المطران خيرالله في حواره مع جريدة «الراي»الكويتية - 8 شباط 2014
تصوير جاسم البارون
كتبت غادة عبدالسلام
المطران منير خيرالله لـ «الراي»: لبنان والكويت بلدان صغيران يحملان رسالة الانفتاح والحوار نفسها
عناوين:
· الغرب سبقنا في ثورات الحرية والديموقراطية وله طريقته وللشرق طريقته وهناك تاريخ ومسار يحتاج للوقت.
· الربيع العربي نتيجته لن تكون بعد يوم أو اثنين وهناك كوارث تحدث لنصل إلى وقت للاستقرار.
· مكانة خاصة كبيرة جداً وقديمة للكويت في قلوب اللبنانيين كما للبنان مكانة في قلوب الكويتيين.
· هجرة المسيحيين من المنطقة ولو كانوا أقلية تعرّض دولنا لحملات وكوارث تاريخية من العنف والتطرف والتعصّب.
· دورنا وحضورنا مهم جداً لإعادة خلق نواة التقارب المسيحي - الإسلامي الذي عرفناه منذ فجر الإسلام.
· يهمنا أن تعرف القوى العالمية والغرب أننا نستطيع العيش معاً وأن المسيحيين ليسوا غرباء عن المنطقة.
· الظروف التي نمر بها عابرة وتهمنا العودة للتاريخ وقراءته قراءة صحيحة ونقدية وواعية.
· في بعض الدول المسيحي مازال مواطناً من الدرجة الثانية وهذا الأمر يتطلب وقتاً معيناً وسنوات.
· نطالب بأن يعيش المسيحيون كما المسلمون في أوطانهم حرية دينهم ومعتقدهم وعلاقتهم مع ربهم والناس.
· أطمئن المسلمين خصوصاً المسؤولين أنه يهمنا أن نعتبر كمواطنين كاملين في دولنا والعيش تحت سقف كل دولة.
· لاأعتقد أن التطرف سيسيطر ويتسلم الحكم ومؤمن بأن موجة التطرف كما أتت ستزول ... وهذه قناعتي.
· مستقبل بلداننا في الشرق ليس للتطرف أو التعصب بل مستقبلنا كمسيحيين ومسلمين العيش معاً.
· وراء خطف الراهبات والمطرانين رسالة للمسيحيين والعالم... وصلت ولكن لن نستسلم لها.
رأى راعي أبرشية البترون المطران منير خيرالله، أن لبنان والكويت بلدان صغيران يحملان نفس رسالة الانفتاح والحوار، مشددا على المكانة الخاصة والكبيرة جدا والقديمة للكويت في قلوب اللبنانيين كما للبنان مكانة في قلوب الكويتيين.
وقال خيرالله في لقاء مع «الراي»، خلال وجوده في البلاد، أن هجرة المسيحيين من المنطقة، ولو كانوا أقلية، تعرض دولنا لحملات وكوارث تاريخية من العنف والتطرف والتعصب، لافتاً إلى أن «دورنا وحضورنا مهم جداً لإعادة خلق نواة التقارب المسيحي الاسلامي الذي عرفناه منذ فجر الإسلام»، ومشدداً على أن ما يهمنا أن تعرف القوى العالمية والغرب أننا نستطيع العيش معاً وأن المسيحيين ليسوا غرباء عن المنطقة.
وحذر المطران خيرالله من خطط للصهيونية وما فعتله وتفعله من عداء وهي رابضة على حدودنا وحولنا «يريدون أن يفشل لبنان كصيغة ونموذج، ونحن نريد أن ينجح لبنان أمام العالم ليبقى كما كان»، مؤكداً على أنه «إذا فشلت صيغة لبنان تربح صيغة الدولة العنصرية من دين واحد وشعب واحد وثقافة واحدة ولا مكان للآخرين»، ومشيراً إلى أن كل الدول العربية والاسلامية تقدر الصيغة اللبنانية، بينما اسرائيل لا تريد نجاحها.
وفي الشأن السياسي اللبناني قال خيرالله، إن الهم الأكبر إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها وعلينا أن نسعى جميعاً لهذا الأمر، رافضاً لما اعتبره «اليد المخططة للشر الكبير تريد أن تفتن وتفرض الحرب بين السنة والشيعة، وبعدها بين المسيحيين والمسلمين».
« وأعرب عن اعتقاده أن المشكلة السنية الشيعية مفتعلة تفرض علينا منظوراً معيناً سياسياً واجتماعياً نرفضه، فيما رأى في وثيقة بكركي الأخيرة عودة إلى الحقائق الكبرى التي استند عليها البطريرك الحويك العام 1919 في مؤتمر فرساي، وسلطت الضوء على الميثاق الوطني بين المسلمين والمسيحيين وثوابته، داعياً للعيش تحت سقفه بحرية واحترام متبادل.
وفيما يلي نص اللقاء:
· ما المكانة التي تحتلها الكويت لديكم لتخصوها بزيارة للاحتفال بعيد مار مارون؟
- للكويت مكانة خاصة في قلوب اللبنانيين، كما للبنان مكانة في قلوب الكويتيين، وهذه المكانة كبيرة جدا وقديمة، وقد جمعتنا صداقة قديمة، والبلدان صغيران بالنسبة لمحيطهما ويحملان نفس الرسالة المتمثلة بالانفتاح والحوار وجمع الناس تحت راية القيم التي تجمعنا بايماننا بالإله الواحد.
هذه القيم التي حملها كل من لبنان والكويت، والتبادل بيننا منذ زمن بقي رغم ما شهده البَلَدان من أحداث، وهذا ما يجعلنا نأتي بقلب كبير للكويت.
· كيف تنظرون لوضع مسيحيي الشرق عموما، ومسيحيي الكويت خصوصا؟
- أريد العودة إلى رسالة كتبها الامير طلال بن عبدالعزيز آل سعود في العام 2002، يتحدث فيها عن دور المسيحيين العرب في محيطهم العربي والاسلامي، ويشير إلى أن بقائهم في الشرق الاوسط ضمانة لاستمرارية دورهم في الانفتاح الثقافي والحضاري والديني والانساني والاجتماعي، وأن هجرتهم من المنطقة ولو كانوا أقلية، تعرّض دولنا جميعها لحملات وكوارث تاريخية من العنف والتطرف والتعصب.
بعد اثني عشر عاما من هذه الرسالة، أعتقد أننا وصلنا لهذه الكوارث، ونحن نعتبر دورنا كمسيحيين في الكويت ولبنان والشرق كله، وحضورنا مهم جداً لإعادة خلق نواة التقارب المسيحي الاسلامي الذي عرفناه منذ فجر الاسلام.
والمسيحيون الذين حملوا الرسالة بأخوّة مع المسلمين حافظوا عليها بالرغم من كل الحروب والاضطهادات والصعوبات التي مرت علينا، والسياسات الخارجية والتي أثرت، رغم كل هذا حافظنا على مسيرة مشتركة معاً، ويهمنا أن تكمل المسيرة وأن نواجه تحديات الزمن الصعب بالتقارب.
وعلينا ان ننظر للمجتمع العالمي مع الأخوة المسلمين برسالتنا الواحدة، ويهمنا ان تعرف القوى العالمية، وأن يعرف الغرب بأننا نستطيع العيش معاً، وأن المسيحيين ليسوا بغرباء عن المنطقة وعاشوا مع المسلمين مئات السنوات، فلا يحاول أحد إقناعنا بأننا أعداء مع المسلمين وعلينا المغادرة. هذه رسالتنا اليوم لجميع مسيحيي الشرق بأنه علينا أن نبقى حاملي رسالتنا ونعيش معاً مع المسلمين.
ان الظروف الصعبة التي نمر بها عابرة، ويهمنا النظر والعودة للتاريخ وقراءته قراءة صحيحة ونقدية وواعية، ونستنتج منه العبر لنرسم خطة لمستقبل العيش معاً. فباستطاعتنا العيش معاً وسنكمل هذا الامر.
ندائي لجميع المسيحيين في الكويت وكل دول الخليج والدول العربية، أن نبقى اذا دعينا لتحمل الصعوبات والمحن، وحمل صليبنا الذي تعودنا على حمله، في سبيل أن نبقى موجودين ويبقى حضورنا رسالة للعالم كله.
· ولكن ألا يجدر النظر للمسيحيين من حيث الحقوق وممارسة الشعائر؟
- الوضع الحالي، هناك صعوبة عند المسيحيين للمطالبة بحقوقهم الكاملة. فان كانوا مواطنين أصليين فلديهم الحق والمساواة بالمواطنة، وهذا ما نطالب به وسنبقى بطريقة تكون مناسبة لنا ولغيرنا.
نشعر في بعض الدول بصعوبة كون المسيحي ما زال يعتبر بأن الاسلام يحميه أو المسلمين، ويعتبر أنه ما زال مواطناً من الدرجة الثانية، وهذا الأمر يتطلب وقتاً معيناً وسنوات.
ومسيرة الديموقراطية التي تسير فيها بلداننا، والتي هي ديموقراطية بمفهومنا وليس المفهوم الغربي، ديموقراطية تحترم تعددية الاديان والثقافات والحضارات، هي التي نطالب بها بأن يعيش المسيحيون في أوطانهم، حرية دينهم ومعتقدهم وعلاقتهم مع ربهم والناس كما المسلمون.
هذا ما نطلبه من جميع مسؤولينا في العالم العربي، فان كانوا يعتبرون المسيحيين مواطنين، عليهم ممارسة حريتهم تحت سقف الدولة. فكما نطالب اليوم أن نعيش حرية ديننا ويعيش المسلمون كذلك، ونلتقي جميعا تحت سقف القوانين الوطنية بكل دولة ونحترم القانون جميعا الذي يطبق على الجميع بمساواة، يبقى ان الاعتراف بتعددية الرأي والتعبير عن الدين مفتوحة للجميع.
يمكن أن يكون هناك خوف في دول الشرق الاوسط من أن تطبق ديموقراطية الغرب، أو أن يطالب المسيحيون بتطبيقها كما هي. ولكن الديموقراطية بمفهومنا وللبنان تاريخ كبير فيه، فالديموقراطية هي المساواة بين المواطنين تحت سقف القانون، واحترام تعددية الآراء دون ان يضر بسقف القانون.
أطمئن جميع الاخوة المسلمين وخصوصا المسؤولين في دولنا، أنه يهمنا أن نُعتبر كمواطنين كاملين في دولنا، وأننا نريد العيش تحت سقف كل دولة، ولكن عليهم مساعدتنا لنعيش حريتنا والتعبير عن رأينا وضميرنا وعيش شعائر ديننا، وهذه الحرية نطالب بها للجميع.
· بالنسبة لمسيحيي الكويت، وبالرغم من الحرية المتاحة لهم في ممارسة شعائرهم، هناك مطالبات لا تطبق ببناء المزيد من الكنائس، فكيف ترون وضع مسيحيي الكويت تحديداً؟
- ما أعرفه أن الكويت بلد منفتح منذ زمن وأرى بأنه سيكمل ومن المفروض أن يكمل في هذا، وما يطمئن القيم مشتركة بين الاسلام والمسيحية، ولان قيمنا مشتركة في احترام الانسان وقيم العائلة والأخلاق، فهي إيجابية. علينا أن نكمل بها، ويجب ألا يكون تخوف من المسيحيين الموجودين اذا ما عاشوا حريتهم، لأن من يعيش علاقته مع الله لا يخيف الانسان مهما كان، وان كان من خوف من أي تطرف أو تعصب، فهذا لا يمتّ لأي دين بصلة، لا للمسيحية ولا الاسلام. فنطمئن الجميع، واذا ما كان بمطالبات بانفتاح اكثر فليكن.
· ما يعرف بثورات الربيع العربي قامت تحت مسمى الديموقراطيات، ما تأثير هذه الثورات على المسيحيين؟
- الثورات التي أسميت بالربيع العربي كانت ردة فعل، فللشعوب مسيرتها التي تسير بها، واذا الغرب سبقنا في ثورات الحرية والديموقراطية، فللغرب طريقته وللشرق طريقته، هناك تاريخ ومسار يحتاج للوقت.
فالربيع العربي نتيجته لن تكون بعد يوم او اثنين، وهناك كوارث تحدث لنصل إلى وقت للاستقرار.
شعوبنا الشرق- أوسطية تتطور، فلنعطها الوقت وليكن التطور من داخل الشعوب، لتأخذ وقتها ومسارها ولنقطفها عند النضوج ولا شيء يُفرض علينا فرضاً.
· ولكن في مصر شهدنا إحراقاً للكنائس واعتداء على المسيحيين؟
- هذه كلها ردات فعل، ودائما ردة الفعل تكون مليئة بالحقد والعنف والبغض.
فالتطرف الذي نعرفه اليوم لا يعني أن الاسلام أو المسلمين هكذا. روح التطرف التي نراها كردة فعل على سياسات معينة، ويمكن أن تكون سياسات خاطئة، هي ردة فعل قاسية، ولسوء الحظ المسيحيون يدفعون ثمنها كونهم أقلية ولان وجودهم دقيق في بعض الدول، ولكن يجب أن نفهم بأن هذا ليس لان الاسلام يقول هذا، ولا لان المسلمين يريدون ذلك، فيجب ألا نعمم ولا نستطيع التعميم.
المسيحيون يدفعون الثمن وفي تاريخهم كله دفعوا الثمن، ولكن هذا لا يعني أنهم مستهدفون وسيبقون مستهدفين وأن ليس لهم الحظ بالعيش في دولهم، فهذا غير صحيح.
اخواننا في مصر واينما كانوا موجودين يدفعون الثمن، واذا رضينا بدفع هذا الثمن، في سبيل ان ترقى شعوبنا كلها إلى مستوى العلاقة الاخوية.
اليوم نشهد ظروفاً معينة وردات فعل على أمور معينة، ولكن ليس هذا ما سيقرر مستقبلنا ومستقبل مسيحيي الشرق.
· في سورية أيضاً هناك أوضاع مأسوية للمسيحيين، هل تتخوفون من وضع مسيحيي سورية، ومن سيطرة الإسلاميين على البلاد؟
- اليوم هناك تطرف معين، وهل يا ترى بأن هذا التطرف سيسيطر ويتسلم الحكم؟ لا أعتقد ذلك ومؤمن بأن موجة التطرف، كما أتت ستزول، وهذه قناعتي، والتي يجب ان تكون قناعة الكثيرين منا.
مستقبل بلداننا في الشرق ليس للتطرف او التعصب، بل مستقبلنا كمسيحيين ومسلمين (العيش) معاً. فشبابنا على مستوى من الثقافة والعلم ترقى بالانسان لمستوى علاقة احترام ومودة وحرية واحترام للآخر. وهذه الأمور لا بد من ان نكسب ثمنها جميعا. فالتطرف موجة ستزول كما أتت.
· أين اصبحت قضية راهبات معلولا؟ وهل ترون انفراجا قريبا لهذه القضية؟
- دائما نأمل بانفراج قضية الراهبات وندعو لهن في صلواتنا، ونسأل عنهن وننتظر الافراج عنهن جميعاً وعن جميع المعتقلين.
هن مع المطرانين يوحنا ابراهيم وبولس اليازجي، ليسوا مستهدفين لأنهن راهبات أو مطارنة، بل من ورائهم هناك تطرف معين يرسل برسالة للمسيحيين والعالم. وصلت الرسالة ولكن لن نستسلم لها.
لا نقول بأن الجميع هكذا وبأن كل المسلمين معرضون، فالظروف التي نمر بها عصيبة جداً وصعبة في سورية والعراق ومصر، ولسنا مستعدين للاستسلام ولنقول لهؤلاء احكموا، كما اننا لسنا وحدنا، فنحن نرفض مع أكثرية المسلمين هذا التعامل والتطرف والتعصب في سورية وغيرها.
هذا الامر يدعونا للنظر إلى أبعد مما نحن فيه اليوم، ليس فقط الافراج عن المعتقلين، بل أيضاً لان تصل دولنا لمرحلة العيش بسلام واحترام وفرض القانون على الجميع.
· ما الجديد عن المطرانين؟ هل من معلومات عن بقائهما على قيد الحياة؟
- هناك وساطات معينة تسير بالموضوع وننتظر ليكملوا ما بدأوه ونأمل أخباراً جيدة.
· تنشطون في مجال الحوار السلامي المسيحي، هل ما زال من تقبل لهذا الحوار حاليا؟
- المكان هو للعيش معاً. فالحوار ليس على المعتقدات، لان المسيحي والمسلم يعيش معتقده بحرية ونحن نتحاور للعيش معاً اجتماعياً وحضارياً ووطنياً وغيره، ومؤمن بأن الحوار يجدي ويوصل لنتائج إيجابية.
الحوار مهم وسيكمل لاننا مقتنعون بالعيش معاً، ومحاولة تطوير مجتمعاتنا وبلداننا ودولنا ومسؤولينا، لدرجة احترام حقوقنا وقيمنا في العيش معا.
هذه قناعة راسخة واذا مرت موجة او عاصفة لا توقف ولا تلغي هذه القناعات، ولهذا سنكمل والبراهين على ايجابية العيش معاً والمسار معاً وجدوى الحوار كبيرة جدا.
· لاي مدى لبنان بحاجة الان لوسطية الاسلام ومحبة المسيحية؟
- بحاجة لهذه الامور كثيرا لاننا عندما نرتقي لمستوى القيم نلتقي. فالمحبة عند المسيحيين هي القيمة المميزة وعند المسلمين احترام الاخر، لانه مؤمن بالله قيمة كبيرة جدا، وهذه القيم عندما نعيشها معاً تشكل مستقبلنا، ونستطيع أن نبني عليها معاً مجتمعاتنا الجديدة.
· في تصريحات لغبطة البطريرك الراعي سابقا اعتبر المشكلة في لبنان بين السنة والشيعة، فلماذا يحيد المسيحيون نفسهم عن مشاكل البلد، في حين يشكلون جزءا من المكونات السياسية الاساسية؟
- هناك مشكلة مفتعلة على مستوى الشرق الاوسط، تفرض علينا منظوراً معيناً سياسياً واجتماعياً، نحن نرفض هذا المنظور المفروض علينا لخلق مشكلة سنية شيعية.
نرفض هذه المقولة ونرفض الأزمة بين السنة والشيعة كما بين المسلمين والمسيحيين.
تحدث البطريرك الراعي عن تحييد المسيحيين ليس لأنهم حيدوا أنفسهم، بل تم تحييدهم في وقت معين بمفاوضات معينة، ولم يتكلم معهم أحد، كما أن المسيحيين ليسوا موحدين سياسيا.
ما نشدد عليه هو العودة لان نكون عنصراً جامعاً ووساطة، لإعادة طرح قناعات وطنية، لنعود ونلتقي على أساسها من جديد، والوثيقة التي أعلنها البطريرك الراعي في بكركي تعيدنا إلى الحقائق الكبرى التي استند عليها البطريرك الياس الحويك في العام 1919 عندما مثل كل لبنان في مؤتمر فرساي.
اليوم هذا ما سنقوم به من دور كمسيحيين، واذا لم يستطع السياسيون القيام بهذا الدور، فالبطريركية المارونية قادرة على القيام بهذا الدور، ولهذا سلطت وثيقة بكركي الضوء على الميثاق الوطني وثوابت الميثاق، فلنجدد هذا الميثاق ونعش كلنا تحت سقفه بحرية واحترام متبادل، وهذا دور المسيحيين اليوم وليس لندخل في أزمة مفتعلة بين السنة والشيعة، فلنعد لنشكل عنصراً يجمع في حوار صريح ومقنع جميع مكونات لبنان التي تشكل 18 طائفة وليس مسلمين ومسيحيين.
دورنا كبكركي وككنيسة مارونية ومسيحيين أن نعود مع اخواننا المسلمين، دون ان تكون قناعتنا انهم يتقاتلون في ما بينهم، باستطاعتنا أن نكون بين الجانبين، ونجمعهم بأخوّة منفتحة نبني لبنان من جديد، ليعود مثالاً ونموذجاً في العيش المشترك ووحدة تحترم التعدد.
· اذا شكلت الحكومة اللبنانية بغياب تيار سياسي مسيحي كبير ممثلا بالتيار الوطني الحر، إلى أي مدى سيؤثر ذلك على مسيحيي لبنان؟
- نحاول ألا ندع هذا الامر يحدث، والوثيقة التي أعلنها البطريرك الراعي، هدفها تنبيه جميع المسؤولين وتوعيتهم بضرورة أن نجمع ولا نفرق. فليس الآن وقت التفرقة والالتهاء بأمور تفرض علينا من أزمات معينة، بل الآن وقت الارتقاء والتحاور والانسلاخ من المصالح الشخصية، لنلتقي في حوار واحد نحو إعادة بناء لبنان كدولة، كما اعلنت في 1920 ونالت استقلالها في 1943، وكما وضع الميثاق الوطني بين المسلمين والمسيحيين في العام 1943.
هذا ما نشدد عليه لان لدينا تاريخاً له ثوابت وركائز يجب أن تساعدنا لبناء مستقبلنا.
· طالبتم سابقاً بحصر السلاح بيد الدولة ومؤسساتها، هل ترون بأن الامر ذاهب في هذا الاتجاه؟
- من الطبيعي أن يكون السلاح بيد الدولة، ولكن كيف نصل لهذا الامر، الشيء لا يكون بالقوة.
لم نيأس وستعود طاولة الحوار للانعقاد، والمشكلة ليس لوجود سلاح هنا او هناك، بل هناك سلاح كثير واينما كان، فالمشكلة أن يعود المسؤولون للالتقاء، وعندما تطرح كل الامور للحوار ويكون الطرح قابلاً للتطور والارتقاء لفكرة الدولة من جديد نصل.
ولكن كل ما يفرض بالقوة ينتج عنه ردة فعل، وسنبقى ندعو للحوار ولأن تطرح جميع القضايا من سلاح وغيره، خلال الحوار لنجد حلاً دون استغلال او فرض بالقوة.
لا تستطيع فرض شيء على شريكك، خصوصا في ظل الظروف التي نعيشها اليوم، وهذه أهمية الحوار وجدواها للتوصل إلى حل ووضع قواعد. فبقناعتي لا أحد يرفض كمبدأ وجود دولة قوية تطبق القانون على الجميع، ولكن كيف نطبق هذا المبدأ هو ما يلزمه حوار في السلاح أو غيره.
· البطريرك الراعي شدد في وثيقة بكركي، على أن الكنيسة المارونية لا يمكنها أن تقف موقف المتفرج مما يهدد مستقبل لبنان، هل من مبادرات تطرحها الكنيسة لحل الازمة اللبنانية؟
- الكنيسة تقوم بالكثير من المبادرات، والتي ليس من الضروري أن تقدم بالعلن وعبر الاعلام، خلال المبادرة يجمع الاشخاص المعنيون وتدرس وتوضع لها استراتيجية معينة لتنفذ بعدها.
الكنيسة المارونية تقوم بالعديد من المبادرات لا تعلن عنها، لان هذه المبادرات بحاجة لعمل صامت وجدي دؤوب طويل الامد، ومن الطبيعي أن تبقى الكنيسة المارونية كما في القرون السابقة، تحمل همّ لبنان وما يمثله كدولة من نموذج في العيش الواحد المشترك والمحترم للتعدديات وواجبنا المحافظة عليه.
البطريركية تعتبر نفسها المدافع الاكبر عن صيغة لبنان، وستبقى تحاول في جميع الطرق للوصول إلى هذا الامر، ونعلم بوجود صعوبات كثيرة وتحديات كبيرة وأمواج تعصف بالمبادرات وبالصيغة لتفشلها، ولا ننسى بأن الصهيونية وما فعتله وتفعله من عداء وهي رابضة على حدودنا وحولنا، وهنا لا بد من التنبه لان من يريد دولة عنصرية عكس تمام دولة لبنان وصيغته، يريدون ان يفشل لبنان كصيغة ونموذج، ونحن نريد أن ينجح لبنان امام العالم ليبقى كما كان.
هذه الحرب كبيرة، وتوضع فيها كل الامكانات السياسية والمالية والاقتصادية والسلطوية لتفشل صيغة لبنان، لانه اذا فشلت هذه الصيغة تربح صيغة الدولة العنصرية، من دين واحد وشعب واحد وثقافة واحدة ولا مكان للآخرين.
لبنان عكس ذلك، وسيبقى على صيغته، وكل الدول العربية والاسلامية تقدر الصيغة اللبنانية والنموذج، وتتوق لتصل إلى هذا المستوى، بينما اسرائيل لا تريد نجاح هذه الصيغة.
· حذرت وثيقة بكركي من التفرد بالسلطة في لبنان، ودعت إلى اجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها، هل ترون الامر ممكنا؟
- البطريرك دعا إلى عدم ربط تأليف الوزارة بالانتخابات الرئاسية، فالمجلس النيابي موجود وبامكانه انتخاب رئيس الجمهورية والامر غير مرتبط بتأليف الحكومة.
الهم الاكبر إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها، والتي علينا أن نسعى جميعاً لهذا الأمر. وعلى السياسييين التنبه وعدم الالتهاء بتأليف الحكومة التي سيتم تشكيل حكومة غيرها بعد انتخاب رئيس جمهورية جديد، فاذا لم يتم انتخاب رئيس قبل 25 مايو فهذا الفراغ الحقيقي.
حصل سابقا ان تم انتخاب رئيس جمهورية قبل تأليف حكومة، فالامر ان حصل لن يكون جديدا.
· وجه البطريرك رسالة حول ضرورة عدم التعنت بالسلطة، هل تعتقد بوجود من يقايض رئاسة الجمهورية مقابل تأليف الحكومة؟
- أعتقد بان المسؤولين فهموا على البطريرك وصوته وصل اليهم.
· كيف تنظرون إلى الوضع الامني اللبناني في ظل التفجيرات المتنقلة بين الذي يشهدها البلد؟
- هذه التفجيرات تدخل ضمن المخطط الذي يفرض علينا أزمة وحرباً سنية تشيعية، فالانفجارات متنقلة بين المناطق السنية والشيعية، والواضح وضوح الشمس أن اليد المخططة للشر الكبير تريد ان تفتن وتفرض الحرب بين السنة والشيعة، وبعدها بين المسيحيين والمسلمين كما في السابق.
نفهم هذا المخطط ونقرأه جيداً، وهناك اجماع لبناني على رفض الخطة، ليس فقط لان التفجيرات وسيلة مرفوضة سياسياً واجتماعياً، بل أيضاً لأن الخطة التي تريد الفتنة بين الطوائف نرفضها، وسنبقى واعين لها وعدم استثمارها لعدم إجراء ردة فعل. ونحمد الله لعدم القيام بردات فعل، لوجود وعي عن جميع اللبنانيين والمسؤولين لعدم الوقوع بالفخ الذي ينصب لنا، لانه كبير وفي غاية الخطورة.
رسالة تقدير لصداقة الشعبين
رسالة شكر وجهها راعي ابرشية البترون المطران منير خيرالله إلى الكويت، على استقبالها للبنانيين جميعا، ورسالة تقدير للصداقة التي تجمع بين اللبنانيين والكويتيين، والتي تعتبر أولوية لدى البلدين للاستمرار بها، ونقدر الجهود الكويتية التي عانت ما عانته من ظروف صعبة، وعادت لتقوم بقدرة الله ومسؤوليها وشعبها، لتعود إلى مستوى العيش الكريم وهذا ما نتمناه أيضا للبنان.
رسالتنا أن نبقى بين البلدين لنعود نكون رسالة في جميع دول الشرق الاوسط، بأن العيش الواحد ممكن ووجود احترام متبادل وكرامة للجميع وقانون لكل المواطنين.
رسالة مار مارون
لفت المطران خيرالله إلى أن زيارته للمرة الاولى للكويت، تأتي في سياق الاحتفال بعيد مار مارون، لافتا إلى ان الاحتفال بالنسبة لنا مناسبة كبيرة، باعتبار مار مارون كان ناسكاً ترك الدنيا وتخلى عن كل شيء، ليعيش حياة نسكية مع الله بالبعد العامودي، وأقام علاقة أفقية مع البشر، وشكّل بالنسبة لنا أباً لروحانية معينة سرنا عليها في تاريخنا. ونأخذ منه اليوم في عيده العبرة الكبيرة، بالعيش علاقة مميزة مع الله. فمن يعش علاقة مميزة مع ربه، تكون علاقته مميزة مع البشر.
الرسالة التي حملناها كأبناء مارون خلال 1600 سنة، أن نحافظ على حريتنا وحرية ضميرنا وعيش معتقدنا وضميرنا والمحافظة على حرية جميع الشعوب التي نعيش معها. فعندما نطالب بحريتنا نطالب بحرية جميع الناس، لعيش حريتهم وكرامتهم