عظة المطران خيرالله في القداس السنوي لراحة نفس الدكتور جورج سعاده- شبطين 30-11-2013

عظة المطران منير خيرالله

في القداس السنوي لراحة نفس الدكتور جورج سعاده

السبت 30/11/2013- شبطين

 

« أعترف لك يا ابت لأنك أخفيت هذه الأمور عن الحكماء والفهماء وأظهرتها للأطفال والبسطاء»  (لوقا 10/21)

صاحب السيادة المطران بولس آميل سعاده السامي الإحترام والذي له الفضل الكبير في هذه الأبرشية،

سعادة النائبين نديم الجميّل وسامر سعاده،

الستّ ليلي (أرملة الدكتور جورج سعاده)

أفراد العائلة واركان حزب الكتائب اللبنانية،

أحبائي أبناء وبنات شبطين، ويا أيها الأصدقاء.

 

        يصادف قداس العائلة لراحة نفس المرحوم الدكتور جورج سعاده هذه السنة عيد السابع والسبعين لحزب الكتائب اللبنانية. وفيه عودة إلى التاريخ وإلى التأسيس. ونحن نعود معكم ومع الدكتور جورج سعاده إلى ما كان يمثله بالنسبة إلينا نحن البترونيين، وبالنسبة إلى حزب الكتائب، وبالنسبة إلى الوطن لبنان.

جورج سعاده كان أولاً رجل الإيمان بربّه. وكان ثانياً الحزبيّ والسياسيّ الملتزم. وكان ثالثاً رجل الحوار وبناء الوطن.

كان أولاً رجل الإيمان بربّه. فالدكتور جورج تربّى في شبطين، هذه البلدة الحبيبة، وفي أرض البترون، أرض القداسة. تربّى في عائلة مسيحية ملتزمة، في عائلة بسيطة لكن كبيرة بإيمانها وبقيمها ويحمل إرث الآباء والأجداد الذي نقلوه إلينا وإلى عائلاتنا. تربّى على القيم الإنسانية والمسيحية التي نقلتها إليه عائلته ليكون كنزاً وزخراً له في مسيرة حياته. فعرف جورج سعاده كيف يلزم بعيش إيمانه بالله وثقته الكاملة به، ويبقى دوماً ثابتاً في هذا الإيمان بالرغم من كل ما مرّ عليه وعلى الوطن من تحديات وصعوبات. فابن الإيمان يعرف كيف يثبت في إيمانه لأنه يترجى المستقبل البعيد ولا يتوقف عند الحاضر؛ فهو يستقي من التاريخ العِبَر ليبني مستقبله بإيمان كبير. وتاريخ كنيستنا وشعبنا ومنطقتنا البترونية يشهد على حمل تلك القيم. والدكتور جورج حملها في قلبه أينما حلّ.

ثانياً، جورج سعاده الحزبّي والسياسيّ الملتزم.

هو الذي انخرط في حزب الكتائب اللبنانية وكان من الأوائل؛ وعرف كيف يقدّم ذاته في العمل الحزبّي الذي من خلاله تطلّع إلى بناء لبنان الكيان والدولة والوطن. وحزب الكتائب، منذ تأسيسه، حمل هذا الشعار، وضحّى وجاهد بأبنائه ومحازبيه في سبيل الحفاظ على هذا الشعار، دافعاً الأثمان الغالية في سبيل أن يبقى الشعار عالياً. وهذا الشعار الذي جمعه مع الله والعائلة والوطن، جعل منه أن يكون حزباً وطنياً وإجتماعياً وحزباً منفتحاً على كل مكوّنات الوطن.

انخرط الدكتور جورج في حزب الكتائب وشبّ فيه، وعاش التزامه فيه منفتحاً على الجميع. وقدّم ذاته بكل ما أعطاه الله من مواهب ومن ثقافة عالية اكتسبها في لبنان وأسبانيا ومارسها في التدريس في الجامعة اللبنانية ثم في مسؤولياته التربوية والوطنية.

ومن خلال تعلّقه بهذه القيم والتزامه الحزبّي، دخل السياسة بنجاح سنة 1968، وكنت أنا شاباً ولا أزال أذكر ذلك. وكان له دعم كبير من حزبه ومن جميع محبّيه في هذه المنطقة الذين عرفوه مضحياً وخادماً للجميع. ونجح في عمله السياسي كما نجح في عمله الحزبي كما نجح طيلة حياته في التزامه المسيحي.

ثالثاً، جورج سعاده رجل الحوار وبناء الوطن.

أستطيع أن أقول اليوم لحزب الكتائب في عيده السابع والسبعين: هنيئاً لحزب يسمح للكفاءات أن تعبّر عن ذاتها وأن تبرز مواهبها ومعطياتها وتصل إلى القمة. هكذا سمح الحزب، من بين مَن سمح لهم، للدكتور جورج أبن شبطين وابن البترون أن يصل إلى رئاسة الحزب محافظاً على القيم الحزبية وعلى انفتاحه على الجميع وعلى خدمة الجميع.

قاد الحزب في ساعات صعاب وفي أيام متفجّرة كان الوطن فيها يسعى إلى إعادة وحدته ووحدة أبنائه، وكانت الدولة تسعى إلى إعادة بناء مؤسساتها. قاد الحزب بتضحيات كبيرة وبقي دوماً ينادي ببناء الدولة والمؤسسات، ومن خلالها ببناء الوطن. لم يستسلمْ يوماً للإغراءات، ولم يحِدْ يوماً لا عن شعاراته ولا عن قناعاته الحزبية والسياسية والمسيحية. فكان جورج سعاده مخلصاً وفيّاً للمؤسسين في الحزب وفي دولة لبنان. فعرف كيف يكون رجل الحوار والإنفتاح.

وغاب جورج سعاده بعد صراعٍ مريرٍ مع المرض؛ وغادرنا مرفوع الرأس متمماً ما طلب منه الله في خدمة شعبه وكنيسته وحزبه ووطنه. وترك لنا إرثاً كبيراً أخذه من عائلته ومن مؤسسي حزب الكتائب، ومن المضحّين في سبيل بناء لبنان. لم يغبْ جورج سعاده لحظة لا عن بال العائلة ولا عن بالنا جميعاً ولا عن بال محازبيه وأصدقائه وأحبائه.

جورج سعاده، كما الشيخ بيار الجميّل المؤسس وجميع من ضحّوا واستشهدوا في سبيل هذا الوطن، ومنهم الرئيس الشيخ بشير الجميّل والشيخ بيار أمين الجميّل، يبقون في قلوبنا ولن ننساهم. لأنهم زرعوا بالتضحيات الكبيرة لنحصد نحن الوطن الرسالة- لبنان، الذي ضحّوا في سبيله كي يبقى رسالة السلام والمحبة، رسالة الحرية والكرامة، رسالة الإنفتاح واحترام التعددية والتنوّع الثقافي والحضاري والإثنيّ والسياسي.

سيبقون شهوداً لوطنٍ أراده الله وقفاً له. فلا يستطيع أحد في العالم أن يحيده عن رسالته أو أن يثني أبناءه عن تقديم تضحياتهم في سبيل أن يبقى وطناً لهم.

إنهم يدعوننا اليوم، كما يدعون جميع اللبنانيين، بكل فئاتهم وانتماءاتهم وأحزابهم، مسيحيين ومسلمين، إلى أن نعود إلى قيمنا والقيم التي يمثلها لبنان؛ إلى أن نعود إلى وحدتنا وتضامننا. فما مرّ من ويلات هو بمثابة موجة عابرة.

لا تخافوا ! لبنان باقٍ، ونحن فيه باقون. علينا فقط أن نقول لبّيك لبنان. وتضحياتنا مهما كبرت تبقى رخيصة في سبيلك وفي سبيل بناء مستقبلنا ومستقبل أولادنا فيك.

تعزياتي الحارّة أتقدم بها، باسم صاحب السيادة المطران بولس آميل سعاده وباسمكم جميعاً، من الستّ ليلي أرملة الدكتور جورج وأولادها وأخص منهم سعادة النائب سامر، ومن عائلة حزب الكتائب اللبنانية، طالباً من ربّ الحياة أن يمتّعه بالسعادة الأبدية وأن يعطينا أمثاله لخدمة الوطن دائماً وأبداً.  

Photo Gallery