عظة المطران منير خيرالله
في قداس الزيارة الرعائية لرعية كفرحي لمناسبة ليلة عيد شفيعها مار سابا
الجمعة 24 آب 2012
«أطلبوا ملكوت الله وبرّه، والباقي يعطى لكم ويزاد».
أخي الخوري جورج خادم هذه الرعية الحبيبة،
حضرة رئيس البلدية
أحبائي أبناء وبنات كفرحي،
بفرح كبير وبفخر واعتزاز أعود إلى كفرحي لأحتفل معكم للمرة الأولى أسقفاً بعيد مار سابا، شفيع هذه الرعية الحبيبة إلى قلبي.
وبتأثر عميق أعود إلى كفرحي، إلى جذور المارونية، إلى الأصول، لكي أتشرب منها من جديد الروحانية التي عاشها ورسم معالمها مار مارون لشعب حمل اسمه من بعده، ولكنيسة حملت هذه الروحانية بفضل مار يوحنا مارون البطريرك الأول الذي اتخذ له مقرّاً في كفرحي.
قداسي معكم اليوم هو أولاً قداس شكر لله على ما أعطاه لكفرحي وللكنيسة المارونية وللبطريركية المارونية ولشعب مارون.
وقداسي ثانياً أقدمه من أجلكم جميعاً أنتم الحاضرين والغائبين والمنتشرين في العالم وهم كثر في أميركا وغيرها.
وقداسي ثالثاً أقدمه من أجل كل موتى هذه الرعية، كل الذين سبقونا إلى ملكوت الآب السماوي، من كهنة ورهبان وآباء وأمهات، وهم اليوم يشفعون بنا في السماء.
إني أدعوكم اليوم إلى أن تحملوا معي مسؤولية خدمتي الأسقفية. لأن الأسقفية هي أولاً وآخراً خدمة لشعب الله. فقد اتخذت شعاراً لي: أنا بينكم خادم المحبة. وأردت في ذلك أن أتشبه بالسيد المسيح كي أخدم مجاناً في المحبة. فكما أن السيد المسيح ابن الله ارتضى أن يصير إنساناً ويحمل إنسانيتنا بتواضع ومحبة لا حدود لها، على هذه الأرض التي عاش عليها وقدّسها، فصارت أرضاً مقدسة؛ حملها حتى الصليب، حتى الموت لكي بقيامته يعطينا الحياة الجديدة. وكما أن السيد المسيح خدم البشرية بمحبة لا حدود لها، كذلك أنا أيضاً سأخدم في المحبة انطلاقاً من كفرحي، مقرّ البطريرك الأول ومقرّ مطران البترون.
إني أدعوكم أن تحملوا معي ما وضعته في أولوياتي الراعوية الثلاث:
أولاً: التجدّد الروحي بالعودة إلى جذورنا وإلى أصولنا وإلى روحانيتنا المارونية. وعودتنا إلى الجذور تقتضي تلبية دعوة الله لنا إلى القداسة؛ فنكون على خطى أبينا مار مارون ومار يوحنا مارون وتلاميذ مار مارون وشعب مار مارون، ونتبنّى الروحانية النسكية التي من خلالها تخلّى كل من سبقنا عن الدنيا وملذاتها كما طلب السيد المسيح في إنجيله، قائلاً: لا تهتمّوا بأمور هذه الدنيا، بما تأكلون وما تشربون وما تلبسون. تطلّعوا بثقة لا حدود لها إلى أبيكم السماوي؛ فهو يعرف ما تحتاجون إليه. وإذا لبّينا هذه الدعوة نعود إلى إيمان آبائنا وأجدادنا.
أدعوكم إلى التجدد الروحي بتبنّي ما عاشه آباؤنا وأجدادنا في روحانية نسكية تضعهم في اتصال مباشر مع الله عامودياً، وفي تواصل مع اخوتهم البشر أفقياً. ونحن مدعوون إلى أن نتجدد روحياً لأن أبرشية البترون هي أبرشية القداسة والقديسين. وكلنا نستطيع أن نكون قديسين.
ثانياً: التجدّد في الأشخاص. كلنا، ابتداءً من المطران والكهنة والرهبان والراهبات وانتهاءً بالعلمانيين، مدعوون أن نتجدّد بالتزامنا المسيحي فنكون شهوداً للمسيح في مجتمعنا وعالمنا.
ثالثاً: التجدّد في المؤسسات. نحن مدعوون أن نجدّد كنيستنا ومؤسساتنا. ابتداءًَ من المؤسسة الأبرشية، إلى مؤسسات الرعايا والجمعيات والأخويات، إلى لجان الأوقاف. فتكون كنيستنا المارونية اليوم وأبرشيتنا تلبّي دعوة الله إلى القداسة، وتتجدّد كل يوم بعيشها المسيحي الملتزم.
وبعد أن نتجدّد روحياً، نستطيع أن نعود إلى عيش القيم التي تربّينا عليها في عائلاتنا. فعائلاتنا، كما أرضنا، هي مقدسة. ولأنها أعطت قديسين وقديسات كثيرين، فهي تستطيع أن تعطي دوماً قديسين.
العائلة. وأشدّد كثيراً على دور ومسؤولية العائلة. وإذا كانت عائلاتنا تربّي على القيم المسيحية والمارونية بالأخصّ، فنحن لا نخاف شيئاً. عائلاتنا هي ضمانتنا للمستقبل؛ فهي تحمل رسالة كنيستنا وشعبنا.
ربّوا إذاً أولادكم كما تربّينا نحن، على حبّ الله، وعلى التمسّك بأرضهم المقدسة، وعلى التمسّك بالقيم المارونية التي هي المحبة والإخلاص والتضامن والتضحية واحترام الإنسان.
اطمئنّوا اليوم وكل يوم. نحن أقوياء بالسيد المسيح. نحن أقوياء بتاريخنا. نحن أقوياء بأرضنا المقدسة. نحن أقوياء بعائلاتنا، التي طالما هي تربّي على القيم المسيحية طالما نحن باقون في دورنا ورسالتنا في لبنان وفي هذا الشرق حولنا وفي العالم كله.
صلاتي من أجلكم يا أبناء وبنات كفرحي. أنا فخور بكم، لأنكم تحملون إرثاً عريقاً تركه لنا الآباء والأجداد في كفرحي بالذات منذ البطريرك الأول مار يوحنا مارون حتى المطران يوسف فريفر. أنتم حاملو تراث عريق. حافظوا عليه. ربّوا أولادكم على الذاكرة التاريخية. علّموهم التاريخ. لا يمكن أن ننسى ما قاسى آباؤنا وأجدادنا كي نبقى نحن اليوم لنعلن إيماننا أمام العالم كله. هذه هي مسؤوليتكم. أحمّلكم إياها اليوم وكل يوم. أنقلوا هذه الذاكرة إلى أولادنا وأجيالنا الطالعة. فهم أيضاً قادرون أن يحملوا هذه المسؤولية ويكونوا شهوداً لهذا التاريخ منذ التاريخ منذ البطريرك الأول مار يوحنا مارون إلى البطريرك السابع والسبعين مار بشاره بطرس الراعي ومن بعده جاء بطريركاً على كنيستنا المارونية.
وفي ما نعيّد اليوم مار سابا نطلب شفاعته وشفاعة السيدة مريم العذراء ومار مارون ومار يوحنا مارون، نجدّد إيماننا وثقتنا الكاملة بالسيد المسيح الذي يقول لنا: أطلبوا أولاً ملكوت الله وبرّه، والباقي يعطى لكم ويزاد. آمين.