عظة المطران منير خيرالله
في قداس عيد مار سابا
في كنيسة مار سابا- كفرحي
الاثنين 25 آب 2014
« لا تخف أيها القطيع الصغير» (لوقا 12/32).
أبونا جورج (عبدالله)، خادم هذه الرعية الحبيبة،
أحبائي جميعاً أبناء وبنات كفرحي
بفرح كبير أحتفل معكم اليوم بعيد شفيع رعيتكم مار سابا. وأجدّد معكم إيماني بالرب يسوع الذي دعانا إلى أن نتمسك بإيماننا بالله وأن نعيشه في حياتنا كل يوم.
أولاً، تعليم يسوع الموجّه إلينا في إنجيل اليوم يطمئننا بالرغم من كل ما يدور حولنا. « لا تخف أيها القطيع الصغير»، « إرادة أبيكم السماوي هي أن يعطيكم الملكوت». لا تخافوا إذاً. الملكوت ستدخلونه، لكن بعد أن تكونوا قد حملتم الصليب معي. ومعي تعبرون بالموت إلى مجد القيامة.
هذه هي الطريق التي رسمها لنا المسيح بذاته، وارتضى أن يحمل الصليب ويموت ليفتدينا وليعطينا بقيامته الحياة الأبدية.
لا تخافوا، يقول لنا. أنتم ملح الأرض؛ أنتم نور العالم.
لكن هذا الكلام يحمّلنا مسؤولية كبيرة. صحيح أننا قطيع صغير في هذا الشرق، لكننا ملح الأرض ونور العالم. قليل من الملح يطيّب الطعام، وقليل من النور يضيء في ظلمة العالم؛ المهم إذاً النوعية لا الكميّة. والويل لنا إذا فسد ملحنا وأصبح نورنا ظلاماً !
إنها المسؤولية ذاتها التي حمّلها المسيح لرسله الإثني عشر وتلاميذه الاثنين والسبعين وأرسلهم إلى العالم كله ليبشروا بالخلاص ويعيشوا المحبة في ما بينهم أولاً ثم مع الناس أجمعين.
وإنها المسؤولية ذاتها التي يحمّلها المسيح لكم يا أبناء وبنات كفرحي في عيد شفيعكم مار سابا الراهب والناسك الذي تخلّى عن كل شيء في هذه الدنيا ليتبع المسيح ويقترب من الله في علاقة مميزة بالصوم والصلاة والتقشف والتجرّد والعمل في الأرض.
أنتم تحملون مسؤولية تاريخ عظيم نقله إليكم آباؤكم وأجدادكم منذ مار يوحنا مارون. وأنا معكم أعتبر نفسي ابن كفرحي، وذلك منذ أن تسلّمت خدمة هذه الرعية من حوالي خمس وعشرين سنة؛ واليوم، كمطران الأبرشية، أعتبر أن المسيح يحمّلني المسؤولية معكم لنحافظ معاً على تاريخ كنيستنا وتراثها ورسالتها انطلاقاً من المقرّ البطريركي الأول، من حيث أسس مار يوحنا مارون الكنيسة البطريركية على اسم مارون ونظمها وأطلقها في العالم. وإذا عدنا إلى مسيرة هذه الكنيسة في التاريخ نرى أنها بقيت ثابتة في إيمانها الرسولي ووحدتها بالرغم من الحروب والاضطهادات والإحتلالات.
بقيت حاملة رسالتها في خدمة الله والإنسان شاهدة أنها القطيع الصغير الذي أنعم عليه الله بالملكوت.
ونحن نحمل مسؤولية أن تتابع كنيستنا شهادتها للمسيح، ليس فقط في كفرحي، ولكن من كفرحي إلى العالم حيث توجد كنيستنا ويوجد أبناء مارون. أبرشية البترون هي أرض القداسة والقديسين. فالمسيح، كما مار مارون ومار يوحنا مارون وجميع قديسينا، يقولون لنا: لا تخافوا ! لكن عليكم أن تحملوا الصليب مع المسيح وتسيروا درب الجلجلة لتستحقوا مجد القيامة. عليكم أن تعبروا بالموت لتدخلوا الملكوت. ولأن قلبنا هو عند الله وكنزنا هو عند الله، فنحن لا نخاف حتى من الموت. فالموت بالمسيح أصبح حياةً.
إني أدعوكم اليوم، كما يدعوكم مار مارون ومار يوحنا مارون وجميع قديسينا، إلى التخلّي عن أمور هذه الدنيا لأنها فانية وباطلة، وإلى عيش المحبة في ما بيننا. فلن يبقى لنا بعد أن تزول الدنيا سوى أعمالنا التي نحملها معنا إلى ربّ الحياة. تعالوا نتصالح مع ذواتنا ومع بعضنا البعض لنحمل معاً المسؤولية الملقاة على أكتافنا. ولنكن جديرين بتاريخنا وبالنعمة التي أعطيت لنا أن نعيش على أرض مار يوحنا مارون والقديسين. آمين.