عظة المطران منير خيرالله
في قداس الزيارة الرعائية لرعية دريا
الأحد 15 تموز 2012
إخوتي الكهنة الأجلاّء،
يا أبناء دريا الأحباء،
بتأثر عميق وفرح كبير أحتفل معكم اليوم بقداسي الأول بعد رسامتي الأسقفية على أبرشية البترون.
وتعود بي الذكرى إلى سنة 1977-1978، بعد رسامتي الكهنوتية، إلى الأيام التي كنت آتي فيها إلى هذه الرعية لتنشيط الأخوية والفرسان وتحضير احتفال التكريس الذي ترأسه سيادة المطران رولان أبو جوده النائب البطريركي في منطقة البترون.
وأذكر أيضاً كم ترافقنا في شبابنا، وأبناء جيلنا يذكرون، وقضينا الأيام الحلوة التي كنا فيها نتنقّل من بلدة إلى بلدة لنشجع نوادينا الرياضية ونحمل قيمنا البترونية، يوم كانت الرياضة تمثّل القيم الأخلاقية والإجتماعية؛ وكم نظمنا الزياحات والتطوافات لطلب شفاعة العذراء مريم ومار شربل والقديسة رفقا.
في إنجيل اليوم يشرح لنا السيد المسيح مثل الزؤان الذي يزرعه الشيطان في الحقل بين القمح الذي يزرعه ابن الإنسان. ويقول يسوع للذين يطلبون أن يقلعوا الزؤان من بين القمح: لا، أتركوهما ينموان معاً إلى أن يحين يوم الحصاد؛ فيُجمع الزؤان ويُلقى في النار، أما القمح فإلى الأهراء.
إنها نعمة من الله أن تكونوا، يا أبناء دريا، جيران القديسين في كفيفان وجربتا، وأن تعيشوا على هذه الأرض المقدسة. فلأي من الناس أعطيت هذه النعمة: أن يكون لهم في محيط بضعة كيلومترات أربعة أو خمسة ضرائح قديسين أصبحوا منارةً للكنيسة الجامعة والعالم كله ؟
نعم، نحن نقدّر هذه النعمة العظيمة ونشكر الله عليها كل يوم.
وهذا بفضل العائلات التي تربّينا فيها وعشنا؛ بفضل آباء وأجداد ساروا أمامنا على درب القداسة، وارتضوا كل التضحيات في سبيل أن نتربّى نحن على القيم المسيحية والمارونية التي هي المحبة والإخلاص والتضحية والتضامن، وأن نحافظ على إرث كنيستنا العريق، إرث القداسة والشهادة.
كل ما عشناه معاً وكل ما تربينا عليه طبع تاريخ كل بيت من بيوتنا وكل عائلة من عائلاتنا. إنها الذاكرة التاريخية التي علينا أن ننقلها بصدق وأمانة إلى أجيالنا الطالعة.
تعالوا نربي أولادنا كما تربّينا نحن على المحبة والتضحية والتضامن، على الحرية والكرامة، على الكَرَم وحسن الضيافة. تعالوا نربيهم على حبّ كنيستهم، كنيسة المسيح على اسم مارون، ولنا في كفرحي مزار لهامته المباركة في دير البطريرك الأول يوحنا مارون.
تعالوا نربيهم على حب أرضهم، أرض القداسة والقديسين، وعلى التمسك بها والحفاظ عليها ورفض بيعها لأنها تمثل عنصراً هاماً من عناصر هويتنا المارونية واللبنانية.
تعالوا نخبرهم عن تاريخ الآباء والأجداد وعن صمودهم في إيمانهم وفي أرضهم بالرغم من كل الظروف الصعبة التي مرّت عليهم.
تعالوا نقول لهم كم هم محظوظون أنهم وُلدوا في الأرض البترونية، وأنهم ورثة آباء وأجداد قديسين.
تعالوا نتعاون، أسقفاً وكهنة ورهباناً وراهبات وعلمانيين، على تحقيق الأولويات الراعوية التي وضعتها في برنامج خدمتي الأسقفية في ما بينكم. وهي:
أولاً: التجدد الروحي المبني على كلمة الله في الكتاب المقدس وعلى الصلاة وشهادة الحياة. فتكون أديارنا مراكز صلاة وفكر وإشعاع روحي؛ وتكون رعايانا واحاتٍ روحية يصلّي فيها المؤمنون ويضج فيها النشاط الرسولي وتنمو فيها الحركات والمنظمات الرسولية والدعوات الكهنوتية والرهبانية.
ثانياً: التجدد في الأشخاص. وسنبدأ من أنفسنا نحن الأساقفة والكهنة والرهبان والراهبات لنتجدّد بالعودة إلى أصالة دعوتنا ونخدم شعبنا بالتجدّد والتضحية والتضامن مع العلمانيين.
ونشدّد على تجدّد العائلة والشبيبة لبناء مستقبل الكنيسة والمجتمع.
ثالثاً: التجدّد في المؤسسات. فلنعمل معاً على تجدّد رعايانا وأخوياتنا وجمعياتنا ولجان أوقافنا لتصبح شاهدة لحضور المسيح في خدمة المحبة.
إني أقدم قداسي اليوم، أولاً على نية كل الذين سبقونا من هذه الرعية إلى مجد القيامة في ملكوت الآب السماوي ولي بينهم أقارب وأحباء وكهنة الخوري حنا خليفه والأب يوسف خليفه؛ وثانياً على نية كل عائلاتها وأبنائها الحاضرين والغائبين والمنتشرين في العالم والمرضى بنوع خاص؛ وثالثاً على نية كهنتها ورهبانها الحاليين وبخاصة الخوري طانيوس سعاده الذي خدمها لسنوات طويلة والخوري زياد الذي يخدمها اليوم وله مني عاطفة الشكر والتقدير؛
طالباً إلى الله أن يباركهم جميعاً بشفاعة العذراء مريم سيدة لبنان ومار مارون ومار شربل الذي نعيّد له اليوم ومار نعمة الله والقديسة رفقا ومار نوهرا شفيع الرعية - آمين.