عظة المطران منير خيرالله
في قداس أخويات إقليم البترون- تكريم اللجنة الإقليمية السابقة
السبت 19/1/2013،
في الكرسي الأسقفي- دير مار يوحنا مارون- كفرحي
« تعظم نفسي الرب وتبتهج روحي بالله مخلّصي»
صاحب السيادة المطران بولس آميل (سعاده)، راعي هذه الأبرشية لأكثر من خمس وعشرين سنة وأب الأخويات منذ قبل أسقفيتك وراعيها،
حضرة الأب سمير بشاره المرشد العام للأخويات في لبنان،
حضرة الأب يوحنا مارون مفرج المرشد الإقليمي الجديد للأخويات في الأبرشية،
إخوتي الأب اغناطيوس (داغر) والخوري شربل (خشان) والخوري جورج (طنوس) والخوري انطوان (الأهل).
حضرة الأستاذ إيلي صفير رئيس رابطة الأخويات في لبنان،
أحبائي جميعاً أعضاء الأخويات في أبرشيتنا البترون.
لقاؤنا اليوم هو لقاء فرح ولقاء شكر كي نردّد مع مريم «تعظم نفسي الرب وتبتهج روحي بالله مخلصي». فأرواحنا تبتهج اليوم فرحاً وشكراً لله على كل ما أعطانا من نِعَم مجانية من فيض محبته المطلقة. شكراً على أبرشيتنا، أبرشية القداسة والقديسين؛ شكراً على كل أخوية من أخوياتنا وشبيبتنا وطلائعنا وفرساننا والزنابق. شكراً على اللجنة الإقليمية السابقة التي عملت لسنوات مع مرشدها الخوري بطرس خليفه بتضحية ووفاء.
شكراً لك يا رب لأنك أعطيتنا مريم أماً وشفيعة. هي التي عرفت كيف تشكرك بعد أن أعلنتَ لها ببشارة الملاك جبرائيل أنها ستكون أم ابن الله، المخلص، يسوع المسيح، عمانوئيل إلهنا معنا. تعاملت مريم مع هذه البشارة بتواضع وصمت. وكان جوابها: « ها أنا أمة الرب. فليكن لي بحسب قولك». أنا خادمة إرادة الله فليعمل بي ما يشاء. ورنمّت المجد والتسبيح والتعظيم للإله الذي اختارها من بين كل نساء العالم لتكون أماً لابنه. عرفت مريم أن تقدّر هذه النعمة العظيمة التي أعطاها لها الله، الله إله المحبة، الله الخالق، لكي، من خلالها، يتجسّد ابن الله يسوع المسيح بالروح القدس. وتكون هي فاتحة العهد الجديد بكلمة «نعم» لإرادة الله. وهكذا كان. فبعد البشارة راحت تزور نسيبتها إليصابات بتواضع وصمت لتخدم من كانت عاقراً وأعطاها الله أن يكون لها ابن، يوحنا المعمدان الذي يهيء الطريق للمسيح المخلص. ثم بعد الولادة، رافقت ابنها يسوع بصمت كبير؛ حملت سرّها، وكانت «تحفظ كل هذه الأمور وتتأملها بصمت في قلبها»، كما يقول لوقا في إنجيله. ورافقت يسوع حتى الصليب، حتى الموت على الصليب، حاملة الحزن والألم أيضاً بصمت كبير، وفي القيامة. وبعد القيامة رافقت كنيسته وكانت مع الرسل، كما كانت مع يسوع، الأم والشفيعة. وكانت للكنيسة، وستبقى، الأم والشفيعة.
لذا أرادت رابطة الأخويات أن تتخذ مريم شفيعة لها لكي تتشبه بها وتقول أولاً نعم لمشيئة الله، وتعيش ثانياً في الخدمة، وتعيش ثالثاً المحبة بصمت. هذه هي ميزات وفضائل مريم؛ على الأخويات أن تتخذها شعاراً لها.
هذا ما كان يردّده الأب جورج خوري اليسوعي مؤسس ومرشد رابطة الأخويات في لبنان لسنوات طويلة. وحضور الأب سمير بشاره اليسوعي معنا اليوم، وحمل مسؤولية المرشد العام لرابطة الأخويات في لبنان، يذكّرنا بتاريخ الأب جورج خوري مع مسيرة الأخويات. وهو تاريخ عريق حمله في قلبه، وحملته معه كل أخوياتنا في لبنان.
أما أنتم يا أعضاء أخويات أبرشية البترون، فتحملون أنتم أيضاً تاريخاً عريقاً. وتتحملون مسؤولية كبرى في الكنيسة وفي العائلة وفي المجتمع. وكل واحد منكم يتحمل تلك المسؤولية كي يتشبّه بمريم الأم والشفيعة ومرافقة يسوع في تدبيره الخلاصي بين البشر؛ وتكون كل أم من أمهاتنا وكل أب من آبائنا على مثال مريم في الخدمة والمحبة والصمت.
وأرض البترون هي أرض القداسة والقديسين. والسيد المسيح يحمّلكم مسؤولية المحافظة عليها.
وأنا كنت قد اتخذت شعاراً لي في خدمتي الأسقفية في أبرشية البترون أن أكون بينكم خادم المحبة. ووضعت لي برنامجاً يتمحور حول التجدّد، وهو برنامج كنيستنا منذ أن عقدنا المجمع البطريركي الماروني، مجمع التجدد في كنيستنا، لأني مؤمن أنكم أنتم العلمانيون، مع اخوتي الكهنة والرهبان والراهبات، تتحملون المسؤولية في تجدّد الكنيسة في أشخاصها ومؤسساتها ورعاياها وجماعاتها وحركاتها ومنظماتها الرسولية. لأنكم تكوّنون الكنيسة. أنتم معنا الكنيسة. كلنا نكوّن كنيسة المسيح، لأننا منذ أن تعمّدنا باسم الآب الابن والروح نلنا نعمة الولادة الجديدة، وأصبحنا أعضاء في كنيسة المسيح ونشارك في كهنوته، الكهنوت العلماني والكهنوت الخدماتي.
ونحن مدعوون في أبرشيتنا أن نعيش في الخدمة تجدّدنا، مثل مريم. والتجدّد يبدأ تجدداً روحياً. وإذا كنا أبناء أبرشية القداسة والقديسين فنحن الأَوْلى بالمعروف. علينا أن نلبّي دعوة الله لنا إلى القداسة وأن نتجدّد روحياً بالعودة إلى كلمة الله في الكتاب المقدس، وإلى الصلاة- في بيوتنا وعائلاتنا أولاً، ثم في كنائسنا ورعايانا وأديارنا- وإلى المشاركة في كل احتفالاتنا ومناسباتنا وأعيادنا الليتورجية. فتصبح أديارنا ورعايانا مراكز إشعاع روحي، ونصبح نحن حاملي نور المسيح بتجدّدنا.
والتجدّد يكون ثانياً تجدّداً في الأشخاص والجماعات، ابتداءً منا نحن الأساقفة والكهنة والرهبان والراهبات، ثم منكم أنتم العلمانيون وأنتهاءً بجمعياتنا ومنظماتنا الكنسية، وبخاصة الشبابية منها؛ لنستحق معاً أن نكون أبناء الله وإخوة للمسيح ورسلاً له في عالمنا.
والتجدّد يكون ثالثاً تجدداً في المؤسسات، مؤسسات المطرانية والرعايا والأوقاف. ومسؤولية التجدّد في أبرشيتنا تقوم علينا جميعاً، نحن وأنتم، وكل واحد منا له دوره في الكنيسة. وإني أعوّل كثيراً على مشاركتكم معنا، أنتم الأخويات، في حمل هذه المسؤولية، لكي تكون أبرشيتنا تلبي دعوة الله لنا في القداسة. وتستمرّ في إعطاء قديسين لكنيستنا المارونية وللكنيسة الجامعة. والقديسون يبدأون في عائلاتهم ثم في رعاياهم ثم في كنيستهم. فالقداسة تبدأ فيكم، في عائلة كل واحد وواحدة منكم. إذا كنتم مثل مريم تقولون نعم لمشيئة الله، وتربّون بالمحبة والخدمة والصمت، تستطيعون أن تعطونا دعوات كهنوتية ورهبانية، وأن تعطونا مسيحيين ومسيحيات ملتزمين بنعمة المعمودية والولادة الجديدة، وأن تعطونا قديسين جدداً.
لذا نحن فخورون بكم. ولتبقَ عائلاتكم وأخوياتكم الخميرة الصالحة في كنيستنا ومجتمعنا.
نصلّي اليوم كي تكون أخوياتنا بكبارها وشبيبتها وطلائعها وفرسانها حاملة لواء القداسة وحاملة لواء التجدد الروحي والكنسي. وأن تكون هي الداعية إلى الثبات في إيماننا وفي أرضنا المقدسة وفي القيم التي تربّينا عليها في عائلاتنا. وأن تكون هي مطلِقة التجدّد في أبرشيتنا إنطلاقاً من هذا المكان بالذات كرسي البطريرك الأول يوحنا مارون مؤسس الكنيسة المارونية.
صلاتي أرفعها إلى الله مع مريم، لنشكره على كل نعمه وكل ما أعطاه لنا من خلال أخوياتنا وعائلاتنا.
وصلاتي أرفعها من أجلكم جميعاً، الحاضرين والغائبين والمنتشرين في العالم، كي تعرفوا أن تقولوا نعم مع مريم لمشيئة الله وأن تحملوا رسالة كنيستنا ووطننا لبنان في المحبة والمصالحة والسلام. آمين.