عظة المطران منير خيرالله
في قداس كنيسة سيدة الإنتقال- تنورين
الجمعة 21 كانون الأول 2012
"قال هذا عن الروح القدس"
"تنورين اليوم بعيد ليس فقط لأنها مكللة بالبياض وقلوبكم بيضاء مثل قمم بلدتكم وقلوبكم كبيرة كما تنورين كبيرة، تنورين بعيد لأنها تعيش في زمن الروح بانتظار مولد يسوع المسيح ابن الله المخلص الذي سيتجسد انسانا مثلنا ومثل كل البشر وبين البشر. تنورين بعيد لأنها احتفلت، ومنذ أسبوع، بسيامة كاهن جديد من تنورين، من سلالة الكهنة والرهبان الكبار الذين أعطتهم تنورين، الخوري فرانسوا حرب الذي استقبلتموه هنا يوم الاحد الماضي واحتفلتم معا بالعيد؛ وعاد ابن تنورين الى أرض بلدته المقدسة والى رعيته. واليوم نحتفل معا بتهيئة قلوبنا وعائلاتنا وبلدتنا لاستقبال يسوع المسيح الذي سيولد بيننا وهذه فرحة كبيرة.
وأنا فرحتي كبيرة أن أكون معكم اليوم وقلبي كبير بكم لأنني أفتخر بكم، أنتم الذين ما زلتم متمسكين بأرضكم وبإيمانكم وبالقيم والاخلاق التي ميزت آباءكم وأجدادكم وميزت شعبكم وكنيستم. أنتم أبطال الوطن والكنيسة، كبارا وصغارا، لأنكم ، وفي كل عام، تحاولون مرة جديدة أن تعيشوا هذا العيد، عيد الميلاد الذي هو عيد الفرح والسلام والمصالحة والمحبة، وفي كل مرة تحاولون أن تعيشوه وأن تكونوا أكثر حضوراً في هذه الارض لتنضموا الى بعضكم البعض وتعيدوا معا عيد الفرح والسلام. فرحتي كبيرة اليوم أن أكون معكم، ولأول مرة عشية عيد الميلاد مطرانا على أبرشيتكم لخدمتكم في المحبة، وأنا فخور أن أكون معكم وأحتفل معكم بالعيد، مع الحاضرين والغائبين ايضا لأنهم في قلوبنا وكأنهم في ارضهم ولم يتركوها ولو كانوا بعيدين عن لبنان فهم معنا وفي قلوبنا.
نحن اليوم في قداسنا نحملهم جميعا لنقدمهم معكم الى الرب على مذبحه حتى تكونوا قربانا يليق بالرب يسوع المسيح الاله والانسان. سرّ الله الابن الذي سنحتفل بمولده من مريم العذراء وبالروح القدس، وسرّه الذي أكمله بحياته بيننا على هذه الارض التي قدسها، والذي تممه بموته على الصليب وبقيامته وصعوده الى السماء حتى يحجز لنا مكانا في ملكوت الآب. سرّ الله الابن، سنعيشه من جديد بدءاً من عيد الميلاد وسنكّمل المسيرة حتى موته ومقيامته وصعوده إلى السماء وحلول الروح القدس. هذا هو نتيجة محبة الله الآب التي ليس لها حدود لكل البشر من دون استثناء. الله الآب أحبنا لدرجة أنه جعل من ابنه انسانا مثلنا يتبنى انسانيتنا ويعيش فيها انسانا كاملا ويحمل كل ضعفنا ونقصنا، يحمل خطايانا حتى يموت من أجلنا ويبذل ذاته عنا ليقول لنا: هذه هي المحبة التي أرادها الله لكم، ليفتديكم ويجعل منكم شعبا جديدا بالفرح والسلام والمحبة.
اليوم نحن نكبر معكم وفيكم لأن تنورين ما زالت تمثل بين كل قرانا ورعايانا، في كنيستنا ووطننا، تاريخا عريقاً وتراثاً كبيراً وقيماً وأخلاقاً بدأنا نفقدها في عالمنا، عالم التطور والتقدم، وأنتم ما زلتم تحافظون على تلك القيم الكبيرة التي أخذناها من كنيستنا في مسيرة مئات السنوات، من آبائنا وأجدادنا القديسين الذين ظلوا ثابتين وصامدين في إيمانهم، وفي أرضهم المقدسة بالرغم من كل حل بهم؛ ظلوا صامدين بقيمهم وأخلاقهم الكبيرة بعيش الحرية والكرامة. اليوم ونحن نقدّمكم للرب ، أطلب من الله ومن يسوع المسيح وبشفاعة العذراء مريم أمنا شفيعة هذه الرعية، أن يبارككم جميعا، آباءاً وأمهاتٍ، وجميع عائلاتنا حتى تظلوا أبطالاً وتحافظون على هذا الارث العظيم ليس فقط بالكلام بل بمثل الحياة اليومية والعملية، وتربّون أولادكم واجيالكم الطالعة عليه. العالم يفتش عن استرجاع القيم ونحن ما زلنا نحافظ عليها فلنربي أولادنا عليها. وأكثر من ذلك لسنا خائفين على شيء طالما ما زلنا محافظين على تضامن عائلاتنا وعلى قيمنا وأخلاقنا وعلى تعاملنا مع بعضنا البعض بالرغم من كل شيء وتعاملنا بمحبة ومصالحة وبانفتاح واحترام طالما نحن ما زلنا نكمل تحمل مسؤوليتنا ودورنا ورسالتنا في لبنان والشرق والعالم. "لا تخافوا أنا معكم حتى منتهى الدهر" يقول لنا المسيح المتجسد انسانا بيننا قبل ان يولد في مذود حقير مثل أحقر انسان لكي يتبنى كل الانسانية من الفقير حتى الغني، من الصغير حتى الكبير، يتبنى كل حالات الانسان ويقول لنا: عليكم فقط أن تثبتوا فيّ كما أنا ثابت في الآب فتأتوا بثمار وتدوم ثماركم. صلاتنا اليوم من أجل جميع عائلاتنا في رعية تنورين وفي أبرشية البترون، أبرشية القداسة والقديسين، من أجل كنيستنا المارونية وعلى رأسها البطريرك الذي هو واحد من سلسلة البطاركة القديسين الذين سبقوه والذين سيأتون من بعده، ومن أجل رعاتنا وكهنتنا وإكليريكيينا ورهباننا وراهباتنا الذين أعطت تنورين عدداً كبيراً منهم، ومن أجل المسؤولين على مستوى السياسة والوطن والثقافة والاجتماع. نحن اليوم نقدمهم للرب حتى يعطيهم القوة وشجاعة الشهادة له؛ فهو نبي الحق وصوت الله. وليكن هذا الميلاد ميلاد تجدد بمحبة متجددة نعيشها معا، بانفتاح قلوبنا على بعضنا البعض فندرك أن ليس لنا الا المسيح مخلصاً والباقي كله في سبيل المسيح يهون، كل صعوبة وكل خدمة تهون، وكل عطاء وكل تضحية. آمين."