عظة المطران منير خيرالله
في قداس ختام لقاء الشبيبة الأبرشي السنوي
الأحد 28 تموز 2013، الكرسي الأسقفي كفرحي
« إذهب واصنع أنت كذلك» (لوقا 10/37)
إخوتي وأخواتي شباب وصبايا أبرشية البترون الآتين من كل رعايا الأبرشية ومن كل قطاعاتها ومنظماتها.
نختم في قداسنا اليوم لقاءنا الأبرشي السنوي وبالتزامن مع لقاء الشبيبة العالمي حول قداسة البابا فرنسيس في البرازيل. وبدأنا يومنا بوقفة تأمل ومناجاة مع الرب يسوع حول مثل السامري الصالح (لوقا 10/25-37)، وهو موضوع يتطابق تماماً مع الموضوع الذي اخترناه عنواناً للقائنا: « إيمان والتزام».
تعليم يسوع في هذا الإنجيل يتمحور حول عمل الرحمة.
أحد علماء الشريعة جاء يسأل يسوع: « ماذا أعمل لأرث الحياة الأبدية ؟»، لأنه لم يجد الحياة الأبدية في كتب الشريعة وتعليم التوراة. فقال له يسوع: « ماذا كتب في الشريعة ؟ وكيف تقرأ ؟». فأجاب: « أحبب الرب إلهك بكل قلبك... وأحبب قريبك كنفسك». فقال له يسوع: إعمل هذا تحيَ». ولكنه لم يكتفِ بذلك بل أراد أن يزكيّ نفسه، فسأل: « ومن هو قريبي ؟». فأجابه يسوع بمثلٍ من حياة كل يوم، ويمكن أن نصادفه نحن في مجتمعنا. وفي تأملاتكم هذا الصباح التي كانت غنيّة في كل الحلقات والتي وضعتم فيها خبراتكم. أنه مثل السامري الصالح.
يخبرنا يسوع عن يهودي كان نازلاً من أورشليم إلى أريحا. فوقع بأيدي اللصوص. فعرّوه وانهالوا عليه بالضرب، ومضوا وتركوه بين حيّ وميت. وصادف أن كاهناً مرّ من هناك فرآه ومال عنه ومضى. وكذلك وصل لاويّ وهو من خدام الهيكل إلى المكان فرآه فمال عنه ومضى. ووصل سامريّ، والسامريون واليهود أعداء منذ زمن بعيد ولا يزالون حتى اليوم. فرآه فأشفق عليه، فدنا منه وضمد جراحه وصبّ عليها زيتاً وخمراً كما كانت العادة؛ وحمله على دابته وأتى به إلى الفندق واعتنى بأمره. وفي الغد، أي أنه بات معه تلك الليلة، أخرج دينارين ودفعهما إلى صاحب الفندق وقال له: إعتنِ بأمره، ومهما أنفقت زياردة على ذلك أؤديه أنا إليك عند عودتي.
نظر يسوع إلى عالم الشريعة وسأله: من هو برأيك قريب هذا اليهودي الذي وقع بأيدي اللصوص؟ فأجابه: الذي عامله بالرحمة. فقال له يسوع: إذهب وافعل أنت كذلك. أي أن عِلمك في الشريعة لا يكفيك، بل تحتاج إلى عمل محبة.
لكن الصعوبة هي في كَيفية عيش المحبة، كما تساءلنا في حلقاتنا. كيف نحب قريبنا؟ وفهمنا من يسوع أن قريبي ليس قريب الدم والجيرة فقط، بل يمكن أن يكون عدوّي. قريبي هو الذي أحبّه دون أن أسأله من أنت، ما هي هويتك، ما هو لونك، ما هي ثقافتك وحضارتك، ما هو حزبك؟
لكن سؤالاً يبقى مطروحاً، منذ أيام يسوع وحتى اليوم: كيف أستطيع أن أحبّ فلاناً ؟ فهو عدوّي. وكيف أستطيع أن أحبّ من لا يبادلني المحبة ذاتها ؟ يسوع يطلب المحبة المجانية، « أي أن يبذل الإنسان نفسه في سبيل من يحب». وهو أولاً أعطانا المثل. فتنازل من ألوهيته وصار إنساناً مثلنا وتبنّى إنسانيتنا الضعيفة وارتضى أن يموت على الصليب من أجل فداء جميع البشر من دون استثناء ومن دون تمييز، وأن يعطيهم بقيامته الخلاص والحياة الأبدية. ويقول يسوع: هكذا عليكم أن تحبوا بعضكم بعضاً. « أي أجرٍ لكم إذا أحببتم من يحبّكم ؟ أو إذا سلّمتم على من يردّ لكم السلام؟». المحبة المجانية تعطي ذاتها ولا تنتظر شيئاً بالمقابل. هذا هو التحدّي الكبير الذي ينتظرنا نحن المسيحيين لأننا لا نقدر أن نحبّ مجاناً. ونتساءل: كيف أحبّه إذا كان لا يحبني ؟ كيف أغفر له إذا كان لا يريد أن يغفر لي ؟
الأم تيريزا تركت بلدها ألبانيا وراحت تخدم بمحية مجانية الفقراء والمنازعين في الهند. سمع أحد الأغنياء في أستراليا بأخبارها. فقرر أن يذهب إلى الهند لمساعدتها. وقدّم لها شيكاً بقيمة كبيرة. نظرت إليه الأم تيريزا بحزن وأسى وقالت له: أعتذر، أنا لست في حاجة إلى مالك ! صُدم هذا الغني، كما صُدم الشاب الغني في حواره مع يسوع وكما صُدم عالم الشريعة. فعاد إلى أستراليا. وبعد ثلاث سنوات عاد إلى الهند متخفياً يخدم مع راهبات الأم تيريزا. ولما التقاها. قال لها: أنا صُدمت في لقائي الأول معك. لكني اليوم فهمتُ أنك لست في حاجة إلى مالي، بل إلى قلبي. جئت لأخدم معك إخوة يسوع هؤلاء الصغار.
يسوع يريد قلبكم لا مالكم ولا ممتلكاتكم. أعطوه قلبكم وهو يعطيكم الباقي.
نريد منكم أن تكونوا حاملي شعار الإيمان والإلتزام بعيش المحبة في أبرشيتنا، في رعايانا، في حركاتنا ومنظماتنا، في عائلاتنا.
وأنتم الشباب والصبايا تفهمون أكثر منا لغة يسوع، وأنتم قادرون على عيش المحبة المجانية. أنتم قادرون أن تعطوا قلوبكم من دون حساب ومن دون حدود.
إننا نؤدّي معكم اليوم التسبيح والمجد والشكران إلى الله الآب والإبن والروح القدس على النعمة التي منحنا، وهي أن نعيش على أرض مقدسة وأن نكون جيران القديسين في كفرحي وكفيفان وجربتا وحردين وتنورين، وعلى «الشرف العظيم الذي أعطانا أن نعيش اليوم في هذا المكان من العالم الذي كان شاهداً على ميلاد يسوع ونموّ المسيحية»، كما قال لكم البابا بنديكتوس السادس عشر في خلال لقائه معكم في بكركي في أيلول الماضي. وأضاف: «كونوا شباباً في الكنيسة؛ كونوا شباباً مع الكنيسة؛ والكنيسة تحتاج إلى حماسكم وإبداعكم. إفتحوا أبواب أرواحكم وقلوبكم للمسيح».
واليوم أقول لكم مع البابا فرنسيس، الذي يلتقي شباب العالم في البرازيل: « إذهبوا وتلمذوا جميع الأمم». كونوا رسل الشباب. أنتم وحدكم تستطيعون إقناعهم بعيشكم القيم المسيحية المتجسّدة في المحبة والتضامن والخدمة المجانية والعدالة والسلام.
أنتم رجاء كنيسة المسيح في البترون؛ أنتم مستقبل لبنان الوطن الرسالة في العيش الواحد المشترك وفي الحرية والكرامة وفي الحوار الصادق والبنّاء وفي احترام التعددية.
أنتم مستقبل عائلاتنا، والعائلة هي نواة الكنيسة والمجتمع والوطن؛ إبنوا عائلاتكم على القيم التي حملتها كنيستنا وعائلاتنا مئات السنوات وتقدست من خلالها، وربّوا أولادكم عليها.
لا تخافوا. أنتم طاقة محبة؛ عيشوها بمجانية وتضحية.
أنتم طاقة محبة؛ فجرّوها في خدمة إخوتكم الشباب، وكونوا رسل المحبة التي لا تعطي إلا ذاتها.
عاهدوا الرب يسوع أنكم ستحملون رسالته، واطلبوا شفاعة العذراء مريم، سيدة لبنان، ومار مارون ومار يوحنا مارون وجميع قديسينا. آمين.