20-1-2013 قداس في البترون أحد الكهنة

عظة المطران منير خيرالله

في قداس أحد الكهنة- مع كهنة الأبرشية والإكليريكيين

20/1/2013، في كاتدرائية مار اسطفان- البترون

 

« طوبى للعبد الذي يأتي سيده فيجده فاعلاً هكذا» (لوقا 12/43).

 

إخوتي الكهنة والرهبان والإكليريكيين،

أخواتي الراهبات، أحبائي جميعاً،

 

        بفرحة كبرى نلتقي معاً الليلة، نحن الكهنة وأنتم معنا المشاركين في كهنوت المسيح، لمناسبة أحد الكهنة الذي تدعونا فيه الكنيسة إلى أن نرفع الصلوات من أجل الأحبار والكهنة الذين سبقونا في خدمة كنيسة المسيح، والذين ضحّوا وبذلوا ذواتهم في سبيل أن يبقوا أمينين للوكالة التي تسلّموها من السيد المسيح.

الكهنوت في تعليم الكنيسة، والكهنوت في تراث كنيستنا الانطاكية السريانية المارونية، هو خدمة، لأنه ينطلق من المسيح ابن الله الذي جاء ليَخدم لا ليُخدم. وينطلق الكهنوت من المسيح الكاهن الأوحد والأبدي، ومنه كل كهنوت في السماء وعلى الأرض. الكهنوت هو خدمة، أراده الله لخدمة شعبه. ويسوع المسيح هو منذ الأزل وإلى الأبد الكاهن الأوحد، الحامل الكهنوت، كهنوت خدمة الإنسان من الله الآب المحبة المطلقة، الذي أراد أن يتجسّد ابنه يسوع المسيح إنساناً مثلنا ويحمل إنسانيتنا وضعفها ونقصها ويحمل خطايانا حتى الصليب، حتى الموت على الصليب، ويكون هو القربان والذبيحة الأخيرة التي تقدم لفداء البشرية جمعاء؛ ويعطينا بقيامته حياة جديدة.

هذا هو الكهنوت. هذا هو كهنوت المسيح.

قبل المسيح كان الكهنوت خدمة لتقديم الذبائح وخدمة للهيكل. مع المسيح أصبح الكهنوت قرباناً وذبيحة عن البشرية جمعاء. هذا هو يسوع المسيح مثال كهنوتنا. ومنه أخذنا نحن الكهنوت. كلنا نشارك بكهنوت المسيح، أي نحن المعمدين باسم الابن والروح والذين أخذنا نعمة الولادة الثانية وفيها تطهرنا من خطايانا وولدنا من جديد أبناء لله وصالحنا المسيح مع الله الآب، فصرنا كلنا حاملي مسؤولية وحاملي وكالة من المسيح لأننا نشارك بكهنوته، كل واحد منا بقدر ما يحمل وحيث هو. هذه مشاركتنا في كهنوت المسيح، الكهنوت العام. بينما نحن الكهنة، اختارنا السيد المسيح ليسلّمنا كهنوت الخدمة لخدمة شعبه في التعليم والتقديس والرعاية. كهنوتنا لا يتميّز عن كهنوتكم إلا في سرّ الخدمة الذي تسلّمناه وديعة. وبقدر ما نحن نتفانى في هذه الخدمة، بقدر ما نتحمّل مسؤولية هذه الوكالة التي يسلّمنا إياها يسوع المسيح لنعطي الطعام لأهل بيته في حينه، ونكون دوماً على استعداد ودوماً في الخدمة، حتى إذا شاء أن يدعونا إليه نكون قائمين في خدمتنا. فطوبى لنا ساعتئذٍ. وطوبى لكل واحد منا إذا جاء سيده ووجده فاعلاً هكذا، أي يقوم بخدمة وكالته التي تسلّمها من المسيح.

نحن موكلون على خدمة شعب الله في الكنيسة. أولاً في خدمة التعليم. نحن مؤتمنون على وديعة التعليم، تعليم كلمة الله وبشارة الملكوت. والويل لنا إذا لم نعلّم وإذا لم نبشر، كما يقول القديس بولس. وفي التعليم، تعليم كلمة الله ونقلها إلى شعب الله، لنا نحن الكهنة غذاء روحي. نتغذى بكلمة الله ونتأمل فيها ونتعمق في جوهرها ومعناها لكي نستطيع أن نعطيكم إياها خالصة كاملة. فتكون كلمتنا، لا كلمة بشر ولا كلمتنا نحن، بل ننقل إليكم كلمة الله. فالمطلوب منا نحن أولاً أن نتعمق في كلمة الله ونتغذى منها، لننقلها إليكم.

ثانياً في خدمة التقديس. نحن مؤتمنون على وديعة تقديس شعب الله بالأسرار الإلهية. لأن الأسرار هي وسيلة التقديس لكل واحد منا. هنا أيضاً علينا نحن أولاً أن نتقدس في خدمتنا للأسرار، وأولها سر الإفخارستيا. فيكون محور حياتنا سر القربان. سر ذبيحة المسيح الوحيدة فداءً عن البشر. ونكون نحن في خدمتنا نعطي المثال والقدوة كما أعطاهما المسيح. وتتمركز حياتنا كلها حول المذبح. هكذا نقرأ في نصوصنا الليتورجية. فنتغذى نحن من جسد ودم الرب يسوع لكي نستطيع أن نعطيكم إياه غذاءً يومياً وزاداً لنا ولكم في الطريق على هذه الأرض. لكيما إذا عبرنا من هذه الدنيا نستطيع أن ندخل إلى ملكوت أبينا السماوي. هذا هو مصيرنا وما ينتظرنا جميعاً.

ثالثاً في خدمة الرعاية. فنحن مؤتمنون على وديعة رعاية شعب الله. ومسؤوليتنا أن نرعاه كما رعاه هو. أن نكون على مثاله هو الراعي الصالح الذي بذل نفسه في سبيل الخراف، والذي لم يوفّر تضحية في سبيل قطيعه، لكي يبقى القطيع موحداً حول الراعي الصالح والأوحد يسوع المسيح. ونحن رعاة على شبهه ومثاله مع ضعفنا ونقصنا لنقود القطيع إلى المراعي الخصيبة، إلى الملكوت. وبقدر ما نعطي من ذاتنا وبقدر ما نضحي وبقدر ما نكون نحن قدوة أمامكم في الرعاية والمحبة، بقدر ما تكونون أنتم متضامنين ومحبّين ومكوّنين معنا كنيسة المسيح.

يومنا هذا مميّز جداً لأننا كلنا نجدّد التزامنا بالمشاركة في كهنوت المسيح. فعلينا أن يتحمل كل واحد منا مسؤوليته وأن يكون أميناً ومخلصاً للوكالة التي تسلّمها من السيد المسيح. فنلتقي كلنا عندما نلاقي ربنا، لأن لنا يوم حساب ويوم دينونة، ومن أعطي كثيراً يطالب بالكثير، عند ذلك نقدم إلى الله إله الحياة والمجد والقيامة ما نكون قد قمنا به من أعمال محبة ورحمة عربون إخلاصنا ووفائنا لوكالته لنا. ونكون ساعتئذ شعب الله وكنيسة المسيح، وأبواب الجحيم لن تقوى عليها. آمين.