عظة المطران خيرالله في الزيارة الراعوية لرعية كفيفان بمناسبة عيد مار عبدا 2-9-2012

عظة المطران منير خيرالله
في قداس الزيارة الراعوية لرعية كفيفان لمناسبة عيد شفيعها مار عبدا
الأحد 2 أيلول 2012
 
«من يغفر له كثيراً يحبّ كثيراً» (لوقا 7/47)
 
أخي الخوري بطرس (فرح) خادم هذه الرعية الحبيبة إلى قلبي منذ زمن بعيد،
أحبائي أبناء وبنات كفيفان
 
        بتاثر عميق أحتفل اليوم معكم بعيد مار عبدا، لو متأخراً، لأني نهار الخميس الفائت كنت في بكركي للمشاركة في رسالمة أخي ورفيقي المطران ناصر الحميّل أسقفاً لأبرشية سيدة لبنان- باريس. وبفخر واعتزاز أنا في كفيفان اليوم؛ كفيفان بلدة القديسين ومنارة القداسة في أبرشية البترون؛ وأبرشيتنا أخذت منها شعارها: أرض القداسة والقديسين. كفيفان التي عرفتها منذ طفولتي، ليس فقط من خلال زياراتي وصلوات في دير مار قبريانوس ويوستينا، ولكن أيضاً من خلال زياراتي وأحبائي وأهلي فيها.
ثم منذ سنواتي الأولى في خدمتي الكهنوتية، كنت حاضراً في كفيفان مع الفرسان والطلائع والأخوية، ومن كفيفان في خدمة كل الأبرشية. لذا فإني أحتفل بهذا القداس وأذكر فيه كل أبناء وبنات كفيفان، الحاضرين والفائبين والمغيبين قسراً المنتشرين في العالم، طالباً من الله بشفاعة مار عبدا ومار روكز وكل القديسين في كفيفان أن يعطيكم القوة والجرأة على حمل مسؤولية القداسة التي ألقيت على عاتقكم كما عاتق ىباؤكم وأجدادكم إنها مسؤولية كبيرة.
وأنا اتخذت شعاراً لي في خدمتي الأسقفية بينكم، والأسقفية هي خدمة تشبهاً بالمسيح الذي جاء ليخدم لا ليُخدم: «أنا بينكم خادم المبحة»؛ لأخدم الجميع في المحبة.
أولاً لأنها تعليم المسيح ولأن الله محبة، كما سمعنا في رسالة القديس يوحنا. ومن يعرف الله يولد في المحبة وهو ابن الله. ثم هي وصية المسيح الوحيدة التي لخّصت تعاليم العهد القديم والشريعة: «أحبوا بعضكم بعضاً كما أنا أحببتكم». «وإذا عشتم المحبة بين بعضكم البعض عرف العالم أنكم حقاً تلاميذي». إنها وصية المسيح لرسله وتلاميذه ولنا جميعاً. والمحبة ليست كلمة في الفم، بل هي عيش، وتقتضي أن نذهب فيها حتى المغفرة. الله أحبنا لدرجة أنه بذل إبنه الوحيد من أجل فدائنا. محبته مطلقة ومجانية.
وفي إنجيل اليوم لنا أمثولة في المحبة. لأن الله يحبنا يغفر لنا بدون حدود. ومن يغفر له كثيراً يحبّ كثيراً. فالله أب لنا جميعاً، يحبنا كثيراً ويسهر علينا ويغفر لنا كل خطايانا إذا تبنا إليه. فهل نعرف أن نتبادل المغفرة بين بعضنا البعض نتيجة للمحبة ؟ هذا هو التحدي الكبير الذي ينتظرنا جميعاً.
ومع شعاري في خدمة المحبة، وضعت برنامجاً لأسقفيتي في أولويات راعوية ثلاث.
أولاً، التجدّد الروحي. وأنا أكلم إلى أبناء وبنات كفيفان؛ وأنتم أجدر من غيركم بالدخول في هذا التجدّد الروحي. ولأننا نعيش في أرض القداسة والقديسين وجيران القديسين بين كفيفان وجربتا وحردين، نحن مدعوون إلى أن نتجدد أولاً روحياً، في العودة إلى الله لسماع كلمته في الكتاب المقدس؛ في العودة إلى الصلاة، كما كانت عائلاتنا تصلي، ولأجل ذلك أعطت قديسين وقديسات. شربل ونعمة الله ورفقا واسطفان أصبحوا قديسين لأنهم تربوا في عائلات كانت تصلي. وعائلاتنا عليها أن تعود إلى الصلاة، في البيت وفي الكنيسة وفي أي مكان.
وأن نتجدّد في الشهادة للمسيح في حياتنا اليومية، وأن نربي أولادنا كما تربينا نحن. فإذا كنا اليوم نعلن إيماننا المسيحي فلأن آباءً وأجداداً لنا عرفوا كيف يثبتون في إيمانهم بالرغم من كل ما فاسوا من صعوبات واضطهادات وحروب.
نحن أبناؤهم وورثتهم علينا أن نحمل هذا المسؤولية.
ثانياً، التجدّد في الأشخاص. كلنا مدعوون لأن نتجدّد في ذاتنا وفي تعاملنا مع بعضنا البعض وفي المجتمع. بدأت ذلك مع إخوتي الكهنة وفي رياضتنا الروحية الأولى من قنوبين تبنّينا هذا البرنامج وبدأنا نحن نتجدّد لنكون مثالاً وقدوة في خدمة شعبنا، قبل أن ندعوكم أنتم إلى التجدّد.
كل واحد مدعو إلى أن يتجدّد في التزامه المسيحي، فنكون كلنا كنيسة المسيح وكنيسة مارون في هذه الأرض المقدسة.
ثالثاً، التجدّد في المؤسسات. بعد أن انتخب رأس كنيستنا البطريرك مار بشاره بطرس الراعي، وضع في أولويات برنامج بطريركيته مأسسة الكنيسة، وذلك تطبيقاً لتوصيات المجمع البطريركي الماروني الذي عملنا له أكثر من خمس وعشرين سنة. بدأ غبطة البطريرك بتنظيم الكنيسة من بكركي لتكون وجه المسيح في خدمة شعب الله.
وأنا بدأت بمأسسة الأبرشية في كل دوائرها ومؤسساتها وجمعياتها وأخوياتها ولجانها ولجان الأوقاف لكي تتجدّد ونظهر من خلالها وجه المسيح في خدمة شعب الله في المحبة. ونحن نحتاج إلى مأسسة وتنظيم. وهذا طبيعي في ايامنا، والعالم يتطور. ونحن نستعمل الوسائل الحديثة لنكون في خدمة شعبنا الذي يحتاج إلى عناية وإهتمام.
هذا البرنامج نتحمّل مسؤوليته كلنا. فالكنيسة ليست للمطران والكهنة والرهبان. الكنيسة هي جماعة شعب اللهن كل المعمّدين باسم الآب والإبن والروح. فالكنيسة، حجراً وبشراً، هي نحن؛ ومعاً نبني مدماكاً فوق مدماك. وكل واحد هو حجر في هذا البناء وله مكانته الخاصة به. ومعاً نساهم في بنيان الكنيسة خدمةً للعالم في المحبة. تتحملون معي هذه المسؤولية لنكون كلنا أوفياء وأمناء لما نقل إلينا آباؤنا وأجدادنا من ثوابت. وهي الثبات في إيمانهم بالله وتمسكهم بأرضهم المقدسة، أرض البترون وأرض لنبان. إنها وقف لله، فقد اتخذها له وقفاً. فنحن لا نملكها، بل نحن وكلاء عليها. فلا يحق لنا أن نفرّط بها ولا أن نبيعها ولو بأغلى الأثمان. وما تركه لنا الآباء والأجداد، واجبنا أن نحافظ عليه.
وثالثا الثوابت تمسّكهم بالقيم العائلية. العائلة هي ركيزة الكنيسة والمجتمع والوطن. وطالما أن عائلاتنا باقية على أمانتها للقيم التي نُقلت إلينا، فنحن بأحسن حال.
تعالوا نربي أولادنا وأجيالنا الطالعة كما تربينا نحن. فيكونوا بدورهم شهوداً للمسيح وصانعي سلام وبُناة وطنٍ، لبنان، الوطن الرسالة، الذي أراده آباؤنا وأجدادنا نموذجاً للعالم كله. رسالة في المحبة والسلام ولإنفتاح والإحترام للآخر واحترام التعددية والتنوع بين الثقافات والحضارات والطوائف والإديان. هذا هو وطننا، وهذا ما دعانا إلى تحمّل مسؤوليته الطوباوي البابا يوحنا بولس الثاني. وهذا ما سيدعونا إلى تحمّل مسؤوليته قداسة البابا بنديكتوس السادس الذي سيزورنا بعد أقل من أسبوعين. فلنتحمّل معاً هذه المسؤولية ونشهد أننا كنيسة مارون ويوحنا مارون. لاتخافوا ! نحن أقوياء، وأقوى من كل يوم في تاريخنا. نحن موحّدون، وبالرغم من كل ماي قال، حول رأس كنيستنا ومرجعها البطريرك. فكان البطريرك ولا يزال منذ يوحنا مارون، مؤسس كنيستنا في كفرحي جارتنا، حتى البطريرك السابع والسبعين مار بشاره بطرس الراعي ومن يأتي بعده، هو الرأس والمرجع والضمانة لشعب مارون. نحن الكنيسة الوحيدة التي لم تنقسم على ذاتها في الشرق.
فنحن لسنا مشرذمين ولا منقسمين. نحن موحدون وسنبقى كذلك قلباً واحداً ويداً واحدة. وصلاتنا من أجل كنيستنا كي تبقى حاملة رسالتها الفريدة من نوعها في العالم، كنيسة الحرية والكرامة واحترام الإنسان والإنفتاح على العالم كله. آمين.