عظة المطران منير خيرالله
في قداس الشكر في رعية كفرعبيدا
الأحد 29 نيسان 2012
كفرعبيدا، حاملة تراث الآباء والأجداد
أحبائي أبناء وبنات رعية كفرعبيدا.
في الأحد الرابع من زمن القيامة، أحد الصيد العجائبي، تدعونا الكنيسة إلى وقفة تأمل مع يسوع الذي يظهر لتلاميذه للمرة الثالثة على بحيرة طبريّه، وإلى اتخاذ الأمثولة لحياتنا اليومية.
كان الرسل والتلاميذ لا يزالون غير مصدّقين خبر قيامة الرب يسوع، بالرغم من أنه كان قد بدأ يظهر لهم ويطمئنهم ويشجعهم ويذكّرهم بكل ما علّمهم إياه.
ابتعدوا عن العالم واجتمعوا في العلّية وأقفلوا الأبواب من شدة خوفهم على مستقبلهم وعلى مصيرهم لئلا يصيبهم ما أصاب معلّمهم يسوع فيسلّمهم رؤساء اليهود إلى المحاكمة ثم إلى الموت.
وللخروج من هذه العزلة، اقترح سمعان بطرس على رفاقه الذين كانوا معه أن يذهب «ليصطاد سمكاً» (يوحنا 21/1-14)، أي أن يعود إلى حياته العادية التي كان فيها قبل أن يدعوه يسوع ويسلّمه رعاية كنيسته ومفاتيح ملكوت السماوات.
«فخرجوا معه وركبوا السفينة، فما أصابوا في تلك الليلة شيئاً». «ولما طلع الفجر، وقف يسوع على الشاطئ وكلّمهم، فلم يعرفوه. فقال لهم: ألقوا الشبكة إلى يمين السفينة تجدوا. وألقوها، فما قدروا على اجتذابها من كثرة السمك».
يدعو يسوع رسله الخائفين والقلقين واليائسين إلى الإيمان به دون تشكيك وإلى الإنطلاق في الرسالة التي هيّأهم لها طيلة حياته الرسولية بينهم. وانطلقوا فعلاً، بعد حلول الروح القدس عليهم، إلى العالم كله يحملون بشرى الخلاص ويعلنون أن يسوع المسيح هو الرب والإله الذي صار إنساناً وحمل إنسانيتنا وارتضى أن يموت على الصليب من أجل فدائنا، وبقيامته أعطانا الحياة الجديدة.
نشعر كلنا اليوم أننا نعيش ربما الحالة ذاتها التي كان يعيشها الرسل، إذ نحن خائفون من واقعنا المؤلم وقلقون على مصيرنا ومستقبل أولادنا. نتعب ونكّد ونجاهد ولا نتيجة ملموسة. والصعوبات والحواجز تعترض طريقنا.
لكن يسوع حاضر معنا، هو ينتظرنا عند مطلع كل فجر ليُسمعنا كلمته صانعة المعجزات، ويضرب لنا موعداً في الإفخارستيا- القداس – ذبيحة الشكر، حيث نعيش سرّ حضوره الدائم، فنأكل جسده ونشرب دمه وننال النعمة التي تجعل منا خليقة جديدة.
يا أبناء وبنات كفرعبيدا،
أحتفل معكم اليوم، أنا خادمكم في المحبة على مثال الرب يسوع، بقداس الشكر لله، الآب والإبن والروح القدس، على ما أنتم عليه في مسيرة آبائكم وأجدادكم الذين رسموا لكم طريق الشهادة للمسيح بعيش القيم المسيحية والإنسانية، والتي تتمثل بالنخوة والإندفاع في المحافظة على إيمانكم بالمسيح وعلى تعلّقكم بكنيستكم وبأرضكم المقدسة.
أشكر الله معكم على كل الذين أعطتهم بلدتكم الحبيبة إلى الوطن وإلى الكنيسة، لا سيما المطران بطرس الفغالي الذي رافق البطريرك العظيم الياس الحويك، والخوري الياس الفغالي الذي خدمكم في المحبة. وسلسلة القانونيين الكبار الذين رفعوا اسم بلدتكم عالياً في فرنسا وبلجيكا ولبنان، أي الخوارنة الأسقفيين ميشال وجوزف وباخوس الفغالي. وأخيراً الخوري بولس الفغالي المرجع الكبير في الكتاب المقدس والحاضر معكم في كل المناسبات.
إني أشكر الله معكم على الخوري سامي سلوم الذي خدمكم خمساً وعشرين سنة بالمحبة والتضحية والعطاء. فذبيحة القداس اليوم نقدمها على نيته كي يكافئه الله على عطاءاته واندفاعه ويمنحه الصحة والعافية لمتابعة رسالته في خدمة الكنيسة.
إني أدعوكم اليوم، في قداس الشكر هذا، مع خادمكم الجديد، ولو لفترة انتقالية، المونسنيور بطرس خليل، إلى عيش التجدد الروحي المبنيّ على كلمة الله في الكتاب المقدس والصلاة وشهادة الحياة في المحبة. إنه الموضوع الذي وضعتُه في سلّم أولويات خدمتي الأسقفية لأبرشية البترون، أبرشية القداسة والقديسين. وأدعوكم إلى الإلتزام بتحقيق هذا التجدد على كل المستويات. فأنتم تتحمّلون، مع أسقفكم وخادم رعيتكم، مسؤولية تجدّد الكنيسة، كنيسة البشر؛ أي على مستوى المجلس الرعوي ولجنة الوقف والأخوية والشبيبة والطلائع والفرسان والحركة الرسولية المريمية والجوقة والعائلات وغيرهم.
تعالوا إذاً نشبك الأيدي ونتعاون في تحمّل مسؤولياتنا فننقل إلى أولادنا ما نُقل إلينا من الآباء والأجداد من تراث عريق في القداسة والثقافة والعمل الإنساني، ونربي أولادنا عليه، فيكونوا بدورهم شهوداً للمسيح القائم من الموت. ولنطلب ذلك بشفاعة العذراء مريم سيدة لبنان ومار مارون ومار سركيس وباخوس وكل قديسينا وشفعائنا.
تعالوا نسمع صوت الرب يسوع ينادينا عند مطلع كل فجر وفي مناسبة كل إفخارستيا، فنكون على استعداد لنلقي بأنفسنا، وكما فعل سمعان بطرس، في بحيرة هذا العالم. تعالوا نعيش حضوره الفعلي في ما بيننا لنستعيد قوّتنا وجرأتنا على الإعلان أنه هو الرب والإله، وأنه هو الذي غلب العالم، وأبوابُ الجحيم لن تقوى على كنيسته. آمين.