عظة المطران منير خيرالله
في رسامة الخوري جورج واكيم
السبت 8 أيلول 2012، في كنيسة مار شربل عبرين
أصحاب السيادة السامي احترامهم
إخوتي الكهنة الأجلاء
أخواتي الراهبات
أحبائي أبناء وبنات عبرين وأبرشية البترون
أصدقاءنا من كل مكان
أيها العزيز الشماس جورج.
بفرح كبير أحتفل معكم اليوم في هذه الرعية الحبيبة عبرين برسامة أول كاهن في خدمتي الأسقفية على أبرشية البترون. وأحيّي سلفي وأبي سيادة المطران بولس آميل سعاده الذي تعب وجاهد طيلة ست وعشرين سنة في خدمة هذه الأبرشية، والذي رافقني وكنت نائبه العام، ورافق الشماس جورج طيلة سنوات تنشئته. كما أحيّي الذين رافقوه في تنشئته في الإكليريكية البطريركية في غزير وإكليريكية مار أغسطينوس كفرا. وأحيّي زوجته رُلى وأهله.
إني أتهيّب الموقف، وبخاصة لأن رعية عبرين عوّدتنا في مسيرة تاريخها الكنسي أن تكون كريمة في عطاءاتها لخدمة شعب الله في الدعوات الكهنوتية والرهبانية وأيضاً في الخدمة الأسقفية (المثلث الرحمة المطران الياس شاهين والمطران يوسف ضرغام).
وعبرين تُقدّمك اليوم، أيها العزيز جورج، لخدمة شعب الله في أبرشية البترون، أرض القداسة والقديسين، وتحملك في صلواتها كي تدخل في سلسلة الكهنة الذين سبقوك وتعيش بوفاءٍ روحانية كهنوتك وتلتزم بإخلاص ما تتطلبه خدمتُك الكهنوتية.
والكهنوت في مفهوم كنيستنا الأنطاكية السريانية المارونية، كما تعلّم طقوسنا وكتبنا الليتورجية ومجامعنا وأخيراً المجمع البطريركي الماروني، «ينطلق من يسوع المسيح إلهنا الذي هو مصدر الكهنوت الأوحد ومبدؤه». (المجمع البطريركي النص السابع، عدد 3). «إنه الكهنوت الذي بدأه المسيح الإبن قبل الدهور وتمّمه بتجسّده وموته على الصليب، مكمّلاً بذلك كهنوت العهد القديم، ولا يزال يواصله وهو عن يمين الآب حيث هو جالس يشفع لنا على الدوام. إنه الكهنوت المسيحاني الذي يصبح بالمسيح تقدمة قربان أو إفخارستيا حيث المسيح ابن الله، الذي صار إنساناً، يقدم ذاته الإنسانية بكاملها قرباناً لأبيه وفداءً عن البشر لخلاصهم. وهو الكهنوت عينُه الذي وكَلَه المسيح إلى كنيسته بقوة الروح القدس، وهو يستمرّ في الكنيسة عبر الرسل وخلفائهم الأساقفة الذين يمنحونه لمن هم أهلٌ ليقوموا بخدمة الثالوث بالنقاوة ويتفرّغوا لها كل أيام حياتهم» (عدد 5).
إني سأمنحك بعد لحظات، أيها الشماس جورج، بفعل موهبة الروح القدس التي ستنالها مني أنا خليفة الرسل وبوضع يديّ الحقيرتين، سرّ الكهنوت وأسلّمك الخدمة الكهنوتية لتخدم في القسوسية في رعايا قطاع سمارجبيل بالتعاون مع الخوري إيلي سعاده. وإنك بذلك ستشترك في كهنوت المسيح وتدخل في شركة خاصة ومميزة مع الآب والإبن والروح القدس. وستشترك من ناحية ثانية بمهمّتي الأسقفية في أبرشية البترون بصورة تربطك دوماً بي لتصبح معاوناً لي في الخدمة التي أئتمنك عليها. وستصبح مؤتمناً على «وديعة تتسلّمها من الله الآب والإبن والروح بواسطة الكنيسة المقدسة لأجل بنيانها وثباتها وتمجيداً للثالوث الأقدس ولنشر البشارة (أي وديعة التعليم)، وخدمة المذبح (أي وديعة التقديس)، ورعاية شعب الله الموكل إليك (أي وديعة التدبير). (عدد 6). وكهنوتك هذا هو خدمة على مثال السيد المسيح الذي لم يأتِ ليُخدَم بل ليَخْدم ويبذل نفسه فداءاً عن الكثيرين.
وكي تنجح في تأدية خدمتك المثلثة، لا بُدّ أن تعيَ أن كهنوتك ينبع من كهنوت المسيح ويكوّن فيك وثاقاً جوهرياً مميزاً يربطك بالمسيح من خلال الأسقف ويجعل منك صورة حقيقيةً له وممثلاً له في رعاية شعبه. إني أدعوك إذاً إلى أن تعمّق إتحادك الروحي بالمسيح لكي تكون علامةً لحضوره في حياتك، وأن تشدّ ارتباطك الكنسي بالأسقف وبإخوتك الكهنة الذين ستدخل معهم في الجسم الكهنوتي الذي يجمعكم حول الأسقف.
وأدعوك هنا إلى أن تتبنّى معنا البرنامج الذي وضعتُه لخدمتي الأسقفية في المحبة في أولوياته الراعوية الثلاث: التجدّد الروحي والتجدد في الأشخاص والتجدّد في المؤسسات. فتساهم معنا نحن أبناء أبرشية القديسين، أسقفاً وكهنةً ورهباناً وراهبات وعلمانيين، في ورشة التجدّد هذه بالعودة إلى ينابيعنا الروحية وروحانيتنا النسكية، وبالتمسّك بأرضنا المقدسة وبوحدتنا حول البطريرك رأس كنيستنا، وبالثبات في القيم التي ميّزت كنيستنا وشعبنا وعائلاتنا على مرّ العصور.
إني أدعوك أخيراً إلى أن تعيش مع زوجتك رُلى ملء سرّ الزواج، فتُحسنُ رعاية بيتك وأولادك وتربّيهم على محبة الله والناس، كما يوصيك القديس بولس، فتكون عندئذ مستحقاً أن تخدم شعب الله في الكهنوت.
وأختم بالتوصية التي تركها لنا آباؤنا القديسون ونظّمها البطريرك اسطفان الدويهي في ختام الرسامة الكهنوتية؛ وفيها نقرأ:
«عليك أن تعرف يا ابني أنك تراب وإلى التراب تعود. وكما دخلتَ العالم بلا شيء، فبلا شيء تخرج منه؛ ولا يصحبُك غيرُ أعمالك، إن خيراً وإن شراً؛ وجزاؤك على قدر اجتهادك. فاسمع أيها الأخ: إنك لم تكن قائماً الآن قدام حقارتنا بل أمام الله البصير بالخفايا والعليم بمكنونات الضمائر. واعلمْ أية درجة قَبِلتَ اليوم وأية وديعة استودعك الله فأقامك في بيعته المقدسة مدبراً وراعياً لخرافه الناطقة ومؤتمناً على الوزنات وأهّلك لقبول جوهرة جسد المسيح إلهنا ومخلصنا ودمه المحيي اللذَيْن ستقسُمهما بيديك وتزيحهما براحتيك وتمسكهما بأناملك.
فقدّم الشكرَ لله على ما أولاك من مواهب، وكنْ مستعداً لاقتبال ما ألقى على عاتقك الله الذي ألبسك هذه الحلّة الشريفة.
وعليك أيضاً أن تكون وديعاً متواضعاً محبّاً للتجرّد والتقشف. أحبب الصلاة بلا ملل. إحفظ نفسك بعيدة عن شهوات هذا العالم الزائل، ولا تُشغلكَ خيرات الدينا؛ بل تأمل في الآخرة، لأن آخرة كل إنسان قائمة على بابه تنتظره. وإذا تمسّكتَ بالإيمان وحفظتَ الوديعة، حلّت عليك البركةُ السماوية وفي قلبك نعمةُ الله.
والآن أيها الإبن الحبيب، بعد كل ما سمعتَ، أسلّمك الكهنوت وخدمة المذبح والأسرار، وأستودعُك الله ونعمتَه التي حلّت عليك اليوم وهي تقودك في سبيل الحياة. وأنا بريء من خطاياك. ولله المجدُ والحمدُ الآن وإلى الأبد. آمين».