عظة المطران منير خيرالله
في قداس الزيارة الراعوية لرعية عبدللي لمناسبة عيد مار سمعان العمودي
السبت أول أيلول 2012
«إذهب، بعْ كل ما لك ووزعه على الفقراء فيكون لك كنز في السماوات وتعال فاتبعني» (لوقا 18/22).
حضرة الخوري جورج (طنوس) خادم هذه الرعية الحبيبة لعشر سنوات،
حضرة الخوري أنطون نهرا، خادم الرعية الجديد،
حضرة الشماس سيمون أبي نادر رفيقي منذ المدرسة الإكليريكية في غزير من أكثر من أربعين سنة، واليوم عيدك،
أحبائي جميعاً أبناء وبنات عبدللي، الرعية الحبيبة إلى قلبي لأن ما يربطني بكم منذ زمن الطفولة هو أكثر بكثير من رباط الصداقة؛ هو رباط محبة ورباط عائلي، ونحن كلنا جيران القديسين من جربتا إلى كفيفان.
بفرح كبير أحتفل معكم اليوم بعيد مار سمعان العمودي، وللمرة الأولى أسقفاً وخادماً لكم، أنا أفتخر وأعتزّ بلقائكم الليلة للاحتفال بعيد مار سمعان. وهذا العيد يعيدني كما يعيدكم إلى اصالة دعوتنا في الحياة النسكية التي تركها لنا مار مارون ومار سمعان العمودي. إنها دعوة كنيستنا وشعبنا. مار مارون ومار سمعان العمودي كانا قريبين في المكان والزمان وكانا من المدرسة النسكية نفسها التي وضع لها مار مارون مقومات روحانية. فاختار مارون أن يعيش على قمة جبل في منطقة قورش، مختلياً بربه ومتجرّداً عن الدنيا وما فيها كما دعاه الرب يسوع إلى عيش مطلقية الإنجيل. واختار سمعان أن يعيش متنسكاً على العمود مختلياً بربه ومبشراً بالمسيح وبمحبة الله للبشر.
فكان أن أتى تلاميذ مار مارون منذ سنة 410 إلى جرود جبيل والبترون ليحملوا إلى هذه المنطقة التي كانت فينيقية ولها ديانة كنعانية مميزة استشهد بها السيد المسيح، أتوا يبشرون بالمسيح ويعيشوا حياتهم النسكية على خطى مار مارون.
ثم أتى بعدهم تلاميذ مار سمعان العمودي إلى جرود منطقة الجبّة ليبشروا بالمسيح ويعيشوا حياتهم النسكية.
فتلاقوا كلهم وتحوّل شعب هذا الجبل إلى شعب مسيحي يعلن إيمانه بالإله الواحد، الآب والإبن والروح القدس، ويعيش على قمم الجبال أو في قعر الوديان، رسالته ودعوته النسكية في البُعد العمودي في اتصال مباشر مع الله، وفي البُعد الأفقي في تواصل مع كل البشر.
هذه هي مقومات الدعوة النسكية التي عاشها آباؤنا وأجدادنا ملبّين دعوة الرب يسوع لهم.
وفي ما نحن اليوم نعيّد لمار سمعان العمودي، نسمع الرب يسوع ومار مارون ومار سمعان يدعوننا للعودة إلى أصالة دعوتنا وإلى أصالة حياتنا النسكية المتجردة والمنفتحة على العالم. ولبسي الإسكيم كمطران بينكم يعود بي إلى اصالة دعوتي؛ لأن المطران مدعو إلى أن يكون ناسكاً، كما مارون ومار سمعان وتلاميذهم وكما الذين سبقونا من بطاركة ومطارنة.
لذا فإني اخترت شعاراً لخدمتي الأسقفية بينكم، والأسقفية هي خدمة في المحبة على مثال المسيح، أن أكون بينكم خادم المحبة. وليس لنا سوى المحبة لنعيش مع بعضنا البعض. وبعد عيش المحبة، كل القيم المسيحية تكون نتيجة لها.
واتخذت لي شفيعة القديسة رفقا. حملتها منذ صغري، وكلكم تعرفون علاقتي بها؛ ليس فقط لأنها جارتنا في مراح الزيات وجربتا وعبدللي، ولكن أيضاً لأن القديسة رفقا كانت وستبقى مثالاً لنا بحمل الصليب بفرح وبمحبة.
ووضعت لي برنامجاً لخدمتي الأسقفية بينكم في أولويات راعوية ثلاثة:
أولاً، التجدّد الروحي. إني أدعوكم إلى أن نتجدّد روحياً في العودة إلى أصالة دعوتنا وأصالة عيش آبائنا وأجدادنا. كانوا كلهم قديسين لأنهم تربوا في كنيسة تعيش دعوتها إلى القداسة، وفي عائلات مقدسة. والعائلات المقدسة تعطي قديسين وقديسات لشعب الله.
نحن مدعوون اليوم، وبلداتنا هي جارات القديسين، إلى أن نتجدّد روحياً فنتقدس. وكلنا نستطيع أن نكون قديسين. فتصبح أديارنا منارة وإشعاعاً روحياً لكل المؤمنين، وتصبح رعايانا، كما هي رعية عبدللي، مفعمةً بالنشاط الروحي والرسولي، من الأخويات إلى الطلائع وإلى الفرسان والعائلات.
نتجدّد بالعودة إلى الصلاة في عائلاتنا وبيوتنا وفي كنائسنا، وإلى تربية أولادنا على القيم المسيحية والمارونية.
ثانياً، أن نتجدّد في الأشخاص. كلنا مدعوون أن نتجدد بعيشنا المسيحي والتزامنا الإجتماعي والوطني لنصبح شهوداً للمسيح في عائلاتنا وبلداتنا ومجتمعنا ووطننا.
ثالثاً، أن نتجدّد في مؤسساتنا. أن تتجدّد كنيستنا كمؤسسة. وهذا هو برنامج بطريركنا الجديد مار بشاره بطرس الراعي كما وضعه منذ انتخابه تطبيقاً لتوصيات المجمع البطريركي الماروني الذي عملنا خمساً وعشرين سنة. وأنا ايضاً أريد أن أنظم الأبرشية في كل مؤسساتها، بدءاً من المطرانية ودوائرها إلى الرعايا والجمعيات إلى لجان الأوقاف وكل اللجان العاملة في الأبرشة. فتتجدد مؤسساتنا وتُظهر وجه المسيح في عيش المحبة لخدمة كل المؤمنين. وتكون أبرشيتنا دعوة كل المؤمنين، لأنكم تحتاجون إلى خدمة في المحبة. وظروفنا الصعبة كلنا نعرفها.
لذا فإني أدعوكم إلى أن تتحملوا معي مسؤولية تطبيق هذا البرنامج.
وبدأت بدعوة إخوتي الكهنة والرهبان والراهبات في الأبرشية إلى أن نتجدد نحن أولاً ونكون مثالاً لكم. والآن أدعوكم أنتم إلى أن تتحملوا معنا هذه المسؤولية. تعالوا نبدأ بتربية أولادنا وأجيالنا الصاعدة كما تربينا نحن على القيم المسيحية والإنسانية والمارونية. وقيمنا هي أولاً الحرية التي أصحبت عنصراً من عناصر هويتنا المارونية واللبنانية. ثم التضامن والوحدة والمحبة والإخلاص والخدمة بمجانية. هكذا ربّانا آباؤنا وأجدادنا، وهكذا علينا نحن أن نربي. فأولادنا مدعوون أن يتحملوا مسؤولياتهم.
يا أحبائي، أبناء وبنات عبدللي؛ أعرف كم تحملون من إرث عريق من الآباء والأجداد. فعبدللي هي من أولى البلدات في لبنان التي لها أبناء منتشرون، ولا أقول مهاجرون، حملوا معهم هذا الإرث العريق، إرث شعبهم وكنيستهم وبلدتهم. وهم في قلوبهم لا زالوا مرتبطين بما تمثل عبدللي من قيم بترونية ولبنانية. لذا فإنهم منتشرون، ويبقون، في قلوبنا وفي صلواتنا بمحبتهم لبلدتهم وأبرشيتهم، مرتبطين بمحبة لا حدود لها. فنحن لم نخسر أبناءنا وإخوتنا المنتشرين؛ إنهم كنز لنا وللبنان.
تعالوا نصمد بثوابتنا. أي بتمسكنا بإيماننا، وتمسكنا بأرضنا المقدسة التي هي وقف لله، وتمسكنا بالقيم التي تربينا عليها في عائلاتنا؛ كي تبقى عائلاتنا منبعاً للقديسين.
هذه هي مسؤوليتنا. تعالوا نحملها معاً. ونحن لسنا خائفين.
نحن أقوياء، وأقوى من كل يوم مضى في تاريخ كنيستنا وشعبنا. لا تخافوا. ما قاساه آباؤنا وأجدادنا من صعوبات واضطهادات هو كبير بالنسية إلى ما نعانيه اليوم.
نحن أقوياء بكنيستنا، وبوحدتنا حول رأسها البطريرك، كما كنا منذ تأسيس كنيستنا مع يوحنا مارون، وحتى البطريرك السابع والسبعين.
لا تخافوا. نحن لسنا منقسمين ولا مشرذمين.
ونحن أقوياء بما نحمل من رسالة فريدة ومميزة في لبنان. نحن حماة هذا الوطن، الوطن الرسالة، رسالة المحبة والانفتاح والعيش الواحد واحترام الإنسان واحترام التنوع والتعددية. إطمئنوا، وتشجعوا.
وكل الذين سبقونا إلى السماء من كهنة وعلمانيين يشفعون لنا مع السيدة العذراء ومار جرجس كي تبقى عبدللي منارة في أبرشية البترون. آمين.