عظة المطران خيرالله
يوم أحد القيامة
في كاتدرائية مار اسطفان- البترون وفي دير مار يوحنا مارون- كفرحي- المطرانية
4/4/2021
« لماذ تبحثنَ عن الحيّ بين الأموات ؟» (لوقا 24/5).
يشهد متى في إنجيله على قيامة الرب يسوع قائلاً:
« ولما انقضى السبت وطلع فجر الأحد، جاءت مريم المجدلية ومريم الأخرى تنظران القبر. فإذا زلزال شديد قد حدث. وذلك بأن ملاك الرب نزل من السماء وجاء إلى الحجر فدحرجه وجلس عليه. فارتعد الحرس خوفًا منه وصاروا كالأموات. فقال الملاك للمرأتين: لا تخافا أنتما. أنا أعلم أنكما تطلبان يسوع الناصري المصلوب. إنه ليس ههنا، فقد قام كما قال» (متى 28/1-6).
أما في شهادة لوقا فيقول الملاك: « لماذا تبحثن عن الحيّ بين الأموات ؟ إنه ليس ههنا فقد قام!» (لوقا 24/5).
بموته وقيامته قَلَبَ يسوع مفاهيم البشر، وأزال الخوف من قلوب المؤمنين. فحوّل الموتَ حياةً والحياة موتًا ! وحوّل الأموات أحياءً والأحياء أمواتًا!
إنه سرُّ الحب العظيم الذي يجسِّده يسوع المسيح ابنُ الله في البشرية ومن أجلها بموته وقيامته.
إنه سرُّ الحياة والموت، سرٌّ لا يعرفه إلاّ الله الآب والابن ومن يريد الابن أن يكشفه له. ونحن نعرفه بالإيمان بالابن الذي أخلى ذاته الإلهية وصار إنسانًا ليُظهر للإنسان كم هو محبوبٌ من الله، ووصلت به المحبة إلى أن يبذل ذاته على الصليب ويعبر بالموت إلى القيامة والحياة ويجتذب إليه كلَّ مؤمن به.
إنه سرّ الحب الذي يهزم الموت وينتصر على الخوف. والمؤمنون بالقيامة يصبحون أقوى من الموت ويكسرون الخوف الذي فيهم.
أما عظماء الكهنة والفريسيون والحكّام والمتسلّطون فهم الخائفون من يسوع الناصري المصلوب « ملك اليهود». ومن خوفهم « جاؤوا إلى بيلاطس يطلبون منه أن يقيموا حّراسًا على القبر. فذهبوا وحفظوا القبر، فختموا الحجر وأقاموا عليه حّراسًا» (متى 27/62-66). ولكنهم اكتشفوا أن القبر فارغ وأن الحرّاس الذين أقاموهم على القبر ارتعدوا خوفًا من حدث القيامة وصاروا كالأموات. فلجأوا إلى لغة الإغراء والرشوة والكذب لإخفاء الحقيقة. « فاجتمعوا هم والشيوخ، وبعد ما تشاوروا، أعطوا الجنود مالاً كثيرًا وقالوا لهم: قولوا إن تلاميذه جاؤوا ليلاً فسرقوه ونحن نائمون» (متى 28/11-13).
ارتعدوا من قيامة الرب يسوع، ومن خوفهم صاروا كالأموات! نعم كالأموات ولو كانوا أحياءً. أما الأموات بالمسيح فأصبحوا أحياءً إلى الأبد مع يسوع ابن الله الذي ارتضى أن يموت على الصليب مظلومًا ومحتقرًا حبًّا بالبشر، « ليبلغ به الحبّ إلى أقصى حدوده » (يوحنا 13/1)، ومات وهو يحبّ ويغفر، وانتصر على الخطيئة والموت بالحب والمغفرة.
إننا ندعوكم يا أبناءنا الأحباء ويا إخوتنا اللبنانيين، في يوم القيامة، إلى الانتصار على الخوف والتعامل بثقة ومحبة وانفتاح خالعين عنكم الاستقواء بحرّاس القبر الفارغ وأسلحة الإنتقام والمال الحرام.
ندعوكم إلى الحوار في ما بينكم- حوار القياميين الانقياء والسياديين الصادقين– حوار المحبة والمصارحة والمغفرة والمصالحة، « الحوار الحقيقي الذي هو الحوار الصادق والجريء والشجاع والبنّاء الذي يفترض تمرُّسًا روحيًا صارمًا في مجال الإصغاء والكلام»، كما يوصينا البابا القديس يوحنا بولس الثاني في إرشاده الرسولي رجاء جديد للبنان (سنة 1997، عدد 36).
هذا الحوار بات ضروريًا اليوم، بل ملحًّا، ننطلق فيه من عمق تاريخ وطننا لبنان الغنيّ بخبرة مئات السنين في عيش جماعاته المتعدّدة بالاحترام المتبادل. ولا يكون في هذا الحوار أي مصلحة سوى قيامة لبنان وإعادة بنائه وطنًا رسالة، ودعوة جميع اللبنانيين إلى التلاقي والتآخي وحمل الرسالة المنوطة بوطنهم منذ العهود الأولى للتاريخ، ليبقى، كما كان في الكتاب المقدس، رمزًا لأرز الخلود وبياض قلب الله !