عظة المطران خيرالله في قداس الشكر في البترون 2-3-2012

عظة المطران منير خيرالله
في قداس الشكر في كاتدرائية مار اسطفان
البترون في 2 آذار 2012
 
سلام المسيح أعطيكم ومحبتي أستودعكم
 
        شاء الله بعنايته أن يكون اليومُ الذي فيه أقدّم معكم قداس الشكر له، هو الله الآب والإبن والروح القدس، اليوم الذي تحتفل فيه كنيستنا بعيد مار يوحنا مارون البطريرك الأول وشفيع أبرشيتنا، ويومَ جمعةٍ من جمعات الصوم؛ فيكون قداساً يسبقه درب الصليب ويتبعه زياح الصليب !
        إنه يوم مميّز يريدنا الله فيه أن نعود إلى سرّ الحب المطلق، سرّ التضحية على الصليب، تضحية ربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح في قمّة عطاء الحب الذي يقبل أن يبذل ذاته في سبيل من يحبّ، حتى الموت على الصليب.
        أن نعود إلى الليلة المقدسة التي فيها صلّى يسوع مع رسله وتلاميذه قبل أن يودّعهم ويسلّم ذاته إلى مشيئة الآب. صلّى من أجلهم كي يحفظهم الآب ويقدّسهم ليكونوا واحداً (يوحنا 17/11)، ويحفظهم من الشرير (يوحنا 17/15). ولما رآهم يحزنون وينتحبون على فراقه، قال لهم معزياً: «لن أترككم يتامى، فإني أرجع إليكم» (يوحنا 14/18). «السلامَ استودعكم، سلامي أعطيكم. فلا تضطرب قلوبكم ولا تفزع. سمعتموني اقول لكم: أنا ذاهب ثم أرجع إليكم. لو كنتم تحبوني لفرحتم بأني ذاهب إلى الآب لأن الآب أعظم منّي» (يوحنا 14/27-28). «قلتُ لكم هذه الأشياء ليكون فيكم فرحي ويكون فرحكم تاماً» (يوحنا 15/11).
        إنه إذاً لقاء فرح وقداس شكر لله على كل ما عشناه معاً في خلال عشرين سنة قضيتها بينكم بالخدمة والمحبة.
        عيّنني سيادة راعي الأبرشية المطران بولس آميل سعاده خادماً لرعية البترون خلفاً للخوري المطران فرنسيس البيسري.
ونهار الأحد 20 تشرين الأول 1991، دخلت الرعية وحيداً. ولم يكن لي سوى أن أعطي شهادتي وأروي قصتي التي بدأت مع الصليب في 13 أيلول 1958 ليلة استشهاد والديّ، وكنتُ أعرف أن حبة الحنطة إن لم تقع وتمت في الأرض تبقى مفردة، وإن ماتت أتت بثمار كثيرة (يوحنا 12/24).
ولكني سرعان ما بدأت أكتشف أني تسلّمت رعية طيّبة ومُحبّة ونشيطة ومجموعة باسم المسيح تحت راية مار اسطفان الشهيد الأول في الكنيسة. وتعرّفت إلى أشخاصها وإلى حركاتها وجمعياتها وإلى المواهب الفنيّة والمتنوعة التي تتمتّع بها. ومعهم أكملت مسيرة سلفي جامعاً أبناء وبنات الرعية في وحدة حياة روحية وإجتماعية من أجل شهادة للمسيح دائماً أفضل. وكان تجاوبكم كبيراً.
        فأسسنا معاً سنة 1993 المجلس الرعوي، وكان الأول في أبرشيتنا، الذي يجمع في الوحدة والمحبة ممثلين عن أبناء الرعية والرهبانيات والحركات والمنظمات الرسولية. ورحنا نجهد معاً مشدّدين على الإلتزام الكنسي والإنفتاح على الرابطات والنوادي الإنسانية والثقافية والإجتماعية، وعلى الإحترام المتبادل؛ وذلك كنقطة إنطلاق لتقريب وجهات النظر والإقتناع بأننا جميعنا نعمل في كنيسة محلّية واحدة، كنيسة المسيح في البترون، وبأننا ننتمي إلى هذه الكنيسة التي هي أمنا ومعلمتنا.
        وترسّخت مع الوقت هذه القناعات الكبرى وتعوّدنا أن نعمل معاً في كنيسة وأن نحترم موهبة كل شخص وكل حركة ومنظمة تاركين لها المجال الكافي للتعبير عنها في عطاءاتها المختلفة.
        ورحنا ننشئ اللجان ونوزع عليها العمل. وكانت رسالة الأحد ولا تزال العلامة الفارقة وجسر العبور إلى القريبين والبعيدين من أبناء الرعية المقيمين والمنتشرين في العالم. وكنا نعقد في مطلع كل سنة طقسية خلوة في أحد الأماكن المقدسة التي تعيدنا إلى أصالة روحانيتنا الإنطاكية السريانية، لنصلّي معاً ونضع الإطار العام لموضوع السنة ونرسم خطة العمل التي نلتزم بتنفيذها معاً بروح كنسية جامعة. وكان التنسيق الكامل يتمّ بين المجلس الرعوي واللجان ولجنة الوقف، بحيث وضعنا نُصب أعيننا الهدف الرسولي الذي يتخطى كنيسة الحجر، بالرغم مما قمنا به بإشراف لجان الوقف المتعاقبة بإنجازات كبيرة تشهدون لها، ليصل إلى كنيسة البشر فنخدم معاً في المحبة القريبين والبعيدين ونشهد لهم أن المسيح يحبّهم حبّاً كاملاً.
وكان في أولويات عملنا الرسولي راعوية العائلة والشبيبة وخدمة المحبة.
وها نحن اليوم نقطف ثمار ما زرعناه معاً في مسيرة عشرين سنة من العمل الدؤوب والكنسي الصامت.
إني في هذه الليلة أجثو أمام الله الآب وأصلّي له مع يسوع المسيح الإبن قائلاً:
يا أبتِ أشكرك عن أبناء وبنات رعيتي الذين وهبتهم لي لكي أخدمهم في المحبة على مثال إبنك يسوع وأكرّسَ ذاتي من أجلهم كي لا يهلك أحد منهم.
أشكرك عن كل واحد منهم وعن كل عائلة من عائلاتهم. وإن لكل واحد مكانةً في قلبي.
يا ابتِ قدّسهم في الحق ليكونوا أنبياء الحق وحاملي الرجاء إلى عالمهم. قدّسهم في المحبة ليكونوا شهود المحبة في حياتهم والتزاماتهم الكنسية والعائلية والإجتماعية والسياسية والتربوية والثقافية.
أنا أغادركم اليوم. لكني لن أترككم يتامى. فكل العمل الكنسي الذي قمنا به يساعدكم على متابعة إلتزامكم بتحمّل مسؤولية رعيتكم مع الخوري بيار رفيق الدرب منذ أحد عشر سنة والخوري ريمون الذي سيساعده. فلا تضطرب قلوبكم ولا تفزع، لأني أستودعكم سلام المسيح وأتمنى أن تعمّ الفرحة قلوبكم وتكون فرحتكم كاملة لأنكم أعطيتم إلى الكنيسة وإلى أبرشية البترون أسقفاً كان خادمكم طيلة عشرين سنة.
فإذا كنا نجحنا في التحدي الكنسي وجعلنا من رعيتنا جماعة مسيحية تتناغم في التضامن والتعاون وفي عيش الإيمان الواحد، فهذا بفضلكم أنتم يا من كنتم إلى جانبي في تحمّل المسؤوليات الجسام.
وإذا كان الرب يسوع قد دعاني إلى خدمة أكبر على مستوى الأبرشية، فسأستعين بصلواتكم وخبراتكم وبكل ما تعلَّمته منكم ومعكم لكي أنجح في خدمتي الأسقفية التي اتخذت شعاراً لها: «خدمة ومحبة». وسأتّكل على العناية الإلهية التي رافقتني منذ طفولتي، وعلى شفاعة العذراء مريم التي أصبحت أمي منذ اللحظة التي غادرت فيها والدتي هذه الحياة وسلّمتني إلى حمايتها، وشفاعة مار اسطفان ومار مارون ومار يوحنا مارون والقديسة رفقا جارتي والتي ستكون شفيعتي في خدمتي الأسقفية.