عظة المطران منير خيرالله
في قداس ليلة عيد مار دوميط- جران
الأربعاء6/8/2014
«أطلبوا أولاً ملكوت الله وبرَّه، والباقي يعطى لكم ويزاد» (متى 6/33)
حضرة الخوري جورج (واكيم) خادم هذه الرعية،
حضرة الخوري إيلي (سعاده) منسق القطاع الرعوي،
أحبائي جميعاً أبناء وبنات جران.
أحتفل معكم اليوم بعيد شفيع رعيتكم، وأتوقف بالتأمل عند كلمة الله الموجهة إلينا وعند حياة مار دوميط لنأخذ منهما عبرةً لحياتنا ولالتزامنا المسيحي.
أولاً في كلمة الله، يقول القديس بولس في رسالته إلى تلميذه تيموتاوس: «أنا الذي كنت في الماضي مجدِّفاً ومضطهداً عنيفاً، نلت الرحمة لأني كنت أفعل ذلك عن جهل إذ لم أكن مؤمناً. ففاضت عليّ نعمة ربنا مع الإيمان والمحبة في المسيح يسوع ... هو الذي جاء إلى العالم ليخلّص الخاطئين، وأولهم أنا». (1 تيمو 1/13-15).
وفي إنجيل متى، يقول لنا الرب يسوع: «لا تهتموا بما تأكلون أو بما تشربون أو بما تلبسون! كل هذا هو مجد زائل. «أنظروا إلى طيور السماء كيف لا تزرع ولا تحصد ولا تخزن في الأهراء. وأبوكم السماوي يرزقها... تأملوا زنابق الحقل كيف تنمو وهي لا تجهد ولا تغزل؛ وسليمان في كل مجده لم يلبس كواحدة منها. فكم بالحريّ أنتم أفضل منها، يا قليلي الإيمان!». فلماذا تهتمّون بهذه الأمور التي «يسعى إليها الوثنيون، وأبوكم السماوي يعرف ما تحتاجون إليه حتى قبل أن تسالوه! أطلبوا إذاً ملكوت الله وبرّه، والباقي يعطى لكم ويزاد» (متى 6/25-33).
يطلب منا يسوع أن نزيد إيماننا ونضع ثقتنا الكاملة بالله الآب، هو أبونا السماوي، الأب الذي يسهر على أولاده ويرافقهم ويعرف حاجاتهم. علينا أن نسلّم إليه ذواتنا وأن نعمل من أجل الملكوت ونيل الخلاص. فلتكن أعمالنا أعمال رحمة ومحبة تجاه إخوتنا لكي نستحق أن نكون أبناء أبينا الذي في السماوات.
ثانياً، أتأمل معكم في حياة مار دوميط الذي اختاره أجدادكم وآباؤكم شفيعاً لهم. هو الذي عاش في القرن الرابع للمسيحية بين سنة 300 وسنة 363، في أيام اضطهاد المسيحيين في الامبراطورية الرومانية. كان من عائلة شريفة وتوصل أن يصير وزيراً في بلاط الملك. وكان محترماً من الملك ومن الناس. إلى أن أصيب يوماً بمرض داء المفاصل. فاعتبر ذلك علامةً من الله. فعاد إلى ذاته وإلى ربّه، ورأى أن مجد العالم هو مجد باطل وأن الله يطلب منه أن يغيّر حياته، على مثال مار بولس الذي كان يضطهد المسيحيين وأصبح رسول الأمم. فقام بفعل توبة صادق وتخلّى عن كل شيء: عن ماله وممتلكاته وسلطانه، وراح يعيش حياة نسكية في مغارة يكفّر فيها عن خطاياه. فراح الناس يقصدونه ويطلبون على يده الشفاءات، وكان هو يشهد للمسيح ويدلّهم على طريق الخلاص.
اغتاظ الملك من تصرّفاته وطلب منه أن ينكر إيمانه المسيحي ويعود إلى وظيفته. فرفض. عندئذ أمر الملك بأن تقفل عليه المغارة فمات فيها خنقاً.
ثالثاً، ما هي العبرة التي نتخدها ؟ ماذا يعني لنا اليوم كلام السيد المسيح وماذا تعني لنا حياة مار دوميط ؟
المطلوب أولاً ؟ أن نتّكل على الله ونثق به مهما اشتدت علينا المحن. فهو أب لنا ويسهر علينا ويريد لنا الخلاص وأن نكون معه في الملكوت، حتى ولو دفعنا الثمن الغالي. هو قبلنا دفع الثمن بأن ضحّى بابنه الوحيد يسوع المسيح الذي مات على الصليب من أجلنا. إنه ثمن الخلاص. أن نتشبّه بالمسيح ونقبل بحمل الصليب معه. أن نتشبّه بشفيعنا مار دوميط ونتخلّى عن كل ما في هذه الدنيا في سبيل إيماننا بالمسيح وشهادتنا له.
تعالوا ننظر إلى طيور السماء وزنابق الحقل. فالله أبونا يعتني بها. فكم بالأحرى نحن أفضل منها. تعالوا نتخلّى عن أمجاد هذا العالم؛ فكلها باطلة وزائلة. هكذا فعل أجدادنا وآباؤنا وتقدّسوا على هذه الأرض التي نعيش عليها اليوم. عائلاتنا كانت عائلات مقدسة وأعطت قديسين وقديسات؛ ونحن جيران القديسين.
المطلوب ثانياً أن نصلي من أجل المسؤولين عنا، السياسيين والمدنيين، الرؤساء والوزراء والنواب، كي يُلهمهم الله ليتشبهوا بمار دوميط؛ فيتخلّوا عن أمجاد هذه الدنيا وأموالها وممتلكاتها وعن مصالحهم الشخصية، ويقوموا بفعل توبة صادق ويعودوا إلى الله تائبين طالبين المغفرة على كل ما اقترفوا. فيغيّروا حياتهم ويصبحوا رسل محبة ومصالحة وسلام. لعلّ الله يسمع صلواتنا ويمنحنا الخلاص.
وطننا لبنان وأوطاننا في الشرق الأوسط تعاني من تحديات كبيرة نتيجة الحقد والبغض والتقاتل على المصالح المادية والحروب الهمجية التي ترفضها الإنسانية وترفضها كل الأديان. تعالوا نفهم من هذه المحنة أنها علامة من الله، كما فهم مار دوميط، فنغيّر تصرفاتنا وسلوكنا ونتمّم مشيئة الله في حياتنا.
ثالثاً، علينا أن نطلب ملكوت الله وبرّه، والباقي يعطى لنا ويزاد. فتكون أعمالنا أعمال رحمة ومحبة مع بعضنا البعض ومع إخوتنا البشر إنطلاقاً من إيماننا ومن فعل التوبة الذي نقوم به. فنتجدد ونكون حقاً تلاميذ المسيح. ونحن في أبرشيتنا في مسيرة مجمع أبرشي اتخذنا له شعاراً: «على خطى مار يوحنا مارون نتجدد ونتقدس بالمسيح». فمسيرتنا هذه تهدف إلى التجدد الروحي وإلى تجدد الأشخاص والمؤسسات. ودعوتنا هي أن نتقدس لأننا جيران القديسين ولأن أبرشيتنا هي أبرشية القداسة والقديسين.
ندائي الأخير لكم جميعاً: لا تخافوا ! مع المسيح، الذي قال لنا: « لا تخافوا أنا غلبتت العالم»، « لا تخافوا، ها أنا معكم إلى منتهى الدهر»، كلنا ثقة أننا ثابتون في أرضنا المقدسة وفي رسالة كنيستنا ووطننا لبنان، الوطن الرسالة؛ وسنبقى شهوداً للمسيح في الحرية والكرامة ومحبة الناس. آمين.