أحد القيامة، البترون وكفرحي، 31-3-2024

عظة المطران منير خيرالله

في أحد القيامة في البترون وكفرحي

31/3/2024

 511

« إنه قام وهو ليس هنا » (مرقس 16/6)

مُلكُ يسوع المسيح ابن داود في الأرض لم يَدُمّ سوى يوم واحد، يوم أحد الشعانين، ولم تغبْ عليه الشمس، إذ انتهى المجد البشري الباطل وبدأت مسيرة الفداء، مسيرة الحب في بذل الذات من أجل خلاص البشر، بتحمّل الآلام والإهانة والاحتقار وحمل الصليب إلى الجلجلة فالصلب والموت فإلى القيامة. وكان هو نفسه قد قال: مملكتي ليست من هذا العالم.

وفي يوم الأحد التالي طلعت الشمس وقام المسيح وانتصر بالمحبة والمغفرة على الظلم والظلمة والخطيئة والموت.

وبينما كان الرسل والتلاميذ في حالة خوف شديد مشتّتين ومتخّفين، تسلّحت النسوة بالجرأة « وأتين إلى القبر فجر الأحد مع طلوع الشمس، وكنّ يقلن من يدحرج لنا الحجر ؟» (مرقس 16/1-2).

« وإذا زلزلة عظيمة قد حدثت، لأن ملاك الرب نزل من السماء ودنا فدحرج الحجر وجلس عليه. فارتعد الحراس خوفًا منه، وصاروا كالأموات » (متى 28/2-4).

« ودخلن القبر وقال لهنّ الملاك: لا تنذهلن! أنتنّ تطلبن يسوع الناصري المصلوب. إنه قام وهو ليس هنا! إذهبن وقلن لتلاميذه ولبطرس: إنه يسبقكم إلى الجليل، وهناك ترونه كما قال لكم » (مرقس 16/5-7).

ثبّت يسوع بقيامته أنه ابن الله وأن مملكته ليست من هذا العالم. وبإعلان القيامة وجّه ملاك الرب رسائل ثلاث:

الرسالة الأولى إلى النسوة لِعدم الخوف على يسوع الناصري المصلوب؛ إنه قام وهو ليس هنا.

الرسالة الثانية إلى النسوة لأن يذهبن وينقلن خبر القيامة إلى التلاميذ وبطرس الذين شكّكوا ولم يريدوا أن يصدّقوا الخبر بالرغم من أن يسوع تراءى لهم مرات عدة.

الرسالة الثالثة إلى بطرس والتلاميذ بأن يكونوا على الموعد مع يسوع الذي سبقهم إلى الجليل، جليل الأمم وبوابة العالم الجديد، ليرسلهم بهدف تحقيق ملكوت الله بين البشر، مملكة المحبة والمصالحة والعدالة والسلام.

في اللقاء في الجليل، على « الجبل الذي أمرهم يسوع أن يذهبوا إليه »، أولاهم يسوع القائم من الموت السلطان الإلهي وأرسلهم قائلاً:

« إني أوليت كل سلطان في السماء والأرض. فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم، وعمّدوهم باسم الآب والابن والروح القدس، وعلّموهم أن يحفظوا كل ما أوصيتكم به. وهاءنذا معكم طوال الأيام إلى نهاية العالم » (متى 28/19-20).

فَهِمَ الرسل والتلاميذ هذا الكلام لدى حلول الروح القدس عليهم. فتحرّروا من خوفهم وانتفضوا على ضعفهم وانطلقوا في العالم كله يحملون بشارة الخلاص إلى الناس أجمعين. واجهوا الاضطهادات والحروب والاحتلالات وانتصروا على الإمبراطوريات والسلطنات بمحبتهم لبعضهم البعض وبشهادتهم للمسيح القائم من الموت.

هكذا سارت كنيسة المسيح في لبنان، وعاش أبناؤها وبناتها شهودًا للمسيح وشهداء وقديسين حاملين رسالة الانفتاح والمحبة والمغفرة والسلام إلى جميع الناس.

ولكنهم يواجهون اليوم أوضاعًا صعبة وكارثية، لا بل مصيرية، تكاد تُغرقهم في الخيبة واليأس والهجرة إلى بلدان أكثر أمانًا لمستقبلهم ومستقبل أولادهم. وتهبّ عليهم عواصف شديدة من الأنانية والتسلّط والظلم والمتاجرة والمال الحرام والفساد، وتهدّدهم عاصفة الموت الآتية إليهم من كل صوب.

إنما اليوم هو يوم القيامة!

تعالوا إخوتي المسيحيين وإخوتي اللبنانيين ندحرج الحجر عن قبورنا المكلّسة وعن عالمنا التائه في المصالح الشخصية والعداوة والتعامل بالسلاح.

حرّاس القبور والموت صاروا كالأموات بقيامة يسوع المسيح. فلماذا ننصاع لهم ؟ وماذا ننتظر منهم سوى المتاجرة بنا وبأرضنا، أرض الخير والقداسة ؟

تعالوا نتحرّر من الخوف واليأس والإحباط والعزلة والتزلّم لقوىً داخلية وخارجية إستجداءً لحقوقنا المشروعة في السيادة والاستقلال والحياة الكريمة. فالمسيح حرّرنا بموته وقيامته لنكون أحرارًا ونبقى.

إخوتي وأخواتي شبيبة البترون وشبيبة لبنان.

أنتم ورثة القديسين وأبناء بيت الله.

لا تخافوا أن تخوضوا معركة الموت والقيامة مع يسوع. مجدُ العالم باطل وأنتم الباقون، ومجد المسيح هو الأبدي في ملكوت الله. والمسيح هو المخلّص الوحيد والملك الوحيد الذي بذل ذاته ليفتدي بني البشر، وأنتم منهم ملتزمون بالرجاء.

فلا تُوالوا أحدًا سواه، ولا تكونوا أتباعًا لأحد. يريدنا المسيح أن نكون رسلاً وتلاميذ لا أتباعًا، وأنبياء الحق في العالم، لأن الحق يحررنا.

يوم القيامة هو يوم الدعوة إلى الوحدة والتضامن في سبيل إعادة بناء وطننا لبنان في دعوته التاريخية ورسالته النموذجية في الحياة معًا، نتلاقى، نتخاطب، نتحاور، صادقين، أحرارًا، لبناء السلام.

Photo Gallery