عظة المطران خيرالله في عيد مار يوحنا المعمدان زان 23-6-2012

عظة المطران منير خيرالله
في قداس الزيارة الرعائية لرعية زان
لمناسبة عيد شفيعها مار يوحنا المعمدان
السبت 23 حزيران 2012
 
حضرة الخوري انطون خادم هذه الرعية الحبيبة،
يا أبناء وبنات زان الأحبّاء،
        جئت اليوم أفرح معكم لأن الرب رحمكم رحمة عظيمة وأعطاكم ما لم يعطَ لغيركم، وأشارككم فرحة عيد شفيعكم يوحنا المعمدان، الذي قال عنه السيد المسيح انه «أعظم مواليد النساء»!
وربما لأجل ذلك اتخذ آباؤكم وأجدادكم هذا النبي العظيم شفيعاً لهم: «صوتُ صارخ في البرّية: أعدّوا طريق الرب واجعلوا سبله قويمة» (أشعيا 40/3 ومرقس 1/3). « تمّ ذلك يوم ظهر يوحنا المعمدان في البرّية، ينادي بمعمودية توبةٍ لغفران الخطايا. وكانت تخرج إليه بلاد اليهودية كلُها وجميع أهل أورشليم، فيعتمدو عن يده في نهر الأردن معترفين بخطاياهم». (مرقس 1 /4-5).
وكان بذلك يحضّر مجيء يسوع المسيح المخلّص، لكن إذا ما ظهر يسوع، اختفى هو.
هكذا فهم آباؤكم رسالة يوحنا المعمدان وقرّروا أن يتشبّهوا به على الطريق المؤدية إلى الخلاص بيسوع المسيح. فكانوا يتوافدون إلى كنيسة يوحنا المعمدان الذي يهديهم إلى يسوع داعياً إياهم إلى التوبة لغفران الخطايا ليستحقوا كل يوم أكثر النعمة التي نالوها بسر المعمودية، معمودية الماء والروح، الولادة الجديدة. فيعيشوا بموجب هذه النعمة وبحسب تعاليم المسيح مولودين جدداً، متحابّين متضامنين؛ « وكانوا قلباً واحداً ونفساً واحدة، يتشاركون في كل شيء» (أعمال 4/32) ويشهدون بالمبحة أنهم حقاً تلاميذ المسيح.
هذا هو الإرث العظيم الذي تحملونه يا أبناء وبنات زان. وهذا هو الإرث الذي نحمله كلنا أبناء منطقة البترون. وذلك بفضل العائلات التي عشنا وتربينا فيها، وبفضل آباء وأجداد ساروا أمامنا على درب القداسة، وارتضوا كل التضحيات في سبيل أن نتربّى على القيم المسيحية والمارونية، التي هي المحبة والإخلاص والتضحية والتضامن، وأن نحافظ على إرث كنيستنا العريق، إرث القداسة والشهادة.
نعم هكذا عرفت منذ صغري بلدة زان العريقة بتراثها المسيحي والإنساني والحاملة رسالة مميزة على اسم يوحنا المعمدان، رسالة القداسة ورسالة الكلمة.
عرفتها عندما كان استاذنا ومربّينا في المدرسة الإكليريكية الخوري اغناطيوس صادق يأتي بنا إلى بلدته لنقدم المسرحيات الكنسية والوطنية، الشعبية والكلاسيكية، بعد أن كان يؤلفها بمساعدة بعضٍ منّا ويكتب موسيقاها ويُخرجها ويعيشها لكي يبثّ إلى أهل بلدته ومنطقته رسالة محبة وتضامن وحرية وكرامة.
ولا عجب في ذلك فهو ابن بلدة زان، جارة القديسين وفي قلب منطقة البترون أرض القداسة. وأبناؤها، على مثال يوحنا المعمدان، هم أنبياء الكلمة الحرّة، بالشعر أو بالنثر. وأذكر الشعراء حنا موسي وأسعد جوان في لبنان وجورج رشوان وخطار رشوان في البرازيل، وأنبياء المواقف الحرّة من مثل الخوري يوسف دياب جوان الناسخ الكبير الذي لا تخلو كنيسة في لبنان من مخطوطاته، والمونسنيور جورج وهبه والخوري فارس كليم في الولايات المتحدة الأميركية. وكم أذكر الاحتفالات والقداسات والمخيمات الرسولية التي كنت أحتفل بها معكم في هذه الكنيسة، وكم كان تجاوبكم كبيراً والتفافكم حول الكنيسة والكهنة مثالياً.
إنها ذكريات طبعت تاريخ كل بيت من بيوتنا وكل عائلة من عائلاتنا.
إنها الذاكرة التاريخية التي علينا أن ننقلها إلى أولادنا وأجيالنا الطالعة كما التربية التي تربينا عليها في القيم المسيحية والإنسانية.
تعالوا نربّي أولادنا اليوم كما تربّينا نحن على المحبة والتضحية والتضامن، على الحرية والكرامة، على احترام الكلمة وقول الحق وممارسة الحوار الصادق والبنّاء.
تعالوا نربّيهم على حبّ كنيستهم، كنيسة المسيح على اسم مارون، ويوحنا مارون؛ وأنتم جيران كفرحي المقرّ البطريركي الأول والحاوي ذخائر مار مارون.
تعالوا نربّيهم على حبّ أرضهم، أرض القداسة والقديسين، وعلى التمسّك بها لأنها تمثل عنصراً هاماً من عناصر هويتنا المارونية واللبنانية.
تعالوا نخبرهم عن تاريخ الآباء والأجداد وعن صمودهم في إيمانهم وفي أرضهم بالرغم من فقرهم ومن الظروف الصعبة التي مرّت عليهم.
تعالوا نقول لهم كم هم محظوظون أنهم وُلدوا في هذا الجبل المقدس، وقف الله الخاص، وفي أرض البترون المقدسة، وأنهم ورثة آباء وأجداد قديسين.
إني أقدّم قداسي اليوم، أولاً على نية كل الذين سبقونا من هذه الرعية إلى مجد القيامة في ملكوت الآب السماوي حيث يشفعون بنا؛ وأقدّمه ثانياً على نية كل عائلاتها وأبنائها، كبارها وصغارها وشبابها، الحاضرين والمنتشرين في العالم، كي يباركهم الله بشفاعة العذراء مريم ومار مارون، فيكونوا شهوداً للمسيح على مثال يوحنا المعمدان وعلى خطى الآباء والأجداد ثابتين في إيمانهم بالله وفي محبتهم لبعضهم البعض. آمين.