بتأثر عميق وفرح كبير أحتفل معكم اليوم، وللمرة الأولى بعد سيامتي الأسقفية، بعيد شفيعكم مار اسطفان الذي تعيّد له الكنيسة أيضاً في 2 آب، وبليلة عيد مار ضوميط الذي تميّزونه بعيد كبير،
لأقدمكم جميعاً - حاضرين وغائبين ومنتشرين في العالم – قرباناً على مذبح الرب، ذاكراً رباط القرابة وروابط المودة والصداقة التي تربطني بكم منذ سنوات طوال: منذ ايام المدرسة في الإكليريكية البطريركية في غزير مع البعض منكم، ومنذ سنواتي الكهنوتية الأولى 1977-1978 في نشاطاتي مع الأخويات والطلائع والفرسان، وبعد عودتي إلى الأبرشية سنة 1986 مع رابطة الجامعيين والمخيمات الرسولية التي كنا نقيمها في بشعله. وأصبحتم يا أبناء وبنات بشعله أحبّاء قلبي.
لذا فإني أدخل اليوم، وأنا مطرانكم وخادمكم في المحبة، بفخر واعتزاز رعية بشعله التي تحمل تاريخاً عريقاً والتي أعطت للكنيسة وللوطن رجالاً كباراً.
بشعله معروفة أولاً بتاريخها المدني الزراعي القديم العهد. والدليل على ذلك زيتون بشعله المعمّر يفوق الأربعة آلاف سنة.
وبشعله معروفة ثانياً بتاريخها وتراثها الديني، إذ تحوطها تسعة أديار إلى جانب كنيسة مار اسطفان الجديدة التي بنيت سنة 1883 بجهود أهلها وتضامنهم ونخوتهم وجاءها الخوري الياس الحويك – البطريرك في ما بعد – ليعظ أول رياضة روحية في خلال الصوم الكبير.
1- كنيسة سيدة البلاطة، قرب مار اسطفان؛ ويقول البطريرك الدويهي انه أُعيد عقدها سنة 1615.
2- دير مار ضوميط، وهو مبني على أنقاض معبد وثني، وهو الأهمّ بالنسبة إليكم.
3- دير مار ريشا، ويقال أنه كان ديراً للراهبات.
4- دير مار توما. وقد رُمّم حديثاً.
5- دير مار سابا القديم وهو في طور الترميم.
6- دير مار سركيس وباخوس
7- دير مار ماما وفيه بقايا جدرانيات fresques
8- مغارة الحبيس
9- وأخيراً مزار قلب يسوع الذي يحمي بشعله من على قمة الجبل وعمره خمسون سنة.
أضف إلى ذلك الرجال العظام التي قدمتهم بشعله. وأولهم البطريرك جرجس حبقوق البشعلاني الذي انتخب بطريركاً في 9 كانون الأول 1656 اذ كان ناسكاً في وادي قنوبين لكنه رفض البطريركية وفضّل البقاء في حياة النسك. وكذلك أعطت بشعله ولا زالت تعطي كهنة ورهباناً وراهبات كثيرين يخدمون بشعله والكنيسة المارونية والكنيسة الجامعة.
وبشعله معروفة ثالثاً بجالياتها القديمة العهد والمنتشرة في أميركا واستراليا. وأولها وأهمها «الجمعية الخيرية البشعلانية- لوس أنجلوس»، وتأسست سنة 1935، وشعارها: محبة العائلة، محبة الكنيسة ومحبة بشعله أرض المنشأ. وهي تساعد وتساهم في أكبر المشاريع والإنجازات في البلدة الأم بشعله. وقد زرتها في لوس أنجلوس في عدة مناسبات واحتفلتُ بالقداس مع أعضائها في كنيسة سيدة لبنان التي ساهمت ببنائها.
أنتم تعيشون إذاً، يا أبناء بشعله ويا أبناء منطقة البترون، على أرض مقدسة وفي أبرشية القديسين.
ويقول لكم القديس بولس، كما قال لأهل أفسس في رسالته التي قرأناها اليوم: «إذاً فلستم بعدُ غرباء ولا نزلاء، بل أنتم أهل مدينة القديسين وأهل بيت الله، بُنيتم على أساس الرسل والأنبياء، والمسيحُ يسوع نفسه هو حجر الزاوية» (2/17-22).
إنها نعمة من الله أن تتظلّلوا أولاً حماية مريم العذراء والدة الإله سيدة البلاطة وسيدة لبنان؛
وأن تعيشوا ثانياً في ظل رسل وقديسين كباراً ونساكاً وشهداء اختارهم آباؤكم شفعاء لهم، من مثل مار توما الرسول ومار اسطفان الشهيد الأول في الكنيسة، ومار ضوميط، ومار ريشا، ومار سابا، ومار سركيس وباخوس ومار ماما؛
وأن تكونوا ثالثاً جيران قديسين من كنيستنا تقدسوا في حردين وتنورين وكفرحي وكفيفان وجربتا، وغيرها.
فلأي من الناس أُعطيت هذه النعمة: أن يكون لهم في محيط بضعة كيلومترات أربعة أو خمسة أضرحة قديسين أصبحوا منارةً للكنيسة الجامعة وللعالم كله ؟
إنه تراث قداسة نُقل إلينا بفضل آباء وأمهات ساروا أمامنا على درب القداسة، وارتضوا كل التضحيات في سبيل أن يحافظوا على إيمانهم بالرب يسوع، حجر الزاوية في بناء الكنيسة، وفي سبيل أن نتربّى نحن على القيم المسيحية والمارونية التي هي المحبة والإخلاص والتضحية والتضامن وأن نحافظ على إرث كنيستنا العريق، إرث القداسة والشهادة.
كل ما عشناه معاً وتربّينا عليه طبع تاريخ كل بيت من بيوتنا وكل عائلة من عائلاتنا. إنها الذاكرة التاريخية التي علينا أن ننقلها بصدق وأمانة إلى أجيالنا الطالعة، كما يفعل إخوتكم المنتشرون.
تعالوا نربّي أولادنا كما تربينا نحن على التضامن والتضحية والمحبة، على الحرية والكرامة. تعالوا نربيهم على حب كنيستهم، كنيسة المسيح على اسم مارون، ولنا في كفرحي مزار لهامته المباركة في دير البطريرك الأول يوحنا مارون.
تعالوا نربيهم على حبّ أرضهم، أرض القداسة والقديسين، وعلى التمسّك بها والحفاظ عليها ورفض بيعها لأنها تمثل عنصراً من عناصر هويّتنا المارونية واللبنانية.
تعالوا نربّيهم على القيم العائلية التي أثمرت في عائلاتنا قديسين وشهداء كباراً؛ ونخبرهم عن تاريخ الآباء والأجداد وعن صمودهم في إيمانهم وفي أرضهم بالرغم من كل الظروف الصعبة التي مرّت عليهم.
تعالوا أخيراً نتعاون، أسقفاً وكهنةً ورهباناً وراهبات وعلمانيين، على تحقيق البرنامج الذي وضعتُه لخدمتي الأسقفية بينكم، وفيه أولويات ثلاث:
-أولاً: التجدّد الروحي المبني على كلمة الله في الكتاب المقدس وعلى الصلاة وشهادة الحياة.
-ثانياً: التجدّد في الأشخاص. وهو يشملنا جميعاً؛ مع التشديد على تنشئة الإكليريكيين، كهنة المستقبل، وتنشئة الشبيبة وتثبيت العائلة في قيمها ودعائمها.
-ثالثاً: التجدّد في المؤسسات؛ وهو يعنينا أولاً كمطرانية والدوائر والمؤسسات التابعة لها؛ ثم تجدّد رعايانا وأخوياتنا وجمعياتنا ولجان أوقافنا لتصبح شاهدة لحضور المسيح في خدمة المحبة.
هذه هي مسؤوليتنا نتحمّلها معاً في خدمة كنيستنا وفي إعادة بناء وطننا لبنان، الوطن الرسالة في العيش معاً بالاحترام المتبادل لتنوّع ثقافاتنا وطوائفنا.
ولا خوف علينا طالما أننا ثابتون في إيماننا بالمسيح ومتمسّكون بأرضنا وقيمنا. آمين.