، ولأصلي من أجلهم طالباً من الله أن يبارك خدمتهم في مرافقة إخوتنا المرضى والمتألمين. وأتوجه إلى إخوتي وأخواتي المرضى والمتألمين لأقول لهم: تطلّعوا إلى أمنا مريم، وإلى ابنة أرضنا القديسة رفقا، رسولة الألم، التي طلبت من يسوع أن تشاركه آلامه فتقدمها من أجل خلاص شعبها الذي كان يرزح تحت نير الحروب والإحتلالات والظلم في النصف الثاني من القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين. إقبلوا أن تحملوا اليوم الصليب مع يسوع وأن ترافقوه على درب الجلجلة، لكيما، إذا ارتفعتم معه على الصليب، تقدمون آلامكم كفارةً عن خطايا كبيرة تُرتكب اليوم بحق شعبنا ووطننا لبنان، وبحق شعوبنا وبلداننا في الشرق الوسط، هذه الأرض التي اختارها ابن الله ليتجسّد فيها ويموت فيها ويقدّسها بذبيحة الحبّ المطلق.

تعالوا نصلّي جميعاً إلى الله، بشفاعة العذراء مريم وجميع قديسينا، وبآلام مرضانا والمعذبين والمهجّرين، طالبين أن يُبعد عنا هذه الكأس فنعمل معاً على تأسيس أخوّة شاملة تكون طريقنا إلى السلام الحقيقي والدائم. آمين.   

Photo Gallery