عظة المطران خيرالله في سيدة الانتقال تنورين الفوقا 11-3-2012

عظة المطران منير خيرالله
قداس الشكر - كنيسة سيدة الإنتقال – تنورين الفوقا
الأحد 11 آذار 2012
 
صاحب السيادة، أبي الروحي ومرافقي، المطران بولس آميل سعاده السامي الإحترام،
قدس الأب العام طنوس نعمه، ابن لحفد
قدس الأب العام بطرس طربيه ابن تنورين
إخوتي وأخواتي الكهنة والرهبان والراهبات
صاحب المعالي والسعادة الشيخ بطرس حرب،
سعادة النائب منوال يونس أوجه لك تحية خاصة يا من كنت تتمنى أن تكون معنا
حضرة رئيس بلدية تنورين الدكتور منير طربيه
أصحاب المقامات السياسية والمدنية والثقافية والتربوية والإجتماعية،
أيها الأخوات والإخوة الأحباء.
يا أبناء وبنات تنورين، كل تنورين، أينما كنتم، هنا أو موزعين في كل أنحاء لبنان أو منتشرين في بلدان العالم الواسع، أوجّه إليكم تحية محبة وتشجيع وتقدير لما تحملون من إرث ماروني وبتروني ووطني كبير.
 
        وعدتكم في مشروع خدمتي الأسقفية أني سأتّبع منهح السيد المسيح الرسولي، أي أني سأطوف في المدن والقرى وأعلن للناس بشارة الملكوت (متى 9/35)، وأعلن لكم أن الله يحبّكم وأنكم معنيون بتحقيق الملكوت. وأحمل إليكم رجاءً جديداً بالمسيح الذي لا يخيّب المؤمنين به.
وأني سأمنح الأسرار للمؤمنين والتائبين فيتقدسوا، وأعطيهم ليأكلوا جسد الرب ويشربوا دمه فينالوا الحياة الأبدية (يوحنا 6/53).
وأني سأرعى بعين ساهرة كل الذين أوكلهم إليّ الرب «كي لا يهلك أحد منهم»، (يوحنا 6/39)، وبخاصة الذين هم في حاجة إلى محبة.
وأعرف تمام المعرفة أن أبرشيتي تتنفس برئتيها، البترون وتنورين، وبين الرئتين قلب نابض بالحيوية والنشاط، كفرحي.
هذا ما جعلني أختار أن أبدأ من تنورين طوافي وزياراتي الراعوية، لأقول لكم جميعاً: لكم مكانة خاصة في قلبي، وأتنفس معكم في خدمة الحياة في أبرشية البترون.
أبرشيتنا هي أبرشية القداسة والقديسين، أبرشية البطريرك الأول يوحنا مارون، ومنشأ البطريرك العظيم الياس الحويك.
لذا فإني، بعد اختياري شعاري في خدمتي الأسقفية: «أنا بينكم خادم المحبة- خدمة ومحبة»، وضعتُ مشروعاً لأسقفيتي هو مشروع كنيستنا المارونية للقرن الحادي والعشرين، أي المشروع الذي صاغه آباء المجمع البطريركي الماروني لتجدّد كنيستنا في أشخاصها ومؤسساتها ورسالتها الريادية في الشرق والغرب، وذلك بالعودة إلى الينابيع الروحانية وإلى عناصر هويتنا الأنطاكية السريانية، وبالإلتزام بعيش التجدّد في كل الميادين.
وفي هذا المشروع وضعت في أولوياتي الراعوية:
-       أولاً: التجدّد الروحي المبني على كلمة الله في الكتاب المقدس والصلاة وشهادة الحياة. وإني سأعطي أهمية كبرى لهذا التجدّد الروحي، وبخاصة أن أبرشيتنا تحوي ذخائر وضرائح القديسين: هامة مار مارون في كفرحي، ضريح القديسة رفقا في جربتا، ضريحي القديس نعمة الله والأخ اسطفان في كفيفان، وضريح البطريرك الياس الحويك في عبرين.
والتجدّد الروحي يفترض مسيرة توبة وصلاة وتغيير الذهنيات.
لذا تمنيت أن تكون أديارنا مراكز صلاةٍ وفكرٍ وإشعاع روحي؛ وأن تكون رعايانا واحاتٍ روحية يصلّي فيها المؤمنون ويضجّ فيها النشاط الرسولي وتنمو فيها الحركات والمنظمات الرسولية والدعوات الكهنوتية والرهبانية.
وفي هذا المجال أقول إن منطقتنا عانت طويلاً من تقطيع أوصالها ومن قطع وسائل التواصل بين جردها وساحلها. أما اليوم وقد اصبح لنا طريق سريع يربط البترون بتنورين، فإني أنوي أن أفتتح معكم مشروعاً جديداً، ألا وهو الطريق الروحي السريع الذي يعيد ربط وادي جربتا بوادي تنورين، وكفيفان بحردين وقمة حريصا وأرز تنورين! إنها طريق القداسة والقديسين.
-       ثانياً: التجدّد في الأشخاص. وسنبدأ بأنفسنا نحن الكهنة والرهبان والراهبات. لنتجدّد بالعودة إلى أصالة الدعوة التي دعانا إليها المسيح. فنلتزم بخدمة شعبنا في المحبة، وبالتضامن مع العلمانيين بحيث نشهد لحضور المسيح في أبرشيتنا.
وسنولي أهمية كبرى لراعوية العائلة والشبيبة والطلاب الإكليريكيين. سنهتم بالعائلة. فبلدتكم تنورين، الكبيرة بقلبها وبأهلها، تعاني من تفكك في بعض العائلات.
سأعمل مع إخوتي الكهنة والرهبان ولجنة العيلة في الأبرشية على وضع خطة لراعوية العائلة تبدأ في معهد الإعداد للزواج الذي أصبح إلزامياً، وتنتهي بمرافقة المتزوجين الجدد بلقاءات التوعية العائلية بهدف العمل على استعادة القيم التي ميّزت صمود شعبنا وكنيستنا.
وسنهتّم بالشبيبة لأنهم مستقبل تنورين والكنيسة والوطن، وهم يتعطشون إلى تنشئة مسيحية معمّقة.
ونهتّم بالطلاب الإكليريكيين، ولدينا اليوم أربعة عشر طالباً إكليريكياً يتحضرون لقبول سرّ الكهنوت، خمسة منهم من رعية البترون وخمسة من رعية تنورين – هذا عدا عن الداخلين إلى الحياة الرهبانية.
وكانت أبرشية البترون لخمسين سنة خلت الخزّان البشري للدعوات الكهنوتية والرهبانية في الكنيسة المارونية، وبنوع خاص منها تنورين وكور وعبرين.
-       ثالثاًَ: التجدّد في المؤسسات. أي إني سأعمل على مأسسة الأبرشية والرعايا تماشياً مع متطلبات اليوم وبالإستفادة من التقنيات الحديثة في خدمة البشارة. وسأعمل مع لجان الوقف والمجالس واللجان الأبرشية والرعائية بروح متجدّدة ومنهجية علمية. وسأعطي دوراً لكم أنتم العلمانيين الملتزمين لأنني أؤمن أنكم تساهمون في بناء الكنيسة وتحقيق الملكوت، وأن الروح يتكلم فيكم أيضاً. إنتظروا منا إذاً أن ندعوكم إلى العمل لأن تنورين تحتاج إلى زنودكم وخبرتكم وثقافتكم واندفاعكم.
 
إني في هذا اليوم، وفيما أحتفل معكم بقداس الشكر لله في كنيسة سيدة الإنتقال، سيدة لبنان وشفيعة كنيستنا ورفيقة درب بطاركتنا وأساقفتنا في كل تنقلاتهم، أدعو أبناء وبنات أبرشيتي البترونية للعودة إلى جذورنا الروحانية الأنطاكية التي ورثناها عن آباء وأجداد قديسين.
إنها الروحانية النسكية التي امتاز فيها آباؤنا على مدى خمسة عشر قرناً بالعيش في العراء على قمم جبال لبنان أو في قعر الوديان والتي جعلتهم، كالمسيح على الصليب، معلّقين بين الأرض والسماء؛
وبالوقوف المستمرّ الذي سمح لهم بأن لا يرتخوا فيرضخوا فيُستعبدوا.
وبالصلاة والصوم والسهر والتقشف مترفّعين عن كل مغريات الدنيا؛ وبالعمل في الأرض الصخرية الوعرة التي حوّلوها إلى جنات تعطيهم الغلاّت الوافرة. وذلك بفضل القيم المسيحية التي مارسوها في عيشهم، كالمحبة والتضامن والكرامة والحرية، بذهنية الخدمة المجانية والتضحية والعطاء.
يا أبناء هذا الجرد الأبيّ، كان أجدادكم يزرعون لكم اشجار التفاح والإجاص والكرز ويضحّون بسنوات قبل أن تقطفوا أنتم المواسم الوفيرة. فيما أنتم اليوم تواجهون تحديات مجتمع الإستهلاك وذهنية الربح السريع ومواسم خيم النيلون !
عودوا إلى قِيَمكم وتمسّكوا بأرضكم. فأرضنا هي أرض مقدسة اقتطعها الله وقفاً له ! وفَهِم أجدادنا ذلك، فحافظوا عليها حفاظهم على عائلاتهم وتعبوا عليها وسقوها من عرق جبينهم، واعتبروها دوماً وقفاً لله. فكانت عنصراً هاماً من عناصر هوّيتهم وسبب خصوصيتهم ووجودهم الحرّ في هذا الشرق. فلا يحقّ لنا أن نفرّط بها أو أن نتركها للبور أو أن نبيعها حتى ولو بأغلى الأثمان.
تعالوا إذاً نشبك الأيدي ونتعاون في تحمّل مسؤولياتنا الكنسية والإجتماعية والسياسية والوطنية من أجل بناء كنيسة مارونية متجدّدة أبداً بالشهادة للمسيح في الحق والحرية والكرامة وفي خدمة الإنسان، كل إنسان، في لبنان وفي بلدان المشرق وبلدان الإنتشار.
إنها رسالة كنيستنا ورسالة وطننا لبنان، بلد العيش الواحد ووطن العيش المشترك في الإحترام المتبادل ولقاء الحضارات والثقافات والديانات.
فلنطلب ذلك بشفاعة العذراء مريم ومار مارون ومار يوحنا مارون وكل قديسينا. آمين.