عظة المطران منير خيرالله
في قداس الشكر في حردين
لمناسبة الذكرى الثامنة لإعلان قداسة نعمة الله الحرديني
الأحد 20 أيار 2012
حضرة الأب دانيال ديب خادم الرعية
حضرة رئيس وأعضاء المجلس البلدي
أبناء وبنات حردين – بيت كساب
بفرح كبير أحتفل معكم، يا ابناء حردين- بيت كساب، بقداس الشكر لله على القديس نعمة الله ابن بلدتكم، ولمناسبة السنة الثامنة على إعلان قداسته في روما على يد البابا الطوباوي يوحنا بولس الثاني في 16 أيار 2004. ونحن نعيش معكم بتأثر هذا الاحتفال لأننا نشعر أننا حاملو تاريخ عريق وتراث كبير، وأننا حاملو دعوة سامية إلى القداسة.
وأن نحتفل بهذا القداس على أرض حردين، وفي بيت القديس نعمة الله بالذات، هذه علامة من الله ودعوة منه إلى أن نعود إلى أصالة إيماننا لنعلم، كما يقول القديس بولس اليوم في رسالته إلى إلى أهل أفسس «ما هو رجاء دعوته، وما هو غنى مجد ميراثه في القديسين، وما هي عظمة قدرته الفائقة من أجلنا، نحن المؤمنين، بحسب عمل عزة قوته في المسيح» (أفسس 1/17).
إننا مدعوون إلى أن نقدّر غنى مجد ميراث الله في القديسين الذين أعطاهم لأرضنا البترونية ولبلدة حردين بالذات. إنها نعمة عظيمة علينا أن نستحقها كل يوم.
بلدتكم هي بلدة الكنائس والمحابس والمزارات؛ بلدة القديسين. هي الأرض المسيحية التي حمل أهلها تراث القيم والثوابت المارونية، وأولها وأهمها الحرية، حرية أبناء الله التي استحقها لنا يسوع المسيح الابن بموته وقيامته.
حردين هي البلدة التي استقبلت منذ بداية المسيحية المضطَهَدين والمهدَّدين، وكُلَ مناشد الحرية، لكي يعبّروا من هنا وبحرية عن معتقدهم ورأيهم وحضارتهم وثقافتهم.
يا أبناء وبنات حردين- بيت كساب،
دعوتُكم من دعوة الأبرشية، ودعوة الأبرشية من دعوتكم؛ وهي دعوة واحدة إلى القداسة. فأبرشية البترون هي أبرشية القداسة والقديسين بفضل الذين سبقونا على أرض حردين وتنورين وكفرحي وجربتا وحلتا وكفيفان والبترون، ومنهم قديسُكم نعمة الله.
أخذتم عن آبائكم وأجدادكم عيش القيم المسيحية والمارونية وتوارثتموها، وأنتم اليوم تحفظونها في ذاكرتكم. فنحن نطلب منكم اليوم أن تنقلوا هذه القيم إلى أولادكم والأجيال الطالعة كي يكونوا هم بدورهم معالِمَ قداسة وروّاد حرية.
ونحن نحثّكم ونستحلفكم بالله أن تحافظوا على ميزتين كُبَريين وأن تتمسكوا بقيم ثلاث؛ وهذه الخمسة هي من ثوابت كنيستنا المارونية ومن أهم عناصر هويتنا الإنطاكية.
أولاً: أن تحافظوا على الدعوة النسكية التي امتاز فيها آباؤنا على مدى خمسة عشر قرناً بالعيش في العراء على قمم جبال لبنان من جبيل إلى البترون إلى الجبّة، أو في قعر وديان قنوبين وتنورين وحردين، وبالوقوف المستمر وبالصلاة والصوم والسهر والتقشف والعمل في الأرض.
ثانياً: أن تحافظوا على الحرية التي ناضل من أجلها آباؤنا وواجهوا الامبراطوريات والسلطنات على أنواعها ودفعوا الغالي والنفيس في سبيل الحفاظ عليها ونَقلِها إلينا ذخيرة ثمينة.
ثالثاً: تمسّكوا بأرضكم. فأرضنا هي أرض قداسة. هي وقف لله. أجدادنا تعبوا عليها وسقوها من عرق جبينهم وحوّلوها إلى جنّات ليعتاشوا منها بكرامة ورأس مرفوع. لا يحقّ لنا إذاً أن نفرّط بها أو أن نتركها للبور أو أن نضيّعها أو أن نبيعها حتى ولو بأغلى الأثمان.
رابعاً: تمسّكوا بالعائلة وبقيم العائلة. فكل عائلة من عائلاتنا هي كنيسة مصغّرة، وهي علّةُ وجودنا الحرّ وعيشِنا لإيماننا ومصدرُ قدّيسينا. إنها الذاكرة التي نحملها وننقلها بأمانة من الأجداد إلى الآباء إلى الأبناء.وسنبقى نحملها وننقلها.
خامساً: تمسّكوا بالثقافة التي ضحّى أجدادنا وآباؤنا في سبيل أن يحصل الأبناء عليها. كانوا يضحّون بالكثير، دون أن يبيعوا أرضهم ودون أن يرضخوا للإغراءات، في سبيل أن يتعلّم ويتثقف أبناؤهم. فكانوا رواد الحداثة في هذا الشرق ورواد النهضة العربية.
وكان آباؤنا، في عيش هذه الثوابت الخمس، خداماً للمحبة؛ ووضعوها في خدمة الإنسان، كل إنسان، أياً كانت جنسيته أو ديانته أو طائفته أو ثقافته. متشبهين بذلك بالسيد المسيح الذي ارتضى أن يتبنّى الإنسانية بكل ضعفها ونقصها ويذهب فيها حتى التضحية، حتى بذل الذات والموت على الصليب، لكي يمنحها الخلاص ويعطيها الحياة.
وكانوا يضعون نُصْب أعينهم وصية السيد المسيح، وصية الوصايا: « أحبوا بعضكم بعضاً كما أنا أحببتكم. بهذا يعرف العالم أنكم تلاميذي إن كان فيكم حبّ بعضكم لبعض» (يوحنا 13/34-35).
نحن اليوم نواجه خطر ضياع هذه الثوابت وهذه القيم. وإذا خسرناها ، هل نبقى موارنة ؟ وهل نبقى مسيحيين ؟
ندائي لكم اليوم: حافظوا على هذه القيم في عيشكم اليومي، ضعوها في خدمة الإنسان في لبنان، في خدمة إخوتكم في المواطنية، الذين بنيتم معهم لبنان، الوطن الرسالة. عيشوا دعوتكم إلى القداسة.
تعالوا نتكاتف ونتضامن لنتحمّل معاً مسؤولية تطبيق ما وضعتُه في أولويات خدمتي الأسقفية بينكم: أي التجدّد الروحي. وبالمحبة والتجدّد الروحي نعود إلى ينابيعنا الروحانية وجذورنا الإنطاكية ونشهد للمسيح في مجتمعاتنا وأوطاننا ونحن الأصيلون فيها.
فلنسأل ذلك بشفاعة العذراء مريم، سيدة لبنان، والقديس نعمة الله وكل قديسينا. آمين.