عظة المطران خيرالله في قداس رعية جربتا 17-6-2012

عظة المطران منير خيرالله
في قداس الشكر في كنيسة مار عبدا- جربتا
الأحد 17 حزيران 2012
 
يا أبناء وبنات جربتا ويا أهلي الأحباء،
        بتأثر عميق أحتفل معكم اليوم بقداسي الأول في جربتا بعد رسامتي الأسقفية. وأعود إلى أرض طفولتي التي عشتها في جربتا في بيت جدي اسطفان.... إنها أرض مقدسة .
إني أفتخر بانتمائي إلى هذه الأرض التي تقدست فيها وقدّستها جارتنا الراهبة رفقا. والأرض التي أعطت العظام للكنيسة وللوطن. كيف لا أذكر المطران بولس بصبوص الذي خدم رعية البترون، ثم رعية الإسكندرية، ثم عيّنه البطريرك الياس الحويك سنة 1899 أول وكيل بطريركي له في باريس، وسنة 1900 مطراناً على أبرشية صيدا وصور والأراضي المقدسة، حيث بقي حتى وفاته سنة 1917. وكيف لا أذكر الراهبات في دير مار يوسف جربتا: الأخت يوسفيه والأخت محبة والأخت مسيحية وخالتي أورسلا.
في إنجيل اليوم، ونحن في زمن العنصرة زمن الروح، قال يسوع لتلاميذه على انفراد: «طوبى للعيون التي تنظر ما أنتم تنظرون ! فإني أقول لكم: إن أنبياءَ وملوكاً كثيرين أرادوا أن يروا ما أنتم تنظرون فلم يروا، وأن يسمعوا ما تسمعون، فلم يسمعوا !». (لوقا 10/24).
        إنها نعمة من الله أن نعيش نحن أبناء جربتا وجيران القديسين على هذه الأرض المقدسة. فلأي من الناس أعطيت هذه النعمة أن يكون لهم في محيط بضعة كيلومترات أربعة أو خمسة ضرائح قديسين أصبحوا منارةً للكنيسة الجامعة وللعالم كله ؟
نعم، نحن نقدّر هذه النعمة العظيمة ونشكر الله عليها كل يوم.
وهذا بفضل العائلات التي عشنا وتربينا فيها، بفضل آباء وأجداد ساروا أمامنا على درب القداسة، وارتضوا كل التضحيات في سبيل أن نتربّى على القيم المسيحية والمارونية، التي هي المحبة والإخلاص والتضحية والتضامن، وأن نحافظ على إرث كنيستنا العريق، إرث القداسة والشهادة.
إني أعود بالذكرى معكم إلى مراحل طفولتي في جربتا، عند جدي اسطفان الذي ربّانا على الإيمان وعلى التعبّد لله وتكريم قديسيه بشفاعة العذراء مريم. وكان هو رجل إيمان ينقل الجبال. وأذكر كيف تلقّى خبر وقوع أخي سمير في البئر في آب 1959، سنة بعد وفاة والدينا في مراح الزيات، وقد عايش أهلنا في جربتا هذا الحدث الأليم. وكيف تعامل مع هذا الحدث وطلب من الله أن لا يحرم سمير من الحياة بعد أن أخذ له والديه منذ أقل من سنة. وبصلواته وإيمانه عاد سمير إلى الحياة بأعجوبة بعد أن كان مائتاً طبّياً في العناية الفائقة في مستشفى أوتيل ديو لمدة اثني عشر يوماً... وكيف جاء به إلى البيت معافاً تماماً بعد أن زار معه معبد سيدة لبنان في حريصا، وضريح القديس شربل في عنايا وضريح القديسة رفقا في دير مار يوسف جربتا حيث كنا ننتظره مع الراهبات لنصلي معاً ونشكر الله على هذه النعمة.
يا ابناء وبنات جربتا، يا أبناء جيلنا،
تذكرون كم ترافقنا في طفولتنا وشبابنا في زيارة كل بيوت جربتا. وكم ركضنا معاً ولعبنا معاً. كم صلّينا معاً وخدمنا الكنيسة معاً. كم كان سهل علينا النزول إلى دير مار يوسف سيراً على الأقدام ونحن نصلّي معاً المسبحة. فنزور ضريح القديسة رفقا ونصلي مع الراهبات ونعود إلى جربتا، وكانت خالتي أورسلا وخالتي رجا تبقيان واقفتين على سطح الكنيسة تراقباننا حتى نصل بسلام إلى البيت.
كم كنا حقيقةً قلباً واحداً ونفساً واحدة يحرسنا قديسونا ويباركنا أهلنا.
وكم أذكر بنوع خاص الاحتفالات الكبيرة التي استقبلتموني فيها مباشرة بعد رسامتي الكهنوتية سنة 1977.
إنها أحداث طبعت تاريخ كل بيت من بيوتنا وكل عائلة من عائلاتنا. إنها الذاكرة التاريخية التي علينا أن ننقلها إلى أولادنا وأجيالنا الطالعة كما التربية التي تربّينا عليها في القيم المسيحية والإنسانية.
تعالوا نربّي أولادنا كما تربّينا على المحبة والتضحية والتضامن، على الحرية والكرامة، على الكَرَم وحسن الضيافة، وأنتم سلالة العائلة المعادية المعروفة بكَرَمها اللامحدود. تعالوا نربّيهم على حبّ كنيستهم، كنيسة المسيح على اسم مارون، كنيسة القديسين. تعالوا نربّيهم على حبّ أرضهم، أرض القداسة، وعلى التمسّك بها لأنها تمثّل عنصراً هاماً من عناصر هويتنا المارونية واللبنانية.
تعالوا نخبرهم عن تاريخ الآباء والأجداد وعن صمودهم في إيمانهم وفي أرضهم بالرغم من فقرهم ومن الظروف الصعبة التي مرّت عليهم.
تعالوا نقول لهم كم هم محظوظون أنهم وُلدوا في جربتا، وأنهم ورثة آباء وأجداد قديسين.
إني أقدّم قداسي اليوم، أولاً على نية كل الذين سبقونا إلى مجد القيامة في ملكوت الآب السماوي من أبناء وبنات هذه الرعية الحبيبة. وثانياً، على نية كل عائلاتها، كبارها وصغارها وشبابها، كي يباركهم الله بشفاعة العذراء مريم ومار عبدا والقديسة رفقا، فيكونوا شهوداً للمسيح على خطى الآباء والأجداد ثابتين في إيمانهم بالله وفي محبتهم لبعضهم البعض. آمين.