عظة المطران منير خيرالله
في قداس ختام مسيرة رابطة الأخويات- إقليم البترون
إلى ضريح القديسة رفقا- دير مار يوسف جربتا
الجمعة 22/11/2013
« أنا اخترتكم وأقمتكم لتذهبوا فتثمروا، ويدوم ثمركم» (يوحنا 15/16).
صاحب السيادة المطران بولس آميل (سعاده)؛ يا من زرعت في هذه الأبرشية لمدة ربع قرن؛ نحن نحصد ما زرعت. ونحن بدورنا نزرع لكي يحصد من يأتي بعدنا.
حضرة الأب سمير بشاره، المرشد العام لرابطة الأخويات في لبنان،
الخوري يوحنا مارون مفرج، مرشد اللجنة الإقليمية لرابطة الأخويات،
إخوتي الكهنة خَدَمة الرعايا والمرشدين،
الأم الرئيسة وأخواتي الراهبات،
السيد غطاس نخله رئيس رابطة الأخويات في لبنان،
أعضاء اللجنة الإقليمية، وأعضاء الأخويات،
أحبائي جميعاً.
مسيرتنا اليوم أعادت الي مشهداً جميلاً، مشهد الرعاة وهم يسيرون بين أبناء رعاياهم الذين أتوا من كافة رعايا الابرشية سيراً على الاقدام من مدينة البترون وأعالي تنورين وكل الرعايا. وتذكرت ما قاله لنا قداسة البابا فرنسيس عندما كنا في روما في شهر أيلول الماضي لمتابعة دورة تنشئة للمطارنة الجدد: أنتم رعاة؛ والراعي الصالح، على شبه المسيح، يجب أن يتمتع بثلاث صفات كبيرة ومهمة، أولاً عليه أن يقبل ويستقبل ويتقبل شعبه. ثانياً عليه أن يمشي مع شعبه ويتقدم قطيعه لأنه هو الذي يقود القطيع، ويتوسطه لكي يرى ويسمع كل ما يدور حوله، ويمشي وراءه ليحمل الخروف المتعثر على كتفيه ويشدّد المتأخر. وثالثاً عليه أن يعيش بين شعبه.
كنيستنا اليوم بحاجة لهذا النوع من الرعاة. لذلك استعدت هذه الصورة اليوم خلال المسيرة حيث توزعنا كلنا المطران وكهنة الرعايا في المقدمة وفي وسط المشاركين وفي آخر المسيرة، وصلّينا معاً وقدمنا شعبنا للرب يسوع.
هذه المسيرة التي تعوّدنا عليها منذ العام 1985 تجمعنا معاً. ولكن لمسيرتنا هذه السنة نكهة خاصة، لأننا في السادس والعشرين من شهر تشرين الاول الماضي أطلقنا في الابرشية مسيرة المجمع الأبرشي الذي يهدف الى تطبيق المجمع البطريركي الماروني في أبرشيتنا. وهذا المجمع البطريركي الذي انعقد بين 2003 و2006 كان هدفه تجدّد كنيستنا المارونية في رسالتها ودورها في لبنان والشرق والعالم؛ تجدّد كنيستنا في عودتها الى ينابيعها وجذورها الروحانية وفي تطلعها الى المستقبل. أطلقنا مسيرة مجمعنا الأبرشي منذ شهر؛ واليوم نشارك في أول نشاط تتجلى فيه مسيرة المجمع الابرشي الذي أردناه مع رابطة الأخويات في الأبرشية التي تضم الجميع كباراً وشيوخاً وكهنة وعلمانيين. هذه المسيرة إلى أين؟ إلى إحدى جذور القداسة في أبرشيتنا، في هذا المكان المقدس، ضريح القديسة رفقا. لأن هدفنا الأول والأخير من هذه المسيرة هو أن نتجدّد. والتجدد يبدأ بمسيرة تجدّد روحي. لذلك أطلقنا مسيرة المجمع الابرشي، التي ستستمرّ لسنتين من تشرين الاول 2013 لغاية تشرين الأول 2015، وتبدأ أولاً بتجدد روحي. والتجدد الروحي هو مسيرة فحص ضمير ومسيرة توبة وعودة الى الذات وعودة الى الله؛ مسيرة صلاة وشهادة لحضور المسيح فينا وبيننا وفي عائلاتنا ومجتمعنا وكنيستنا.
لقد بدأنا مسيرة المجمع الابرشي بهذه المسيرة الروحية التي نشارك فيها اليوم من خلال الصلاة التي سنواصلها. وجئنا اليوم الى هذا المكان المقدس، أحد الأماكن المقدسة الكثيرة والمتعددة في أبرشيتنا، لكي نعود الى جذورنا وينابيع القداسة؛ فنطلب من الرب يسوع، بشفاعة القديسة رفقا، أن يقوينا في مسيرة التجدد لكي نصل الى الهدف المنشود وهو أن نتجدد كأشخاص وكمؤسسات وككنيسة في منطقة البترون والتي هي أبرشيتنا، ونرافق كنيستنا المارونية في العالم في مسيرة تجددها.
وجودنا اليوم هنا، عند ضريح القديسة رفقا، يعيدنا الى دعوتنا إلى القداسة. فالله دعانا ويدعونا جميعاً الى القداسة من خلال قديسينا. وبنوع خاص اليوم مع القديسة رفقا، التي كرست حياتها للرب منذ طفولتها. بدأت أولاً مع جمعية المريمات التي أسسها إخوتنا الرهبان اليسوعيون في بكفيا، وكانت جمعية تهتم بتعليم بناتنا، جمعية رسولية تعيش بين شعبنا. وانخرطت في الجمعية في ظل ظروف صعبة جداً، لأنها عاشت الحرب التي عرفها جبل لبنان بين العام 1840 و1860. وكانت القديسة رفقا ناشطة في الجمعية خصوصاً في الجبل، ودير القمر بالذات، بعد أن خدمت في إكليريكية غزير في تنشئة الكهنة وكان يومها البطريرك الياس الحويك إكليريكياً. ثم علّمت في معاد. لتكرّس حياتها بعد ذلك للنسك والتقشف. وبدأت دعوتها الجديدة في دير مار سمعان أيطو للراهبات اللبنانيات. ثم في العام 1897 دعاها الرب بواسطة أهالي هذه المنطقة لتأتي وتؤسس ديراً هنا في هذا الوادي المقدس في قلب منطقة البترون وأبرشيتها. جاءت مع عدد من الأخوات الراهبات وأسسن هذا الدير وكان هدفهن الحياة النسكية التي هي من عناصر هويتنا وهوية كنيستنا المارونية. هذه الحياة النسكية التي وضعها مار مارون في حياته كناسك وكاهن، وبعده مار يوحنا مارون، وكذلك تلاميذه والقديسون وبطاركتنا وأساقفتنا ورهباننا وراهباتنا. وها هي القديسة رفقا أكملت مسيرة الحياة النسكية من خلال بناء هذا الدير؛ ثم كانت رسولة الألم، إذ طلبت من يسوع أن تتألم وتحمل معه الصليب. عاشت الألم بفرح ورجاء. وهذه هي رسالتها التي تبقى لنا جميعاً. لا يكفي أن نقول إنها حملت الصليب وكانت رسولة الألم، ولكن علينا أن نضيف أنها كانت رسولة الألم بفرح ورجاء.
علينا أن نتعلّم اليوم من القديسة رفقا حمل الصليب مع المسيح، « ومن يفصلنا عن محبة المسيح؟ لا شيء، أضيق أم شدة أم حرب؟» لا شيء. معها نحمل الصليب والألم والأوجاع والمحن التي نعيشها اليوم وتعيشها عائلاتنا وشعبنا ووطننا لبنان، نحملها بفرح ورجاء لأننا نتطلع الى البعيد البعيد، ونحن باقون ومستمرون ونحمل الرسالة.
لا تخافوا ! وإذا كان اليوم عيد استقلال وطننا لبنان الذي وصفه الطوباوي البابا يوحنا بولس الثاني بالوطن الرسالة، رسالة المحبة والانفتاح والمصالحة، رسالة الحرية والكرامة والديموقراطية، رسالة احترام الانسان والتعددية، رسالة للعالم كله. وإذا كنا قد اخترنا هذا اليوم فلكي يبقى لنا دوراً ورسالة. الاستقلال حققه آباؤنا وأجدادنا في العام 1943، وقبلهم كنا نعيش استقلالاً كبيراً في هذا الجبل وكان ثمنه كبيرا، تضحيات وشهادات وجهود؛ لكن الاستقلال يبنى كل يوم. الاستقلال يبنى بجهودنا وجهود أجيالنا الطالعة وشبيبتنا. الاستقلال يبنى كل يوم وهذا هو دورنا؛ كما أن ملكوت الله يبنى كل يوم بجهودنا جميعاً.
اليوم علينا أن نسلّم مسيرة مجمعنا الأبرشي للرب يسوع المسيح الحاضر معنا دائما والذي يقبل أن يحمّلنا الصليب بفرح ورجاء لكي من خلال مسيرتنا معه ننال الخلاص. اليوم نسلّم مجمعنا الأبرشي ومسيرتنا للرب يسوع بشفاعة القديسة رفقا وجميع قديسينا، مار شربل والقديس نعمة الله والطوباوي اسطفان، وجميع قديسي كنيستنا من بطاركة وأساقفة ورهبان وراهبات وكهنة؛ وأبعد من ذلك آبائنا الروحيين مار يوحنا مارون البطريرك الأول ومؤسس كنيستنا ومار مارون، لكي نطلب من الرب بشفاعتهم أن نواصل مسيرتنا معاً كما كنا جميعاً في هذه الابرشية، من المطران الى الكهنة والرهبان والراهبات والآباء والأمهات وكل جمعياتنا وأخوياتنا، وكل نشاطاتنا ولجاننا؛ نسير معاً لتحقيق هدفنا الذي هو التجدد. نتجدد روحياً كأشخاص وكمؤسسات. عندئذ كنيستنا في البترون، أبرشية القداسة والقديسين، تكون تؤدي دورها في الكنيسة المارونية وفي الكنيسة الجامعة. ودورها هو أن تلبّي دعوة الله إلى القداسة. فتبقى عائلاتنا منبعاً للقديسين كما كانت، وستبقى؛ لأننا جميعاً قادرون أن نكون قديسين. آمين.