عظة المطران خيرالله في تخرج طلاب ثانوية البترون 23-5-2013

عظة المطران منير خيرالله

في قداس احتفال التخرّج في ثانوية البترون الرسمية

الخميس 23 أيار 2013

 

« إبتعد إلى العمق وألقوا الشباك» (لوقا 5/1-11)

 

حضرة مدير ثانوية البترون الرسمية،

أفراد الهيئة التعليمية، الأهل الأحباء،

إخوتي وأخواتي المتخرجين والمتخرجات.

 

       فرحتي كبيرة أن أكون معكم اليوم لنحتفل معاً بتخرّجكم وبانتقالكم إلى مرحلة جديدة من الحياة.

اتخذتم شعاراً وعنواناً لتخرّج فوجكم هذه السنة « الإيمان». وعندما التقيتكم منذ أيام تكلمتم بإيمانكم عن المغامرة. واتخذنا معاً شعار: « مغامرون بإيمان نحو المجهول».

أنتم اليوم كالرسل تقفون على شاطئ البحر، ونحن هنا لسنا بعيدين عن بحر البترون، وتسمعون كلام الرب يعلّمكم وتريدون المغامرة في عالم تجهلونه، في عالم مليء بالعواصف والأمواج، وتريدون المحافظة على ما تربّيتم عليه في عائلاتكم ومدرستكم، ومن خلاله تستطيعون مواجهة تحديات المجتمع.

انتم تغامرون اليوم وكلّكم إيمان. ولن تخافوا من مواجهة الأمواج والعواصف. سمعان بطرس سمع يسوع يقول له: « يا سمعان، إبتعد إلى العمق وألقِ الشباك». لا على الشاطئ، بل ابتعد إلى العمق. جواب سمعان كان: « يا رب، لقد تعبنا الليل كله ولم نصطّد شيئاً؛ ولكن لأجل كلمتك سألقي الشباك». وألقى الشباك فامتلأت سمكاً حتى كادت تتمذق.

هذا هو الإيمان الذي كان عند سمعان بالمعلّم والسيد يسوع المسيح.

أنتم اليوم بإيمان كبير ستدخلون معترك الحياة والمجتمع. لا تخافوا مهما كثرت عليكم الهموم ومهما تعب عليكم أهلكم. هذه كلها أمور تهون أمام كلمة الرب. وتقولون مع بطرس: بناء على كلمتك سنلقي الشباك في العمق، لا على الشاطئ الفايش. وأن تنتقلوا إلى العمق، هذا يكلّفكم جهوداً كبيرة. ولكني متأكد أنكم قادرون على بذل هذه الجهود وتستطيعون أن تصلوا إلى العمق. إنتبهوا: عندما تعصف الرياح وتعلو الأمواج، فهي تضرب سطح البحر؛ أما عمق البحر فيبقى ساكناً هادئاً. لهذا السبب قال المعلّم لسمعان بطرس: إذهب إلى العمق.

هذا العمق بالنسبة إليكم هو إيمانكم أولاً، وهو القيم التي تربيتم عليها في عائلاتكم ومدرستكم ثانياً، وهو تمسّككم بالأرض التي تربيتم عليها ثالثاً، وهي أرض مقدسة قدّمتم منها حفنة مع القرابين. هذه الثوابت الثلاث عليكم أن تحافظوا عليها؛ لأنها ثوابت لا تهزها الرياح والعواصف والأمواج.

ستدخلون عالماً غريباً عنكم؛ كنتم تسمعون عنه من بعيد. إنه عالم سيهزّ بعواصفه هذه الثوابت الثلاث التي تربيتم عليها. ستواجهون تحديات. وسيقولون لكم، في مجتمع أصبح على شفير الفشل: لماذا أنتم متمسّكون بهذه القيم وتحافظون عليها ؟ وبأي قيم: الصدق، الإخلاص، المحبة، والتضامن والوحدة، خدمة وطنكم بمجانية وعطاء كامل ؟ سيقولون لكم: هذه القيم سقطت؛ تصرّفوا مثل الآخرين؛ عيشوا في الفساد والبرطيل والغش والسياسة التي لا تعرف حدوداً للأخلاق!

لا. لن نقبل أن نسلّمكم مجتمعاً كهذا. ولن نقبل أن تدخلوا إليه إلا بإيمانكم الكبير وتمسّككم بالقيم والثوابت. لا تخافوا !

عندما تنظرون إلى مجتمعنا في لبنان، تقولون: ماذا بقي منه ؟ أما نحن فنقول لكم: هذه هي أمواج البحر الفايش. لكن لبنان، ولأنه بُني في العمق، هو ثابت. هذه العواصف لن تدوم لأنها عابرة. وبالرغم من كل قوتها لن تدوم لأنها عابرة. لبنان سيبقى بفضلكم وبفضل كل الأجيال التي لا زالت تؤمن به. آمنوا بالثوابت والقيم وآمنوا بلبنان، وواجهوا كل التحديات بثقة، وستكونون أنتم الرابحين وسيكون لبنان معكم هو الرابح.

نحن اليوم في مرحلة انحطاط وفشل؛ هذا صحيح. لكنها أمواج لن تدوم. وإذا ثبتّم وصمدتم صمود المتمسّك بإيمانه يبقى لبنان لكم ولأولادكم. لأن الذين بنوا لبنان، مسلمين ومسيحيين، كانوا مقتنعين أن هذا الوطن هو للجميع، هو أرض الله المقدسة، وهو وطن يليق بالإنسان وبحق الإنسان أن يعيش بحريتة وكرامته وانفتاحه على الجميع واحترام الاخرين في خصوصياتهم. هذه هي القيم التي ميّزت لبنان، وستبقى تميّزه. لا تتخاذلوا إذاً في وجه أي تحدٍّ ولا تتراجعوا.

ارتضيتُ أن أكون معكم الليلة، ومع أهلكم ومعلّميكم، لأني واثق أنكم ستمثلون في مجتمعنا المستقبل الجديد. وستعملون بوحدتكم على المحافظة على الثوابت الثلاث ليبقى لبنان على مستوى ما نريده وما يريده العالم. لبنان ملتقى الحضارات والثقافات والطوائف والأديان. هذه هي رسالته وهكذا سيبقى بفضلكم.

لاتخافوا ! أنتم أقوياء بما حملتم من عائلاتكم ومن مدرستكم، ثانوية البترون الرسمية التي لها تاريخ عريق. إنها مسؤولية ملقاة على عاتقكم. احملوها بجدارة وانظروا إلى البعيد وإلى العمق. لا تغرّنّكم الأمور السطحية.

ونحن اليوم في لبنان عندنا ذهنية حبّ المظاهر. أجدادنا وآباؤنا لم يكونوا هكذا. كانوا يحبون الغوص إلى العمق. اسألوا بحّارة البترون؛ إنهم يحبون الغوص إلى العمق. إسألوا أجدادكم في الجبل الذين ارتضوا كل التضحيات ليحوّلوا الجبل من أرض وعرة صخرية إلى جنّات يعتاشون منها بكرامة ورأس مرفوع.

تعالوا نخرج من ذهنية التشاوف وحب المظاهر، لنقبل التضحيات في سبيل إعادة بناء لبنان في دعوته التاريخية.

أيها الأهل الأحبّاء. تعالوا نقبل التضحيات في سبيل أن يقطف أولادنا المواسم. وأنتم ضحّيتم بالكثير لكي يتعلّم أولادكم ويحصّلوا الشهادات. نشكر الرب عنكم. ونقول لأولادكم: إقبلوا أنتم التضحيات ليربح أولادكم مجتمعاً أفضل. ونعمل معاً على إعادة بناء لبنان الوطن الرسالة. آمين.   

Photo Gallery